اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٣ شباط ٢٠٢٥
'مقدراتنا شبه صفر'، بهذه العبارة يلخص مدير الدفاع المدني في محافظة غزة العميد حقوقي رائد الدهشان واقع الجهاز بعد حرب الإبادة الجماعية، التي أسفرت عن تدمير مراكزه بالكامل و90% من سياراته ومعداته.
ويوضح الدهشان في حوار مع صحيفة 'فلسطين' أمس، أن استهداف مكونات الدفاع المدني طال رجاله الذين استشهد منهم 105 وأصيب 350 آخرون خلال الحرب التي امتدت على مدار 471 يوما.
ومع تأكيده الحاجة لبناء مراكز دفاع مدني وإدخال سيارات ومعدات جديدة، فإنه يشير إلى 'تقصير كبير جدا من المؤسسات الدولية ولا مبرر له'، مرجعا إياه 'لقرار سياسي يجب أن يحل'.
ويفيد العميد الدهشان بأن الجهاز قدم اقتراحات عدة للمؤسسات الدولية بإدخال المعدات مع ضمان استخدامها فقط للدفاع المدني، متسائلا: لماذا يتشدق العالم بالإنسانية والإجراءات الآدمية لكن عند جهاز الدفاع المدني تتوقف عجلة الإنسانية؟
ورغم وصفه الدفاع المدني بأنه 'شبه معطل' نتيجة لواقعه الحالي، يبين الدهشان أن الجهاز سيطلق مشروعا لانتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض حتى وإن لم تتوفر المعدات.
'مكونات غير موجودة'
عن تداعيات حرب الإبادة الجماعية على الدفاع المدني، يقول الدهشان: هذا البلاء الذي أتى على أهلنا في قطاع غزة أصاب طواقم الدفاع المدني، لأن آلة الحرب لم تميز بين رجل دفاع مدني أو طبيب أو مستشفى أو مدرسة.
ويقدر الأضرار التي لحقت بالدفاع المدني من جراء الحرب، بقوله: أكثر من 90% من معداتنا وسياراتنا دمرت، والمباني أيضا، وحتى على مستوى كادر الدفاع المدني استشهد منهم 105، وهؤلاء مدربون يعملون في الميدان وتعب عليهم الشعب الفلسطيني وجهاز الدفاع المدني حتى أصبحوا متمرسين على التعامل مع الأحداث فور وقوعها ويتحملون الضغط النفسي ولهم مميزات خاصة في ذلك.
وإضافة إلى ذلك فإن 60 مصابا من أصل 350 أصيبوا من رجال الدفاع المدني لا يستطيعون ممارسة العمل حاليا.
ويشرح المخاطر التي واجهتها طواقم الدفاع المدني: كنا نستهدف في المهمات وفي مراكزنا وأثناء خروجنا للمهمة وفي طريقنا إليها، ونحن نعد أنفسنا قريبين جدا من المواطن لأن أول نداء استغاثة عبر الرقم المجاني 102 نلبيه فورا قبل أن يعلم العالم أن هناك استهدافا.
وبسبب شح الإمكانات، يقول الدهشان: 'جهاز الدفاع المدني يحتاج إلى جهاز دفاع مدني حتى ينهض ويمارس طبيعة عمله'.
ويوضح الدهشان أن مكونات الدفاع المدني هي موقع وكادر ومعدات حتى تتحرك بها طواقمه، لكن 'كلها غير موجودة'، باستثناء من تبقى من كادر الجهاز بعد حرب الإبادة.
ويؤكد الحاجة لبناء مراكز دفاع مدني وإدخال سيارات جديدة خاصة به حتى يتعامل مع الأحداث.
ويتابع: لا أجد في العالم مكانا منكوبا أكثر من غزة، ومعروف أن سيارة الإطفاء تصنع للمناطق المنكوبة ونحن في جهاز الدفاع المدني بأمس الحاجة لهذه السيارات، فلماذا لا تدخل إلينا لنتعامل معها وننقذ أبناءنا؟
ويردف: عندما نسمع صراخ شخص تحت الأنقاض وليست لدينا معدات للوصول إليه نتمزق ألما ونعد ذلك تقصيرا منا لكننا نواسي أنفسنا بالعمل وبذل جهد أكبر وبفترة زمنية أكبر قد تودي بحياة المواطن تحت الأنقاض.
ويذكر أن عامل الزمن يلعب دورا كبيرا جدا، ففي حال وجود المعدات الثقيلة لرفع الأنقاض عن المواطنين ممكن إنجاز المهمة في أقل من ساعة، لكن عندما يستمر العمل ليوم أو يومين أو أكثر في بيت واحد، فمن هو المصاب الذي ينزف أو يختنق تحت الأنقاض وسيصمد؟ بالتالي ترتفع أعداد الشهداء. وأسفرت حرب الإبادة الجماعية على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عن استشهاد وإصابة نحو 160 ألف غزي، معظمهم نساء وأطفال -وفق معطيات وزارة الصحة- ودمار طال معظم مباني قطاع غزة وبناه التحتية.
حصار 17 سنة
وعلى مدار 471 يوما أجبر شح المعدات والسيارات رجال الدفاع المدني على العمل في بعض المهام باليد الفارغة، والحديث لا يزال للدهشان.
ويشير إلى أن وجود سيارة الدفاع المدني يخفف عن المواطنين بحيث تصل في الوقت المناسب وتنقذ أناسا من تحت الأنقاض.
ويتابع: نريد أن نساعد الناس، لكن ما ينقصنا الآن في الجهاز هو المعدات اللازمة للطواقم، التي افتقرت خلال الحرب حتى لأجهزة الحماية الشخصية من خوذة وقفازات وكشاف وسيارة ومعدات الحفر.
ويبين أن طواقم الدفاع المدني حفرت الباطون بأيديها وأظفارها وعملت بمهام لأكثر من 20 ساعة متواصلة لتنقذ طفلا أو أحد أفراد عائلته، وقد أخرجت عائلات بالكامل من تحت الأنقاض.
وعن واقع مقدرات الجهاز قبل الحرب وبعدها، يقول الدهشان: إنها في الأصل كانت بسيطة، نحن تعرضنا لحصار كما تعرض له الشعب الفلسطيني لأكثر من ١٧ سنة، ولم يدخل أي نوع من المعدات للجهاز بحيث أن المانحين كانوا يرسلون سيارات الإطفاء وتبقى متوقفة على المعابر حتى تتلف.
ويضيف: 'الجانب الآخر (الإسرائيلي) منع دخول هذه المعدات وسيارات الإسعاف والإطفاء والإنقاذ والسلالم الهيدروليكية، وكنا نعاني من قلة إمكانيات وشح موارد ودخلت علينا هذه الحرب، لذلك أصبحت المسألة مركبة'.
لا مساعدات
ويؤكد الدهشان أن قيادة جهاز الدفاع المدني لم تستلم حتى الآن أي نوع من المعدات اللازمة لعملها في قطاع غزة، أو أي نوع من المساعدات.
ويقول: اللترات البسيطة من السولار التي تصل للدفاع المدني حتى يضمد جراحات الناس ويتعامل مع الأحداث لا تسمن ولا تغني من جوع، وهو يخرج في السيارات المهترئة المتهالكة التي تمت صيانتها خلال الحرب في الورش المحلية البسيطة.
وتفتقر طواقم الدفاع المدني 'لأقل القليل' بما في ذلك وجبات الطعام والرواتب والخوذ، وفق الدهشان.
وفي 16 من الشهر الجاري، قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف: إن إعلان الاحتلال رفض إدخال البيوت المتنقلة والمعدات الثقيلة، هو تنصل واضح من تعهداته والتزاماته التي وقع عليها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار والبروتوكول الإنساني الملحق، وهو بمثابة إعلان صريح بإفشاله الاتفاق الذي أكدت المقاومة أنها ستلتزم بتعهداتها فيه ما التزم الاحتلال.
وعن دور المؤسسات الدولية، يقول الدهشان: إن هناك تقصيرا كبيرا جدا منها، وهو غير مبرر، مرجعا توقف الدعم عن جهاز الدفاع المدني إلى 'قرار سياسي يجب أن يحل'.
وينبه إلى أن عدم دعم الدفاع المدني يتم بذرائع غير مبررة عما يسمى 'الاستخدام المزدوج للمعدات'.
ويوضح أن الجهاز قدم اقتراحات عدة على المؤسسات الدولية لإدخال المعدات وضمان استخدامها فقط للدفاع المدني.
ويتساءل: لماذا يتشدق العالم بالإنسانية والإجراءات الآدمية لكن عند جهاز الدفاع المدني تتوقف عجلة الإنسانية؟
ويشير إلى أن الدفاع المدني يعمل في المجال الإنساني ومع متطلبات المواطنين الذين يقصفون ويموتون ويتعامل مع أشلائهم ومقدراتهم.
جثامين الشهداء
وبشأن جثامين الشهداء العالقة تحت الأنقاض، يقول مدير الدفاع المدني بغزة: نصبو إلى التعامل معها، ويزيد عددها عن 10 آلاف شهيد.
ويوضح أن الدفاع المدني يواجه إشكالية كبيرة، إذ إن المواطنين يطالبونه بانتشال أبنائهم من تحت الأنقاض، لكن ذلك يمثل عملا مضنيا في ظل عدم وجود معدات وشح كبير في السيارات ومادة السولار التي تعمل بها السيارات.
ويتابع: كل هذه المعوقات تجعلنا عاجزين عن إخراج المواطنين من تحت الأنقاض، بدلا من أن ننجز مهمات وأعداد كبيرة.
لكنه يشير إلى أن مهندسين متخصصين يعملون على توفير معلومات عن جثامين الشهداء المتواجدة تحت الأنقاض، 'لنصل إلى إحصاءات نهائية مع نهاية الأسبوع الجاري'.
ويوضح أن الفرق جابت الشوارع وأجرت بحوثا ولقاءات في المناطق وسألت أصحاب البيوت المدمرة لمعرفة عدد الأشخاص تحت أنقاض كل منزل، لافتا إلى إطلاق تطبيق عبر الإنترنت يوصل المواطنين لهذه المعلومات بسهولة.
ويؤكد الدهشان أنه إذا توفرت المعدات وبإرادة طواقم الدفاع المدني يمكن التعامل مع مهمة انتشال جثامين الشهداء وإنهاء هذه الإشكالية، لكن في حال عدم توفر المعدات قد يحتاج إنجاز الأمر لسنوات عديدة.
ورغم ذلك، يفيد بإطلاق مشروع في الأيام المقبلة لانتشال جثامين الشهداء حتى إن لم تتوفر هذه المعدات.
ويشير الدهشان إلى أن جهاز الدفاع المدني هو المكلف بالتعامل مع الأرواح والممتلكات والآليات والأحداث والحفاظ على الجثامين، لافتا إلى وجود لجنة توثيق لتصويرها والتعرف عليها من ملابسها وأهلها وتعبئة نموذج كامل بالخصوص.