اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
لم يكن أحد يتوقّع أن تقع كارثة بهذا الحجم، فظاعةً وإجرامًا، نارًا ودمارًا، قتلًا وحرقًا، وانحطاطًا واستهتارًا بكلّ القِيَم التي تعارف عليها البشر.
ولكن، هل كان أحد يتصوّر في المقابل أن تبقى البطولة حيّةً وممتدّةً رغم هذا الفارق الهائل بين فريقٍ مناضلٍ ثائرٍ يدافع عمّا تبقّى له من وطن، وفريقٍ يوغل في عدوانه وصلفه بلا حدود؟
لقد جمعت هذه الحرب على رؤوس الفلسطينيين أبشعَ أنواع الكوارث، وخرج منهم – في الوقت ذاته – أعظمُ أشكال البطولة.
وعلى حِصاد هاتين السنتين، يختلف المحلّلون، لكنّ المؤكّد أنّ المشروع الصهيونيّ وكيانهم ومجتمعهم قد آل إلى تراجعٍ ومنزلق خطير واضحٍ، بعد أن كان يحلم بأن تكون فلسطين جنّة نعيمٍ له؛ جنّة السمن والعسل، والاستثمار، والمال، والهايتك، والأمن، والأمان، وتطبيع العلاقات مع دول المنطقة، والسيادة السياسيّة والاقتصاديّة عليها.
ولا نقول – تفاؤلًا – إنّ هذا كلّه قد تبخّر، ولكنّه بلا شكّ تراجع كثيرًا.
غزّة التي كانت محاصَرة، أصبحت اليوم تُحاصِر من حاصَرها.
والعالم بأسره بات يرى هذا الكيان بصورته الحقيقيّة في الإبادة الجماعيّة، وجرائم الحرب، والتطهير العِرقيّ، والسقوط الأخلاقيّ، ولم يعُدْ يراه بصورة 'الضحيّة'.
لقد خسر صورة 'المظلوميّة' و'الهولوكوست'، وصار هو مَن يُقيم الهولوكوست ويُخرجه بصورةٍ أبشع من صورته الأولى.
أصبح منبوذًا كدولةٍ ومجتمع، وكلّ مَن يحمل جنسيّته أصبح منبوذًا على مستوى العالم.
وهذا ما انعكس بشكلٍ خطيرٍ على اقتصاده واستقراره الأمنيّ؛ فلم يعُد الأمن قائمًا، ولا الاستقرار ثابتًا، بل تحوّل الكيان إلى مصدرٍ للإرهاب والرعب، والدمار النفسيّ، والأخلاقيّ، والقِيَميّ الشامل.
وقد اعترف نتنياهو أخيرا بالعزلة العالميّة التي يعيشها كيانه.
في المقابل، ارتفع رصيد القضيّة الفلسطينيّة، وأصبحت شعوب الأرض ترى في غزّة قِبلةً للحرّيّة والأحرار.
بل إنّ عددًا من الدول الوازنة اعترف حديثًا بالدولة الفلسطينيّة، وهو تطوّرٌ مهمّ، وإن كنّا نطالب بأن تتبعه إجراءاتٌ عمليّةٌ تُفضي إلى استعادة الحقوق الفلسطينيّة.
نحن اليوم أمام مفصلٍ تاريخيٍّ حاسمٍ ومعركةٍ فاصلة.
ومن الواضح أنّ المحتلّ لم يحقّق أهدافه بعد سنتين، وهذا اعترافٌ ضمنيٌّ بالفشل؛ إذ إنّه – مثلًا – في حرب عام 1967 احتلّ سيناء والجولان والضفّة وغزّة في ستّة أيّام، أمّا اليوم فهو يقف عاجزًا أمام غزّة منذ سنتين.
وهو يدّعي أنّه انتصر على عدّة جبهات، لكنّ الحقيقة أنّ الصراع لم يُحسَم في أيٍّ منها.
لقد فَتَحَ ملفاتٍ صعبة ولم يُفلح في إغلاقها؛ ففي لبنان بقي حزب الله مصدرَ تهديدٍ حقيقيّ رغم كلّ الضربات التي تلقّاها، والمدعومة من الولايات المتّحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول ذات القدرات التجسّسيّة الهائلة.
وباعترافه هو، فإنّ الخطر من لبنان ما زال محدقًا.
كما أضاف إلى ملفّ غزّة ما جرى في إيران، ولم يُغلَق هذا الملفّ بعد، ولولا الدعم الأمريكيّ المباشر لما استطاع الصمود فيه.
واليمن ما زال مصدر تهديدٍ لا يهدأ له بال، وسوريا ما زالت ساحةً مفتوحةً لعربدته واستغلاله لظروفٍ حسّاسةٍ هناك.
ثمّة أمرٌ خطيرٌ على هذا الكيان، وهو انكشافه التامّ؛ فهو لا يُحارب وحده، بل أمريكا تحارب معه جنبًا إلى جنب.
وهذا أمرٌ خطير، إذ لو تخلّت عنه أو خفّفت من دعمها، فماذا سيكون مصيره؟
ومع علمنا – كما يذكر المسيري – أنّه 'كيانٌ وظيفيّ' لحماية مصالح الغرب، نجده اليوم في حاجةٍ إلى الغرب كي يحميه!
فلولا أمريكا، التي تُحارب معه بكلّ هذه القوّة والحضور، لما استمرّت المعركة طيلة هذا الوقت.
بعد مرور سنتين، يظهر بوضوحٍ أنّ المشروع الصهيونيّ قد تراجع كثيرًا في أكثر من جانب، حتى بدا أوهى من بيت العنكبوت.
فماذا لو كانت هناك جهاتٌ أخرى سلكت سلوك اليمن؟
إنّ هذا الإجرام غير المسبوق، باستخدام وسائل وطرق لم يسبقهم إليها أحد، ليس إلّا دليلَ ضعفٍ وهزيمةٍ وعُقدةِ نقص.
أن تُفجَّر أحياءٌ سكنيّةٌ بروبوتاتٍ مفخّخةٍ تحمل أطنانًا من المتفجّرات، وتُقصف المدن بصواريخَ تزن طنًّا كاملًا من المتفجّرات، فذلك كلّه دليلٌ على هستيريا وفقدان السيطرة.
هذا الحجم من التدمير وقتل المدنيين من الأطفال والنساء، لا يمكن تفسيره إلّا بانهيارٍ أخلاقيٍّ شاملٍ لكيانٍ فقد القدرة على ضبط نفسه.
إنّه كيانٌ فقد صفته الحضاريّة التي تمكّنه من الاستمرار في لعب دور الدولة 'المحترمة' داخل المجتمع الدوليّ.
لقد ضلّ طريقه الحضاريّ، وفَقَد بوصلته الإنسانيّة، ولم يعُدْ له ما يُثبِت استمراريّته.
وهو المصير ذاته الذي انتهى إليه كلّ من توحّشوا في التاريخ البشريّ من قبل.

























































