اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٧ تموز ٢٠٢٥
﴿*سَلامٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدّارِ﴾*
الرعد 24
غزّة يا نيران العزم المتقدة في قلب العتمة، يا صخرة الإيمان في زحام المحن، يا موضع الاصطفاء الرباني، حين شاء الله أن تكوني جسر النصر ومحراب الثوار. في أتون الظلم، أضأتِ شموع الصمود، وكتبتِ بدم الشهداء رواية الروح المنتصرة على الطغيان. وها هو وعد الله يقترب، ودماء المجاهدين تفور بحبر الحرية، تكتب فصول النور في زمن السواد، وأنتِ، بحجم جراحك، تصوغين أسطورة تزلزل عروش الطغاة، وتبث في قلوب المستضعفين أملًا لا يخبو ونورًا لا يُطفأ.
الحمد لله، ثم الحمد لله، وكان فضل الله عليكِ يا غزة عظيمًا. لقد شاء أن تكوني الشرارة التي توقد ثورة فلسطين الكبرى، والوتد المغروس في الأرض، لا يلين ولا يُقتلع. كنتِ الخيمة التي احتمى بها المقهورون، وسنديانة الجهاد التي أثمرت رغم الحصار. هذه المحرقة السادية، على بشاعتها، ليست إلا مقدمات حتمية لزوال الاحتلال واندثار ظلم الصهيونية وإسقاط أقنعة أمريكا وشركائها في المذبحة.
أرادك الله، رغم ضعفك وهوانك على الناس، أن تكوني قدره الغالب، وسنّته الماضية. بك يمحص الله المؤمنين ويمحق الكافرين {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 141]. وبك يستدرج العدو ليغرق في الوحل {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182]، {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183].
لقد كشفتِ الوجه الحقيقي لعصابات الإبادة، ومزقتِ ستار دعايتهم الكاذبة، فأبصرت الدنيا حقيقتهم، وخرجت الجماهير من كل القارات تلعنهم، وتطالب بمحاكمتهم. فصاروا كما أرادهم الله: فئة منبوذة، تائهة، متفرقة {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14]، وعاد التيه قدرهم {يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 26]، ولن يعودوا إلا إذا عادوا للظلم {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8].
وانكشفت كذلك أمريكا، بصورتها العارية: شريك في الذبح، وصانع للخراب، ورمز لعجزٍ دوليٍّ مريض. وفضحتِ من ارتضى السجود عند أعتاب البيت الأبيض، وعرّيتِ أنظمة لا ترى ولا تسمع إلا بإشارة من أسيادها. أما الشعوب التي نامت طويلًا، فهي الآن بركان تحت الرماد، لا يوقظه سوى صوتكِ الجريح، وزئيرك المقاوم.
وغزة أعادت تعريف الحياة؛ ليست زينة المال والبنون، بل لقاء الله في مقامات الشرف {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 17]. فغدت الشهادة دعوة عامة، تسري في النفوس كالنور، وتَسِمُ المجاهدين بوسام الفداء، وتعجّل القلوب المشتاقة إلى رضوان ربها {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84].
هي غزة الكاشفة، حيث فئة قليلة تقدمت إلى النقطة صفر {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [البقرة: 249]، ورفعت راية فلسطين في أعلى المجد. من حولهم شعبنا الصابر الثابت {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} [إبراهيم: 27]، يعلم علم اليقين أن عدوه لا يملك عليه سلطانًا {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران: 111]، وأن وعد الآخرة قادم لا محالة {وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا} [الإسراء: 7].
وفي أفق هذا الليل الطويل، حيث تلوح بشائر الهدنة كفجرٍ جديد يشرق من بين رماد المعركة، نرفع أسمى التحايا لغزة الأسطورة، يا من نسجتِ من الألم تاجًا فوق جبينك، وحررتِ بصبرك أسمى معاني البطولة والفداء.
سلامٌ على شهدائكِ، النجوم التي أضاءت عتمة الأمة،
سلامٌ على أسرى الصبر،
سلامٌ على البيوت التي لم تعد بيوتًا بل معابد للبطولة،
سلامٌ على العائلات التي ربّت على الشهادة والكرامة،
سلامٌ على النساء الماجدات، وعلى الأطفال الكبار بمواقفهم،
سلامٌ على 'داوود' في قلبه القتالي، وسلامٌ على الرجال والمقاتلين والمؤسسات والمرابطين وكل من ثبت وساهم وداوى وكفكف دمعًا وأوقد شمعة.
سلامٌ عليكِ يا غزة، يا محرقة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، يا راية الإلهام وقلعة المجد ومنارة المظلومين.
وحين وصل النبي ﷺ المدينة، ووجد اليهود يصومون عاشوراء شكرًا لنجاة موسى من فرعون، قال: 'نحن أحق بموسى منهم.' فصامه وأمر بصيامه.
واليوم، بعد طوفان الأقصى وثباتكِ في محرقة العصر،
ندعوكم لأن نصوم شكراً، ونسجد حمداً، ونرفع الأكف إلى السماء نردّد:
الحمد لله أن شرفنا بالاصطفاء والانتماء إليكِ، يا غزة.
رغم سنتين من المحن والبأساء والضراء والزلزلة، نحتسب كل دمعة ووجع ودم، في ميزان أمتنا، حتى نسمع من ربنا :﴿سَلامٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدّارِ﴾ الرعد 24