اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
الكاتب:
عنان نجيب
في خطوة لم تكن مفاجئة لمن يتابعون السياسات الإسرائيلية عن كثب، أعلنت سلطات الاحتلال نقل صلاحيات إدارة الحرم الإبراهيمي من بلدية الخليل الفلسطينية إلى المجلس الديني في مستوطنة كريات أربع. هذه الخطوة ليست مجرد إجراء إداري، بل هي جزء لا يتجزأ من سياسة ممنهجة تهدف إلى تغيير جوهر الصراع: الأرض، الهوية، والسيادة.
تقويض الواقع القائم
منذ مجزرة 1994 المروعة التي هزت وجدان كل إنسان حر، تحول الحرم الإبراهيمي إلى رمز للتوتر والحساسية الدينية في الخليل. قُسم الموقع قسرًا بين المسلمين والمستوطنين، ووضعت ترتيبات حساسة كان يُفترض أن تحافظ على الحد الأدنى من 'الوضع القائم'. لكن إسرائيل، وبكل وقاحة، قررت إعادة تعريف هذا الواقع بمفردها.
القرار الأخير، بمنح الصلاحيات الإدارية لجهة استيطانية تحت غطاء الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال، يكشف بوضوح عن تحول خطير في تعاطي إسرائيل مع المدينة القديمة في الخليل، بل ومع القضية الفلسطينية برمتها. إنها محاولة مكشوفة لفرض أمر واقع جديد.
الدين كستار للسياسة... أين نقف الآن؟
هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل الدين ذريعة لتكريس مشروعها السياسي في الأرض المحتلة، لكنها بالتأكيد من المرات القليلة التي تفعل فيها ذلك بهذا القدر من الصراحة الوقحة. من يدرس السياق يدرك أن هذه الخطوة تتجاوز مجرد تنظيم إداري للموقع؛ إنها رسالة لا لبس فيها: 'نحن هنا ولن نغادر، وهذه أرضنا'.
عندما تُنزع صلاحيات بلدية فلسطينية منتخبة شرعًا، ويُمنح مستوطنون غلاة السلطة على أحد أقدس الأماكن الإسلامية، فإن الأمر لا يتعلق أبدًا بالخدمات أو الترميم. إنه يتعلق بإعادة رسم الخريطة الجغرافية والتاريخية من جديد، على حساب السكان الأصليين وتاريخهم العريق.
تبعات هذه الخطوة... ما الذي سيتغير فعليًا؟
الأهم ليس ما حدث للتو، بل ما قد يترتب عليه في قادم الأيام. منح إدارة الحرم للمستوطنين يعني فتح الباب على مصراعيه لتغييرات بنيوية، وربما رمزية، في طابع المكان المقدس. ويعني أيضًا إقصاء أي دور فلسطيني رسمي من المشهد، في سياق أوسع من محاولات السيطرة الكلية على المدينة القديمة بساكنيها وتراثها.
لا يخشى البعض فحسب، بل يؤكدون أن الخليل اليوم هي نموذج مصغر لما قد يحدث غدًا في القدس. إن الصمت على هذه الخطوات العدوانية لن يعني سوى تكرارها في المسجد الأقصى المبارك، بكل تفاصيلها المريرة.
ماذا بعد هذا التحدي؟
هذا القرار ليس مجرد تحدٍ للفلسطينيين وحدهم، بل هو صفعة للمجتمع الدولي برمته، الذي سبق أن اعتبر الحرم الإبراهيمي موقعًا تراثيًا فلسطينيًا مهددًا. اليوم، لم يعد التهديد مجرد احتمال بعيد، بل أصبح واقعًا ملموسًا تشرف عليه جهات استيطانية بشكل مباشر، بوقاحة لا حدود لها.
وعلى الرغم من قتامة المشهد، تظل الخليل، بأهلها الصامدين، والحرم الإبراهيمي، عنوانًا للصمود الأسطوري. لكنهم يحتاجون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى صوت عربي ودولي يصدح بالحق، ودعم حقيقي وواعي بأن ما يجري ليس مجرد قرار إداري بسيط... بل هو إعادة هندسة للهوية، ومحاولة سافرة لإلغاء وجود، وسط صمت عالمي ثقيل ومقلق لا يمكن قبوله.