اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
بعد مرور عامين على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لا تزال الجرائم الموثقة والدمار الواسع شاهداً على عجز المنظومة القانونية الدولية عن حماية المدنيين أو محاسبة الجناة، إذ تحوّل القطاع إلى بقعة يقاس فيها مدى فعالية القانون الدولي الإنساني الذي وُضع لحماية الإنسان في زمن الحرب، لكنه يُنتهك وسط صمت دولي وتواطؤ سياسي واضح.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، شن الاحتلال حرباً وُصفت بأنها الأعنف في التاريخ الحديث، استهدفت البشر والحجر، ووصفتها منظمات أممية بانها 'حرب إبادة شاملة'. وبحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، فقد استُشهد أكثر من 80 ألف فلسطيني وأصيب نحو 170 ألفاً، معظمهم من النساء والأطفال، فيما دُمرت أكثر من 70% من البنية التحتية في القطاع.
واستهدف الاحتلال خلال حرب الإبادة المستشفيات والمدارس ومراكز الإغاثة وفرض حصاراً مطبقاً، ما أدى لتفشي المجاعة وانتشار الأوبئة، وهو اعتبره خبراء القانون الدولي إبادة متعمدة لجماعة بشرية محددة وهي الشعب الفلسطيني في غزة، من خلال القتل المباشر، وهو ما يُطابق تعريف جريمة الإبادة الجماعية في القانون الدولي.
وتنص اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية عليها على مجموعة من المبادئ الجوهرية، أهمها، حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، حظر استهداف المنشآت الطبية وفرق الإسعاف، منع استخدام التجويع كسلاح حرب، الالتزام بمبدأ التناسب والتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، لكن الحرب على غزة مثّلت خرقاً ممنهجاً لهذه المبادئ.
وتُعرّف الإبادة الجماعية قانوناً بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، بأنها أي فعل يُرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية أو عرقية، سواء عبر القتل، أو التسبب بأذى جسدي أو نفسي خطير، أو إخضاع الجماعة لظروف معيشية يراد منها إهلاكها، أو فرض تدابير لمنع الإنجاب، أو نقل الأطفال قسراً من الجماعة إلى جماعة أخرى.
يؤكد أستاذ القانون الخاص بالجامعات الليبية الدكتور راقي المسماري، أن ما تشهده غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 يمثل مرحلة جديدة من الحرب الإسرائيلية تهدف إلى الإبادة السريعة للشعب الفلسطيني وتصفية قضيته بالكامل، في خرق واضح وصريح لكل مبادئ القانون الدولي الإنساني.
وقال المسماري في حديث خاص لصحيفة 'فلسطين'، إن عملية 'طوفان الأقصى' جاءت في سياق رد طبيعي على عقود طويلة من العدوان الإسرائيلي الممنهج ضد الفلسطينيين، شملت القتل والتجويع ومصادرة الأراضي والاعتقالات التعسفية، إلى جانب تجاهل (إسرائيل) الدائم للقرارات الدولية والتزاماتها القانونية.
وأوضح أن ما ارتكبته (إسرائيل) بعد السابع من أكتوبر فاق كل الحدود، إذ انتقلت من سياسة التصفية البطيئة للشعب الفلسطيني إلى محاولة الإبادة الشاملة في وقت وجيز، عبر التدمير المنهجي للبنية التحتية، واستهداف المدنيين، وفرض الحصار الشامل، واستخدام التجويع كأداة حرب، في مخالفة صريحة لاتفاقيات جنيف الأربع.
وأشار المسماري إلى أن العدوان الإسرائيلي لم يقتصر على غزة وحدها، بل امتد ليشمل 'توسيع دائرة الحرب ضد محور الممانعة في المنطقة'، من خلال اعتداءات على دول ذات سيادة، في انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي العام.
وفي سياق حديثه عن الموقف الدولي، أوضح الخبير القانوني الليبي أن الدور الأمريكي خلال إدارة دونالد ترامب انسجم تماماً مع العقل الصهيوني المتطرف، حيث تبنت واشنطن خطة التصفية السريعة للقضية الفلسطينية، بعد أن كانت الإدارات الديمقراطية تسعى لتنفيذها على مراحل طويلة.
وقال إن ترامب وجد في مشروع نتنياهو وأتباعه ما يرضي 'نزعاته الإجرامية'، عبر تشجيع القتل اليومي والتهجير القسري والترويج لمشاريع إعادة إعمار غزة بعد تفريغها من سكانها.
وأضاف المسماري، أن (إسرائيل) دأبت على استهداف النشطاء والصحفيين والحقوقيين الأجانب الداعمين للشعب الفلسطيني، بل تجاوزت ذلك إلى مضايقة مسؤولين أجانب مؤيدين للقضية الفلسطينية عبر إقصائهم من مناصبهم، أو حتى اغتيالهم في بعض الحالات.
وبيّن أن (إسرائيل) تمتلك آلة تحكم دولية قائمة على النفوذ الاقتصادي لرجال المال اليهود، والدعم العسكري والسياسي غير المحدود من الولايات المتحدة.
وانتقد المسماري بشدة عجز الأمم المتحدة والمنظمات الدولية عن القيام بدورها، مشيراً إلى أنها أصبحت 'رهينة في يد الولايات المتحدة'، فيما تنشغل الأنظمة العربية بالدفاع عن بقائها بدل الدفاع عن فلسطين.
وختم حديثه بالقول: 'يبقى الأمل في صمود الشعب الفلسطيني المقاوم، وفي وعي الشعوب العربية والإسلامية التي ستنهض يوماً لنصرة هذه القضية العادلة، مهما طال الزمن أو تكاثفت الضغوط'.
وكانت جنوب افريقيا قد رفعت في ديسمبر 2023، دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم (إسرائيل) بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، واستندت في مذكرتها القانونية إلى الأدلة الموثقة من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية. وأصدرت المحكمة بالفعل تدابير مؤقتة طالبت فيها (إسرائيل) بوقف الأعمال التي قد تشكل إبادة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية فوراً، غير أن (إسرائيل) لم تلتزم بتلك القرارات حتى اليوم.
وبعد عامين من حرب الإبادة، تظل غزة الجرح المفتوح في جسد العدالة الدولية. فبينما تُرفع الشعارات عن 'عدم الإفلات من العقاب'، يواصل الاحتلال ارتكاب الجرائم دون رادع.