اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٤ أب ٢٠٢٥
بثت المقاومة الفلسطينية مقطعًا مصورًا لأحد الأسرى الإسرائيليين في غزة، ظهر فيه متعبًا ونحيل الجسد، يهمس بنداء موجع: 'أموت جوعًا.. أدخلوا الطعام'. هذا التسجيل، الذي بدا شديد التأثير، وضع حكومة بنيامين نتنياهو في مأزقٍ أخلاقي وسياسي، وفضح بشكل دامغ الادعاءات المتكررة بغياب المجاعة عن قطاع غزة.
نتنياهو، الذي اعتاد التهرب من الاتهامات بتجويع المدنيين، كان قد صرّح مؤخرًا بأنه 'لا أحد في غزة يتضور جوعًا'، مستندًا إلى وجود أحياء في القطاع كدليل - واهٍ - على غياب المجاعة. غير أن ظهور هذا الأسير أعاد صياغة المشهد، وأحرج تل أبيب أمام الرأي العام المحلي والدولي.
الباحث في علم الاجتماع السياسي، عمار علي حسن، يقول إن إسرائيل بنت خطابها الإعلامي بشأن المجاعة على خمس ذرائع أساسية، سرعان ما تهاوت أمام الوقائع والمشاهدات الميدانية. أولى هذه الذرائع، كما أشار، هي الترويج القديم لجيش الاحتلال بوصفه 'الأكثر أخلاقية في العالم'، وهي صورة سوّقتها المؤسسة العسكرية طويلاً، لكنها لم تصمد أمام مشاهد القتل الجماعي للأطفال والنساء، وتدمير منازل المدنيين في القطاع منذ اندلاع العدوان في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولفت حسن إلى أن الذريعة الثانية تمثلت في اتهام حركة 'حماس' بسرقة المساعدات الإنسانية، وهو ما نفته الأمم المتحدة والعديد من الجهات الدولية التي أكدت أن المشكلة الأساسية تكمن في منع إسرائيل إدخال المساعدات أو عرقلتها المتعمدة. وشددت تقارير على أن تجويع المدنيين سياسة ممنهجة، تتجاوز مجرد الإهمال أو الفوضى.
أما الذريعة الثالثة، فتمثلت في الادعاء بأن الحديث عن المجاعة مجرّد دعاية تبثها المقاومة لجذب تعاطف العالم، لكن تقارير الأمم المتحدة، خصوصًا ما صدر عن وكالة 'الأونروا'، أكدت أن المجاعة 'من صنع الإنسان'، في إشارة واضحة إلى الاحتلال.
وتابع الكاتب أن إسرائيل تتهرب من مسؤوليتها القانونية كقوة احتلال، وتحاول تحميل الأطراف الأخرى - كحركة حماس أو مصر - المسؤولية، رغم أنها تتحكم فعليًا في معظم المعابر، وتمنع إدخال المساعدات حتى من معبر رفح الذي يُفترض أن تشرف عليه مصر من الجانب الآخر.
ورأى أن 'مؤسسة غزة الإنسانية'، التي أنشأتها إسرائيل بالتعاون مع واشنطن، لم تكن سوى غطاء عسكري وسياسي، وأنها بعيدة عن الأهداف الإنسانية. وقد وصفها مقرر الأمم المتحدة للحق في الغذاء، مايكل فخري، بأنها 'وسيلة لتجويع المدنيين ومعاقبتهم'، مشيرًا إلى أن إسرائيل حولت توزيع المساعدات إلى 'مصيدة موت'.
ووثّق حسن تصريحات موثوقة من منظمات دولية مثل 'هيومن رايتس ووتش'، التي اتهمت إسرائيل بإقامة نظام عسكري معيب لتوزيع المساعدات، أدى إلى تحويل المناطق المستهدفة إلى 'حمامات دم'.
كما استشهد بتقارير الأمم المتحدة التي وصفت الإسقاطات الجوية للمساعدات بأنها 'قطرة في محيط'، مقارنة بالحاجة الفعلية لدخول أكثر من ألف شاحنة يوميًا لتفادي المجاعة.
وفي هذا السياق، اعتبر حسن أن نشر فيديو الأسير الجائع كان بمثابة ضربة استراتيجية للرواية الإسرائيلية، ورسالة سياسية تقول: 'إذا كان هذا حال أسير إسرائيلي، فكيف بحال مليونين ونصف المليون فلسطيني تحت الحصار؟'.
وأضاف أن المشهد أحدث صدمة داخل إسرائيل، حيث خرج زعيم المعارضة يائير لابيد متسائلًا: 'كيف يمكن لحكومة أن تنام بعد رؤية هذا المشهد؟'. كما عبّرت عائلات الأسرى عن غضبها الشديد، مطالبة بإبرام صفقة شاملة تنهي معاناة أبنائهم المحتجزين.
وتابع أن الضغط وصل إلى واشنطن، حيث قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب: 'يبدو أنهم جائعون جدًا'، قبل أن يعلن عن مبادرة لإرسال مساعدات غذائية إلى غزة، موفدًا مبعوثًا خاصًا لتقصي الأوضاع هناك.
وختم د. حسن تحليله بالإشارة إلى أن إسرائيل قد تلجأ، تحت هذا الضغط، إلى خطوات 'تجميلية'، مثل إعلان 'هدن إنسانية يومية' أو السماح بعدد محدود من الشاحنات، لكن هذه الإجراءات - بحسب الكاتب - تبقى جزئية وهشة، ما لم يُرفع الحصار بشكل كامل، ويتم وقف استخدام الغذاء كسلاح إبادة في هذه الحرب الوحشية ضد غزة وسكانها.