اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب: ربحي دولـــة
في خضم التحديات السياسية المعقدة التي تواجه القضية الفلسطينية، وفي ظل المشهد الإقليمي والدولي المتقلب، تبرز المواقف السياسية للقيادة الفلسطينية كمحور نقاش دائم داخل الأوساط الوطنية والشعبية. ويُعد هذا التفاعل الصحي دليلًا على حيوية الحركة الوطنية الفلسطينية وعمق انتماء جماهيرها وقياداتها لقضيتهم، لا سيما حين يتعلّق الأمر بمبادرات سياسية دولية كـ”صفقة القرن” أو مبادرات مشابهة لما طُرح في زمن الرئيس الأمريكي السابق والحالي دونالد ترامب.
في هذا السياق، برز تباين في الرأي بين موقف القيادة الفلسطينية الرسمي ممثلًا بالسلطة الوطنية وحركة “فتح”، وبين تصريحات القيادي البارز في الحركة عباس زكي، الذي عبّر عن رفض واضح لمثل هذه المبادرات، واعتبرها تعزيزًا للاحتلال وفرضًا لشروطه. ورغم ما يبدو من تناقض ظاهري في الطرح، إلا أن القراءة المتأنية لكلا الموقفين تكشف أن الهدف الأسمى لكلٍّ منهما هو مصلحة الشعب الفلسطيني، وحماية ما تبقّى من حقوقه الوطنية ومكتسباته السياسية.
فالقيادة الفلسطينية، ومن منطلق مسؤوليتها الوطنية والسياسية، تتعامل مع كل مبادرة دولية بما يضمن أولًا وقف نزيف الدم الفلسطيني، وحماية الشعب من الآلة العسكرية الإسرائيلية التي لا تتوقف عن القتل والتدمير. إن إبداء الانفتاح تجاه أي مبادرة لا يعني القبول بها كما هي، بل هو جزء من الدبلوماسية السياسية الهادفة إلى إبقاء القضية الفلسطينية على الطاولة الدولية، ومواجهة محاولات طمسها أو تجاوزها تحت ذرائع “السلام الاقتصادي” أو “حلول مؤقتة”.
وفي ذات الوقت، فإن موقف القائد عباس زكي يُعبّر عن تيار داخل حركة “فتح” يرى أن أي مبادرة لا تستند إلى الحقوق الوطنية المشروعة، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير، ستكون في جوهرها إعادة إنتاج للاحتلال بأدوات ناعمة، ما يتطلب تحذيرًا واضحًا وصريحًا من الانزلاق في مسارات قد تُفرّغ النضال الوطني من مضمونه.
إن هذا التباين لا يُعد ضعفًا، بل هو ظاهرة صحية داخل أي حركة تحرر وطني، خاصة أن حركة “فتح” نفسها قامت على مبدأ التعددية السياسية والفكرية، واحتضنت وجهات نظر مختلفة طالما أن الهدف كان وسيبقى تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني.
والأهم من ذلك، أن تعامل القيادة الفلسطينية مع تصريحات القيادي عباس زكي بروح الانفتاح والاحترام، مع تأكيدها أن ما صرّح به يمثّل رأيه الشخصي، يُعدّ تأكيدًا على تمسك “فتح” بمؤسساتها وأطرها الديمقراطية، واحترامها لحق الاختلاف في الرأي، طالما لم يتجاوز الثوابت الوطنية.
هنا، يجب أن نتعلّم من القوى الصهيونية التي ورغم ما بينها من صراعات فكرية وحزبية حادة، إلّا أنها تتفق جميعها على قضايا استراتيجية تتعلّق بمشروعها الاستيطاني والاستعماري في فلسطين، وتضع أمن كيانها ومصالحه العليا فوق أي خلاف حزبي. أما نحن، فالأولى أن نختلف ضمن البيت الفلسطيني، دون أن نمزّقه، وأن تتسع صدورنا للرأي الآخر، خاصة حين يكون الهدف واحدًا: الدفاع عن شعبنا وحقوقه، وإن اختلفت الوسائل وتباينت التقديرات.
في النهاية، فإن المسؤولية الوطنية تقتضي منا أن نُدرك أهمية وجود قيادة تتحمّل عبء القرار، وتتفاعل مع الواقع الدولي بما يحفظ الحد الأدنى من حقوقنا، دون أن تتنازل عن الثوابت، وفي الوقت ذاته، أن نُقدّر مَن يرفع الصوت محذرًا ومنبّهًا، لأن كلا الصوتين، وإن بدا مختلفًا، إنما ينبع من محبةٍ عميقة لهذا الشعب الجريح، وحرصٍ صادق على مستقبلة.
٠كاتب وسياسي فلسطيني