اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
على مشارف العام الثالث من حرب الإبادة الجماعية، يحاول محمد تمراز (53 عاما) إزالة بعض ركام منزله في دير البلح، لإقامة خيمة على أنقاضه تؤوي عائلته التي تتجرع مرارة التشريد القسري، في حين يوصد الاحتلال الباب أمام إعادة إعمار القطاع.
بلا أدوات مناسبة أو جرافات، ينبش الرجل بأظفاره ركام المنزل، حاله كحال مئات الآلاف من الأسر التي دمر الاحتلال منازلها في خضم حرب الإبادة، ويمنع إعادة إعمارها ضمن مخططات التهجير القسري التي يروج لها قادته، وتواجه رفضا فلسطينيا قاطعا.
بعد عامين على قصف منزله، وتحديدا في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2023، يستعيد تمراز، بينما يزيح بيديه كومة من الحجارة، تفاصيل حدث فارق في حياته، حول جهد سنين إلى رماد في لحظات.
بشجون وحزن، يقول لـ 'فلسطين أون لاين': لا أنسى أبدا ذلك اليوم. قصف الاحتلال بيتي عند السابعة مساء، ودمره بشكل كامل، كما استشهد أحد أبنائي، الذين كان يتواجد في المكان حينها.
نزل هذا النبأ على تمراز كصاعقة، بينما كان نازحا تحت النار مع أسرته في مكان آخر، وعمق في نفسه جرحا لا يشفى، نجم في رابع أيام حرب الإبادة عن جريمة ارتكبها الاحتلال بقصف مربع سكني كامل في مخيم البريج، أسفرت عن استشهاد ابنته مع زوجها وطفلتها.
مثقلا بهذه الفواجع، يتنقل تمراز بين محطات مريرة من انعدام المأوى. ويواجه هذه الأيام تحديا جديدا، إذ إنه مضطر لمغادرة مكان نزوحه الحالي، لأسباب تتعلق بنية مستضيفيه بيع منزلهم.
عن ضيق سبل العيش بعد قصف بيته، يقول: نحن مشردون منذ عامين، والوضع صعب. لم نحصل حتى على خيمة، وكل شيء ينطوي على المعاناة سواء المبيت أو المأكل أو المشرب.
على أنقاض منزله، يلقي نظرة من الوجع، قائلا: كان من طابقين على مساحة 200 متر مربع. استغرق 20 عاما من عمري لأجمع ثمن الأرض، و20 عاما آخر لبناء البيت، وقد سكنته منذ بضع سنوات فقط.
دمار واسع
تعكس معاناة تمراز جانبا من استهداف الاحتلال الإسرائيلي جميع أوجه حياة أهالي قطاع غزة، لاسيما حرمانهم من المأوى، جنبا إلى جنب القتل والتجويع والتعطيش.
وبحسب معطيات رسمية، دمر الاحتلال منذ شنه حرب الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، نحو 268,000 وحدة سكنية كليا، و148,000 بشكل بليغ غير صالح للسكن، و153,000 جزئيا.
ويفيد المكتب الإعلامي الحكومي في بيان في السادس من الشهر الجاري، بأن أكثر من 288,000 أسرة في غزة باتت بدون مأوى، كما أن 125,000 خيمة اهترأت كليا وهي غير صالحة للإقامة من أصل 135,000.
وتعرض مليونا مواطن في غزة على الأقل للنزوح بسبب سياسة التشريد القسري، كما استهدف الاحتلال 273 مركزا للإيواء والنزوح القسري، بحسب البيان نفسه.
ويفيد بيان آخر للمكتب في 13 من الشهر الجاري بأن حرب الإبادة أفرزت دمارا شبه كامل بنسبة 90% من البنية التحتية، وخسائر أولية تتجاوز 68 مليار دولار، مع سيطرة الاحتلال على أكثر من 80% من مساحة القطاع بالقوة العسكرية والتشريد القسري.
وضمن عملية احتلال مدينة غزة منذ 11 أغسطس/آب، وثق 'الإعلامي الحكومي' ارتكاب الاحتلال جرائم تدمير واسعة النطاق، شملت تدمير أكثر من 1,600 برج وبناية سكنية مدنية متعددة الطوابق بشكل كامل، وأكثر من 2,000 برج وبناية سكنية تدميرا بليغا، إلى جانب تدميره أكثر من 13,000 خيمة تؤوي النازحين.
ومنذ مطلع الشهر الجاري وحده، نسف الاحتلال ودمر 70 برجا وبناية سكنية بشكل كامل، و120 برجا وبناية سكنية تدميرا بليغا، إضافة إلى أكثر من 3,500 خيمة، وفق معطيات رسمية.
وارتكب الاحتلال خلال الحرب الجارية مجازر أدت إلى استشهاد وفقدان 73,731 مواطنا، بينهم أكثر من 20,000 طفل و12,500 امرأة، إضافة إلى إبادة 2,700 أسرة بالكامل من السجل المدني، كما أصيب أكثر من 162,000 غزي، بينهم آلاف حالات البتر، والشلل، وفقدان البصر.
تصميم على البناء والعودة
تبدو إعادة إعمار المنازل لاسيما في ظل معوقات الاحتلال مهمة شاقة على المواطنين ومنهم تمراز، الذي غزاه الشيب. يقول: الوضع حاليا لا يسمح بإعادة الإعمار، ولا تتوفر مواد بناء ولا إمكانات. بناء البيت يحتاج على الأقل 50 ألف دينار أردني.
وينفي الرجل المكلوم تلقيه أي مساعدة أو حتى وعد من أي جهة دولية لإعادة إعمار منزله، متابعا: الاحتلال يمنع كل أهالي غزة من إعادة الإعمار، لكننا متشبثون بأرضنا، حتى وإن مكثنا في خيمة على أنقاضها لوقت طويل. لن نستكين، هذا حقنا ويجب أن نحصل عليه.
ويبدي تمراز ثقته بالعودة إلى مدينة أسدود التي ينحدر منها، وهجرت العصابات الصهيونية عائلته منها سنة 1948، قائلا: بعد هذه المعاناة التي عشناها، سيكرمنا ربنا بتحرير فلسطين.
لكنه يتشبث أيضا بإعادة إعمار منزله في دير البلح حتى وإن عاد إلى أسدود.