اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
وسط أزمة إنسانية طاحنة يفرضها الاحتلال على قطاع غزة منذ أشهر، تبحث الطفلات الثلاث: سهام (4 سنوات)، وألفت (3 سنوات)، وماريا (سنتان) عن والدهن محمد الشنتف، الذي استُشهد الأحد في مشهد مأساوي بالقرب من موقع زكيم العسكري شمال غرب قطاع غزة.
محمد، الأب الحنون لثلاث بنات، كان على وشك أن يُرزق بطفله الرابع، لا يزال في أحشاء زوجته، حين قرر أن يخرج في ذلك اليوم القاتم ليؤمن لأسرته كيس دقيق هو في أمس الحاجة إليه، بعدما حُرِموا من أبسط مقومات الحياة لفترة طويلة بسبب الحصار والحرب الضروس على قطاع غزة.
كانت نواياه أبسط ما يمكن أن تكون، تأمين قوت عائلته الصغيرة وسط أجواء من الجوع والحرمان، لكن الرصاصة التي أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي حولت حلم الحياة إلى مأساة فقدان وألم.
استهداف متعمد
وفقًا لأحد أقارب الشهيد، الشاب أحمد، خرج 'محمد' صباح الأحد، ليجلب الدقيق لأسرته ولأسرة زوجة شقيقه 'علي' التي تتألف من أربع بنات بالإضافة إلى والدتهم المسنة، وكان الهدف فقط توفير قوت يومهم، لكن الاحتلال فاجأهم بإطلاق نار مكثف تجاه من كانوا ينتظرون قوافل المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى استشهاد 'محمد' وعدد من الشبان وإصابة العشرات بجراح.
ويحكي أحمد الشنتف لصحيفة 'فلسطين' بتأثر أن 'محمد' كان ينتظر مولوده الذكر، الذي اختار له اسم 'علي' تيمناً بشقيقه الذي استشهد في بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، ليحمل الطفل القادم بين أحشائه اسم أخٍ فقد الحياة في مواجهة الاحتلال.
كما يشير إلى أن زوجة 'محمد' سمّت جنينها على اسم زوجها الشهيد، في لحظة تعكس مدى الحزن والأسى الذي تعيشه العائلة.
ويتحدث الشنتف، أيضًا عن فرن الطينة الذي صنعه 'محمد' قبل يوم واحد فقط من استشهاده، كان الفرن مصدر خبز للناس، بينما لم يكن في منزل 'محمد' حتى رغيف خبز.
ويقول: كان يجمع الأموال بصعوبة ليشتري الدقيق لأطفاله، رغم ارتفاع أسعاره، كان يعمل بلا كلل لتأمين قوت أسرته.
بعد استشهاده، تم انتشال جثمان 'محمد' بصعوبة بالغة من شارع الرشيد شمال غرب قطاع غزة، تحت وابل من إطلاق النار الكثيف.
الجثمان الذي أصيب بطلق ناري في الرأس يشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي تعمد قتله بشكل مباشر، رغم علمهم أنه مدني جاء فقط لجلب الطعام لأسرته.
وداع أخير
ويلفت الشنتف، إلى أنه تم نقل جثمان 'محمد' إلى المستشفى، وهناك ودعته والدته المسنة وزوجته وبناته الثلاث نظرة الوداع الأخيرة، قبل أن يُدفن في مقبرة الشيخ رضوان، تاركًا خلفه عائلة وأطفالًا جوعى، يعيشون ظروفًا صعبة، ويعانون من فقدان الأمان وسط استمرار الحرب الإسرائيلية التي أزهقت أرواحًا كثيرة في القطاع.
ويعيش قطاع غزة، منذ أشهر أسوأ أزمة إنسانية في تاريخها، إذ تتداخل المجاعة القاسية مع حرب إبادة جماعية تشنها (إسرائيل) بدعم أمريكي منذ 7 أكتوبر 2023، حيث تفاقمت الأزمة حين أغلقت سلطات الاحتلال كافة المعابر مع القطاع بدءًا من الحرب الضروس على القطاع، مما منع دخول المساعدات الغذائية والطبية، وزاد من تفشي المجاعة وسوء الأوضاع الصحية بين السكان.
ليست قصة محمد الشنتف، سوى واحدة من آلاف القصص التي تعكس حجم المأساة الإنسانية في غزة، حيث الأطفال لا ينامون إلا على صوت القصف، والآباء والأمهات ينتظرون خبزًا قد لا يأتي، أو ربما يأتي بثمن أرواح أبنائهم.
وفي هذا الواقع المرير، يبقى صوت الأطفال الثلاثة، سهام والفت وماريا، صامتًا، لكن دموعهن تروي حكاية فقدان أب كان يسعى فقط إلى توفير قوت بسيط لعائلته، ليتحول ذلك إلى شهادة على معاناة إنسانية لا تنتهي في قلب غزة.