اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٥ أب ٢٠٢٥
خان يونس – شهاب
في خيمة صغيرة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، يجلس المسن الفلسطيني سليم عصفور، نازحًا في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تتآكله المجاعة يومًا بعد يوم، بينما يلف الحصار 'الإسرائيلي' المستمر أنفاسه ويضيّق على بقايا حياته الهشة.
'ما أكلت أكل منيح من أربع شهور.. أقسم بالله ما أكلت أي شيء منيح من أربع إلى خمس شهور'، يقولها سليم بصوت واهن وجسد أنهكه الجوع، لم تعد الأرقام تُقاس بالوجبات، بل بالشهور، ولم يعد يُطلب الطعام، بل يُرتجى البقاء على قيد الحياة.
قبل الحرب، كان سليم يزن 75 كيلوغرامًا، أما اليوم، فلم يتبقَ منه سوى 40 كيلوغرامًا من العظام والضعف والمعاناة، لا لحم، لا دجاج، لا خبز، ولا حتى وجبة تسد رمقه، العدس، وهو من كان يُعتبر 'طعام الفقراء'، أصبح ترفًا نادرًا، ومرق العدس اليوم يُشرب كما الماء، لأن 'ما فيش إشي نغمسه فيه'.
مجاعة ممنهجة
سليم ليس حالة فردية، بل مرآة لواقع مأساوي يعيشه آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة في ظل استمرار حرب الإبادة، حيث تحول الجوع إلى جزء من الحياة اليومية، والمجاعة باتت واقعًا لا يمكن إنكاره، فالخيام، التي من المفترض أن تكون ملاجئ مؤقتة، أصبحت مقابر صامتة للجسد والكرامة.
تقول سعاد عصفور، ابنة سليم، وهي تحاول حبس دموعها: 'أقسم بالله ما فيها غير حبة الملح عنا في الخيمة، ما فيه أكل، بنقعد أيام ما بنوكل'، حتى كوب الشاي البسيط، بات يُحضر بـ'شوية مي وشوية شاي، من دون سكر ولا شيء'، فقط محاولةً لتسكين ألم الجوع الذي لا يهدأ.
سعاد، التي تتحمل عبء رعاية والدها المسن، تواجه مع إخوتها معركة يومية للحصول على قليل من الطحين، وتحكي بحرقة: 'أمي مريضة سرطان، وأبوي مريض سوء تغذية، وأنا نفسي جعانة، والله بنام وأنا جوعانة'.
أطفال في وجه الخطر
وسط هذه المعاناة، يخرج أبناء سعاد إلى الشوارع بحثًا عن مساعدات غذائية، يقاتلون الجوع كما يقاتلون الخوف، يعبرون شوارع مدمرة، وأزقة ملغّمة بالموت، فقط ليجلبوا حفنة من الطحين تكفي العائلة يومين بالكاد، تقول سعاد: 'ابني اتصل علي وقال لي: يما الحقيني، هيني بالشارع، والوضع صعب.. طلعت أنا وأختي الصغيرة من شارع خمسة لحد شارع الهلال وأنا بجري عشان أشوف ابني وأحميه'.
الجهود الإنسانية خجولة أمام اتساع الكارثة، فالمساعدات – إن وُجدت – لا تكفي شيئًا، والتوزيع غير منتظم، وأحيانًا محفوف بالمخاطر، وسوء التغذية لا يصيب فقط المسنين، بل ينتشر بين الأطفال والنساء والمرضى كالنار في الهشيم.
واقع مأساوي
الوضع الصحي لعائلة سليم لا يقل مأساوية، لا دواء، لا تغذية علاجية، ولا أدنى مقومات الرعاية الصحية، سعاد تقول: 'والله ما فيه علاج، لا لأبوي، ولا لأمي.. شو بدي أقول غير يا رب'.
مشهد سليم وعائلته يلخص مأساة شعب بأكمله محاصر بالجوع والمرض والموت البطيء، فالحصار 'الإسرائيلي' المفروض منذ أكثر من 18 عامًا على غزة، والذي اشتدّ خلال الحرب الأخيرة، لم يترك للمدنيين فرصة للنجاة، لا بطعام، ولا بدواء، ولا حتى بالأمل.
من خيمته في خان يونس، يرسل سليم عصفور نداءً إلى العالم: 'الوضع صعب جدًا والمجاعة موجودة، كلنا جعانين'، ورغم كل هذا الألم، لا زالت أنفاسه تحمل رجاءً خافتًا أن تنكسر عتمة الحصار، وأن تُفتح ممرات الحياة، قبل أن يُطفأ النور الأخير في عيون أبنائه.
أمام هذا الواقع، يبقى السؤال: إلى متى سيظل العالم يتفرج على مجاعة غزة تُحاصر الكبار والصغار؟ ومتى يُترجم التضامن إلى أفعال توقف هذا النزيف الإنساني الذي لا ينتهي؟.