اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
لم يعد الجوع في قطاع غزة مُجرد حالة شعورية طارئة قد تنتهي مع مرور الوقت، بل أصبح كـ 'شبح' يلاحق كل فئات المجتمع خصوصاً الأطفال وكبار السن، بُغية أن ينهش أجسادهم من شمال القطاع حتى جنوبه، وذلك بفعل سياسة ممنهجة فرضها الاحتلال الإسرائيلي عبر الاستمرار بإغلاق المعابر المؤدية الى قطاع غزة.
وبينما يتفشى شبح المجاعة في قطاع غزة بشكل غير مسبوق، تتعالى أصوات المواطنين بنداء واحد: 'افتحوا معبر رفح فهو شريان الحياة الذي يوقف ذلك الجوع الذي ينخر أجسادنا'. ومنذ إعلان الاحتلال المزعوم عن فتح حاجز 'كرم أبو سالم' جنوبي القطاع لإدخال المساعدات الإنسانية، علّق الغزيون آمالهم على إمكانية وصول المساعدات لهم، لكن سرعان ما تبددت تلك الآمال في أعقاب تعرضها للنهب والسرقة.
ومنذ مايو/أيار 2024، يسيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري الحدودي مع مصر، ويمنع تنقل الأفراد أو نقل البضائع والمساعدات الإنسانية عبره.
ووفق بيان صحفي للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فقد دخلت أول من أمس 87 شاحنة مساعدات وغالبيتها تعرضت للنهب والسرقة بتواطؤ إسرائيلي مباشر وممنهج.
ولا تزال المجاعة المنتشرة في القطاع تحصد أرواح مواطنين من مختلف الفئات العمرية، فقد سجّلت مستشفيات القطاع 147 حالة استشهاد نتيجة المجاعة وسوء التغذية، من بينهم 88 طفلاً، وفق إحصائية لوزارة الصحة في قطاع غزة.
داخل أحد مراكز الإيواء في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، تجلس المواطنة سمر الصوير أمام خيمتها وعلامات الحسرة تجتاح تقاسيم وجهها بفعل المجاعة التي تتفشى بين طفلتيها. تقول بحرقة: 'نعيش مجاعة حقيقية. ما في أكل ولا حليب، وكل ما نتناوله هو وجبة واحدة من تكيات الطعام الخيرية، وفي بعض الأحيان لا نحصل عليها'.
وتزداد أوجاع الصوير أكثر كونها المُعيل الوحيد لطفلتيها اللتين لا تتجاوزان الخمسة أعوام، في أعقاب فقدانها آثار زوجها منذ عدة شهور، وتضيف بصوت يمتزج بالقهر لصحيفة 'فلسطين': 'مش عارفة أوفر لقمة أكل لبناتي. كنا نفكر أن المساعدات ستصلنا عبر المؤسسات الأممية كما جرت العادة في السابق، لكن سرقتها أفقدتنا الأمل، لذلك السبيل الوحيد هو فتح المعبر فهو شريان الحياة لنا وإدخال المساعدات بشكل منتظم وإيصال لمؤسسات الوكالة وتوزيعها بعدالة'.
أما المواطنة أم أحمد عايش (36 عاماً) التي تقطن في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، فقد اقتحم الجوع منزلها المتضرر جزئياً وأصاب طفلها 'وسيم' الذي يبلغ من العمر 7 أعوام سوء تغذية حاد فتقول: 'أصبح توفير الأكل مهمة يومية صعبة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل خيالي في الأسواق. لا نقدر على شراء هذه السلع خصوصاً أن زوجي مُعطل عن العمل منذ بداية الحرب'.
وتتابع عايش بصوت مُنهك لـ 'فلسطين': 'ابني خسر من وزنه 7 كيلو بسبب سوء التغذية الحاد، ولا يوجد علاجات ولا أغذية مناسبة تتلاءم مع حالته الصحية. كنا نتأمل أن تدخل المساعدات كما في السابق ونعود لاستلامها عبر المؤسسات الأممية، لكن للأسف تتعرض للسرقة من اللصوص'.
وترفع صوتها وتخاطب العالم: 'شو مستنين؟ نموت كلنا؟ افتحوا المعبر، دخلوا مساعدات بشكل يحفظ كرامتنا وتصل للجميع بشكل منتظم من خلال المؤسسات الدولية، وصولاً لانتهاء المجاعة التي تقتلنا على البطيء'.
إلى ذلك يُعبر المواطن أبو حسام سليم النازح من مشروع بيت لاهيا إلى منطقة حي النصر بمدينة غزة عن غضبه من الصمت الدولي، قائلاً: 'المجاعة صارت أكبر من أزمة غذاء، هذه حرب على بطون الناس. الناس بتاكل ورق، بتطبخ مي وملح، والعالم ساكت. لو انفتح معبر رفح وتدفقت الشاحنات، ممكن نلحق اللي ضل حي'.
من ناحيته، أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان أنّ معالجة المجاعة في غزة لا تتم من خلال حلول شكلية أو استعراضية، بل عبر إنهاء الحصار بشكل فوري وفتح ممرات برية آمنة وثابتة، تتيح تدفقًا منتظمًا وكافيًا للغذاء والدواء والوقود، من خلال آليات الأمم المتحدة الرسمية التي كانت تُشرف سابقًا على توزيع المساعدات عبر نحو 400 نقطة، قبل أن تعمل (إسرائيل) على تعطيلها عمدًا.
من جهته، اتهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الاحتلال الإسرائيلي بمواصلة 'هندسة المجاعة' ونشر الفوضى بشكل ممنهج داخل قطاع غزة، وذلك عبر تعطيل وصول المساعدات الإنسانية ونهبها تحت غطاء أمني مباشر، موضحا في بيان صحفي، أن عمليات الإنزال الجوي كانت بكميات محدودة وغير مجدية وتسقط في مناطق قتال خطيرة لا يستطيع المواطنون الوصول لها نهائياً.