اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتب سامر زريق في 'نداء الوطن':
لم تمرّ جلسة لجنة الدفاع الوطني والداخلية النيابية هذا الأسبوع مرور الكرام، حيث تحوّلت إلى ساحة نقاش حاد الطابع بين من يدافع عن القانون والمصلحة العامة، وبين من يصرّ على حماية مصالحه الخاصة وصورته العامة، ولو كان على حساب الشعارات التي يحملها وينادي بتطبيقها، وعلى رأسها مشروع الدولة وقيمها.
وبينما كان من المفترض أن تأخذ مسألة 'وثائق الاتصال' الحيّز الأكبر من النقاش في هذه الجلسة، قفزت آلية توزيع عناصر الحماية الشخصية للنواب وبعض القضاة، وهو موضوع قانوني – إداري بحت، إلى صدارة النقاش، وكشفت عن واقع مؤسف: نواب يقاربون الاستراتيجيات الأمنية بكل مساراتها من زاوية شخصية، وجهاز أمني يحاول تطبيق القانون وتأدية المهمات المكلّف بها من ضمن الاستراتيجية الأمنية الوطنية، بموارد وإمكانيات محدودة.
في خضمّ هذا النقاش، برز موقف مدير عام أمن الدولة، اللواء إدكار لاوندس، الذي قدّم مقاربة واقعية ووطنية في آن، واضعًا الإصبع على الجرح، حيث بيّن أن المؤسسة التي يرأسها أُنيط بها من قبل رئاسة الجمهورية والحكومة، المسؤولية عن ملفات وقضايا دقيقة تتعلّق بمكافحة الفساد والتهريب، والجرائم المالية والإدارية، وهي مهمّات حسّاسة للغاية وتتطلّب عناصر ميدانيين متفرّغين وكفاءة بشرية عالية.
بيد أن الواقع مختلف، حيث معظم عناصر أمن الدولة منشغلون في حماية شخصيات سياسية وقضائية وغيرها، ما يفقدها الموارد البشرية المطلوبة، ويمنعها من أداء مهامها الجوهرية كما يجب. وفي هذا الإطار فإن المرسوم رقم 2512 لعام 2009 أتاح لكلّ نائب الحصول على 4 عناصر حماية بالحد الأقصى، وكذلك الحال لكل وزير.
في حين يحق لكل قاضٍ عنصر، لكن يمكن لمجلس الأمن المركزي إضافة عناصر حسب خطورة القضية التي ينظر فيها. بالإضافة إلى 6 عناصر لرؤساء الطوائف. ناهيكم عن القضاة المتقاعدين والنواب والوزراء السابقين، ورجال دين معيّنين. في حين أنه لا وجود لأيّ عناصر حماية أمنية مخصّصة لإعلاميين، وخصوصاً في الوقت الحالي، الأمر الذي ينفي تمامًا الشائعة التي جرى تداولها بكثرة في الأيام الأخيرة حول تمتّع بعض الإعلاميين بعناصر حماية شخصية تتبع لأمن الدولة.
وعليه، وانطلاقًا من أن المرسوم يقول بأن الحدّ الأقصى هو 4 عناصر، فمعنى ذلك أنه يجيز تخفيض العدد، خصوصًا عند وجود أسباب موجبة، وهذا ما فعله اللواء إدكار لاوندس حيث استخدم صلاحيته لتخفيض العدد بسبب النقص الهائل في العديد.
هذه الأمور عرضها ووضّحها اللواء لاوندس في جلسة لجنة الدفاع والداخلية النيابية لتصويب النقاش، حيث أكد أنه يطبق القانون، وذكّر بأن استنزاف العناصر في مهمّات خاصة يشكل تهديداً جدياً لقدرة الجهاز على تنفيذ دوره الوطني والمهمات الموكلة إليه، ولا سيما في ظل الموانع والمعوّقات المحيطة بتطويع عناصر جديدة، من ناحية العدد والوقت المطلوب، وفوق ذلك الأعباء المادية المرتبطة بالسياسة المالية العامة للدولة.
هذا الواقع الذي عرضه اللواء لاندوس كان له وقع حسنٌ لدى عدد من النواب الحاضرين، الذين أبدوا تفهّمهم الكامل، ودعوا إلى إعادة توزيع عناصر الحماية بعدالة وشفافية، فيما أصرّ نواب آخرون على المطالبة بالمزيد من الحمايات، فظهروا كأنّهم يفضلون أمنهم الشخصي على حساب الأمن الوطني ومصلحة البلاد.
ما قاله اللواء لاندوس في الجلسة يعبّر عن تفكيره بالمصلحة الوطنية وأمن البلاد، ويعكس مدى جدّيته في تنفيذ المهمات الموكلة إلى مؤسّسته رغم النقص الفادح في العديد والعتاد، وذلك من خلال التوظيف الأمثل للموارد المتاحة، وتطبيق القانون بمعايير موحدة على الجميع دون استثناء، على عكس ما كان يحصل في السابق، ويشتمل ذلك على ضباط وعناصر أمن الدولة كما أثبت منذ تعيينه.
بيد أن الإشكالية التي يواجهها، عدا عن الظروف المادية المعروفة، تكمن في أن البعض لا يزال يفكّر بنفسه من منطلق 'الأنا' ويقيس المسألة بعدد العناصر المفروزة لحمايته. في ظل هذه الإشكالية فإن السؤال الذي يطرح نفسه: أيّهما أولى حماية الأشخاص أم حماية الوطن؟