اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٦ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
لا يختلف إثنان في لبنان على أن زيارة توم براك الأخيرة لم تحرز تقدماً وبنفس الوقت لم تقل شيئاً جديداً أو مفيداً وعملياً.
.. وبات يمكن القول أن هناك مشكلة ليس مع زيارات براك بل مع قراءة ما يفعله(!!)؛ بمعنى آخر لا يفهم اللبنانيون كيف يفكر براك وأكثر من ذلك لا يفهمون ما إذا كان الذي يقوله هو جوهر تفكيره أم أنه يراوغ؛ وأيضاً لا يدرك اللبنانيون ما إذا كان براك يقوم بمبادرة أم بمناورة؛ وما إذا كان يريد سحب السلاح من دون سحب إسرائيل من لبنان؛ وبالخلاصة فإن براك يقول الشيء ونقيضه؛ فهو من جهة يرتدي ثوب الناصح بالتي هي أحسن؛ ومن ناحية ثانية يظهر للبنان 'نيوب الليث بارزة'. وبالمحصلة كما يقول الفقهاء: '… والله أعلم'.
ربما كان على قصر بعبدا ومقر عين التينة وقصر السرايا الكبير الاتفاق ليس على توحيد أجوبتهم على أسئلة براك الغامضة؛ بل على توحيد فهمهم لما يريده براك وإلى أين يريد أن يصل وكيف؟؟..
في خضم ورشة معرفة ماذا يريد 'ابن البلد' توم براك الأميركي، قد يكون مفيداً هنا استعادة حكايتين إثنتين؛ الأولى كانت تحدث تقريباً في كل قرية في لبنان خلال فترة ما بين الحربين العالميتين وصولاً إلى بدايات النصف الثاني من القرن الماضي.
ويمكن وضع مصطلح 'الخواجا' كعنوان لهذه الحكاية. و'الخواجا' في عرف أهل القرى اللبنانية؛ هو مغترب لبناني كان ذهب جده إلى دولة بعيدة قد تكون البرازيل أو أميركا أو أستراليا؛ لا فرق.. ثم فجأة تتفاجأ القرية بأن حفيد هذا المغترب الذي ترك القرية منذ نصف قرن، قرر العودة إلى قريته والتعرف على أقاربه وتوزيع الإكراميات للفقراء والأرحام والزواج من واحدة من بنات القرية.
و'تلعلع' الموسيقى باستقباله وتنشغل القرية وبمقدمها المختار في تدبير منزل له يقطن فيه، وفي البحث عن فتاة ليتزوجها.. ويلازمه قبضايات القرية كي يلفتوا نظره إلى عضلاتهم المفتولة في إيحاء له أنهم بالخدمة لاستعمال قبضاتهم فيما لو احتاج لذلك..
ولكن تبرز مشكلة لدى أهل القرية مع ابنهم العائد من اغتراب طويل والذي يتعارفون على تسميته ب'الخواجا' كونه عاش في عالم الخواجات؛ ومفاد هذه المشكلة تقع في أن الخواجا لا يتكلم اللغة العربية ولا يفهمها؛ أضف إلى أنه حينما يتكلم معه المختار بالإشارة فهو لا يجيب؛ وحتى لو أجاب فإن إشاراته غير مفهومة.
وهكذا يستمر الحال مع الخواجا الذي لا يفهم أهل القرية لغته ولا يعرف هو كيف يوضح بالإشارة ماذا يريد.
وعليه بقي أمر واحد يستطيع أهل القرية أن يفهمونه على الخواجا؛ وهو أن يدفع الإكراميات للفقراء والأرحام؛ وأن يختار فتاة أحلامه من بين بنات القرية؛ لكن الخواجا لم يدفع ولم يتزوج رغم أن الإشاعات عن لقاءاته الغرامية السرية شوهت سمعة العديد من بنات القرية؛ ويستمر هذا حاله (أي الخواجا) رغم مرور وقت غير قليل على إقامته؛ فيما المختار يداوم على التلويح له بأصابعه العشرة عله، عبثاً، يحصل منه على جملة مفيدة..
قصة الخواجا في القرى كانت غالباً ما تنتهي بمرارة وبخيبة أمل؛ لأن أهل القرية لا يفهموا لغة الخواجا، ولأن الخواجا لا يستطيع التصريح بلغة لا يتقنها وليس لديه جلد على لغة التلميح بالإشارات..
سوف يغادر الخواجا كما جاء؛ وسوف يترك الوضع في القرية كما كان عليه حينما سافر جده منذ نصف قرن؛ والجديد الذي سيحدث هو أن القرية ستبدأ بتأريخ يومياتها باستخدام روزنامة ما قبل مجيء الخواجا وما بعد مجيء الخواجا.
نعم بهذا المعنى، سوف يتغير الأمر من دون أن يتبدل؛ وسوف يكون هناك فرق على مستوى انتهاء الوقت وليس على مستوى بداية وقت جديد!!.
أما الحكاية الثانية وهي تستكمل حكاية الخواجا؛ فهي طالما كان يرويها الرئيس كميل شمعون؛ وخلاصتها عن الأميركي الذي ينصح صديقه بثقة كي يقفز عن ناطحة السحاب؛ ويصر عليه أن يفعل ذلك مؤكداً له بأنه سيضمن له النتائج السليمة.. وبعد أن يقفز صديقه ينظر إليه الأميركي فإذا وجده لا يزال حياً يرزق يقول له 'ألم أقل لك أنها سليمة'؛ أما إذا وجده ميتاً؛ فإن الميت لن يسأل صاحب النصيحة: لماذا فعلت معي هذا؟.
لبنان لا يريد دبلوماسية الخواجا؛ ولا يريد 'نصيحة أو وصفة القفز عن البرج'؛ يريد مبادرة أميركية واضحة مع حوافز وارادة؛ وليس مناورة أميركية غامضة تقول للبنان اقفز عن سطح البرج وسترى!!؟.