اخبار لبنان
موقع كل يوم -هنا لبنان
نشر بتاريخ: ٢٠ أيار ٢٠٢٥
في تطوّر لافت في مسار الحرب الروسية – الأوكرانية المستمرة منذ شباط 2022، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ روسيا وأوكرانيا ستبدآن “فورًا” مفاوضات نحو وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وذلك عقب مكالمة هاتفية استمرت لأكثر من ساعتين مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أمس الاثنين، وصفها ترامب بأنها كانت “جيدة جدًا”. إلا أنّ التفاؤل الذي أبداه الرئيس الأميركي لم يلقَ نفس الحماس من الكرملين، ولا حتى من بعض القادة الأوروبيين، ما يعكس استمرار الضبابية حول إمكانية التوصل إلى تسوية حقيقية.
ترامب يدفع باتجاه اتفاق سلام… بشروط غامضة
بحسب ما نقلته BBC News وReuters، أكد ترامب أنّ شروط السلام “سيتم التفاوض عليها بين الطرفين فقط، لأنهما يعلمان تفاصيل النزاع أكثر من أي جهة أخرى”، مضيفًا أنه أبلغ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وقادة من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وفنلندا وإيطاليا بنتائج مكالمته مع بوتين. كما أشار ترامب، عبر منصته “تروث سوشال”، إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى التمهيد لإنهاء الحرب، لكنه لم يعلن عن أي خطة زمنية واضحة.
ورغم أن ترامب شدد على أن الولايات المتحدة لن تنسحب من دورها كوسيط، فإنه في تصريحات لاحقة، أبرز وجود “خط أحمر في ذهنه” حول المدى الذي يمكنه الاستمرار فيه بدفع الأطراف نحو الحل، قائلاً: “هذه ليست حربتي”.
بوتين: مستعدون لمذكرة تفاهم… لكن لا توقيت محدد
من جهته، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده مستعدة للعمل مع أوكرانيا على “مذكرة تفاهم لاتفاق سلام محتمل”، وأضاف أنها ستشمل مبادئ التسوية وجدولًا زمنيًا لوقف محتمل لإطلاق النار، وفقًا لما ذكره في تصريحات من مدينة سوتشي الروسية. إلا أن المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف شدد، كما نقلت The Independent، على أن العملية “معقدة” ولا يمكن تحديد موعد زمني لها، مما يقلل من وقع التصريحات الأميركية المتفائلة.
زيلينسكي: نرحب بالسلام الكامل… لكن بشروطنا
من جهته أعاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تأكيد موقف بلاده الداعي إلى “وقف إطلاق نار كامل وغير مشروط”، محذرًا من أن “الطرف الوحيد المستفيد من تراجع الدور الأمريكي هو بوتين”. وفي تصريح نقلته الجزيرة، شدد زيلينسكي على أن بلاده لن تقبل بأي انسحاب من الأراضي التي لا تزال تحت سيطرتها، رافضًا شروط موسكو التي تطالب بانسحاب القوات الأوكرانية من أربع مناطق شرقية وجنوبية. وأضاف أن أوكرانيا لم تتسلم بعد أي مذكرة رسمية من الجانب الروسي، ولكنها ستبلور رؤيتها بمجرد استلامها.
دور أوروبي حذر وتهديدات بعقوبات إضافية
في الجانب الأوروبي، رحبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بجهود ترامب، مؤكدة أهمية استمرار الدور الأمريكي في العملية التفاوضية. لكن رغم التفاؤل الظاهري، فقد أعربت بعض الدول الأوروبية عن شكوكها إزاء نوايا موسكو. المستشار الألماني فريدريخ ميرتس أعلن، عبر منصة “إكس”، أن الاتحاد الأوروبي مستعد لفرض مزيد من العقوبات على روسيا إذا لم تلتزم بجدية في عملية السلام. كما نقلت الجزيرة عن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس قوله إن بوتين “غير مهتم فعليًا بالسلام، بل يناور لكسب الوقت”.
وتسعى ألمانيا والدنمارك إلى حث الصين على ممارسة ضغوط على روسيا، وهو ما قابلته الخارجية الصينية ببيان قالت فيه إن بكين “تدعم كل الجهود الهادفة إلى تحقيق السلام”، داعية إلى مواصلة الحوار والتفاوض.
الفاتيكان يدخل على خط الوساطة
اقترح البابا ليو الرابع عشر استضافة الفاتيكان لمحادثات السلام، وهو ما لاقى ترحيبًا من ترامب وعدد من القادة الأوروبيين، أبرزهم رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني التي أكدت استعداد بلادها “للقيام بدورها في تسهيل الاتصالات والعمل من أجل السلام”. ورغم عدم تأكيد الفاتيكان لهذا العرض رسميًا، إلا أن وجود نية لاستضافة مفاوضات هناك يعكس بحث الأطراف عن مكان محايد وذو رمزية دينية.
ميدانياً: التصعيد مستمر رغم الكلام عن السلام
ورغم هذه الأجواء الدبلوماسية، لا يزال التصعيد العسكري متواصلاً على الأرض. فوفقًا لـ'الجزيرة' ، شنت روسيا أكبر هجوم بالطائرات المسيّرة منذ بدء الغزو، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص، بينهم تسعة في هجوم على حافلة مدنية شمال شرق أوكرانيا. كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية السيطرة على قريتين في منطقتي سومي ودونيتسك، بينما لم تعلّق كييف رسميًا على ذلك.
يُذكر أنّ روسيا وأوكرانيا أجريتا تبادلًا للأسرى عقب أول لقاء مباشر بينهما منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار خلال الاجتماع، ما يعكس حجم التعقيد في الملف.
الاقتصاد ساحة أخرى للمعركة
على الصعيد الاقتصادي، أفادت رويترز أن الاتحاد الأوروبي يدرس خفض سقف أسعار النفط الروسي من 60 إلى 50 دولارًا للبرميل ضمن حزمة عقوبات جديدة. كما أعلنت وزارة الدفاع الفنلندية تخصيص نحو 90 مليون يورو من أموال الأصول الروسية المجمدة (المقدّرة بـ300 مليار دولار عبر دول الاتحاد) لشراء ذخائر لصالح أوكرانيا.
وفي تصعيد تجاري لافت، احتجزت بولندا خمس ملايين طن من إطارات الطائرات المدنية المتجهة إلى روسيا، لانتهاكها العقوبات الدولية، بحسب ما نقلت Al Jazeera.
مؤشرات على مفاوضات… لكن الطريق طويل
رغم التصريحات الإيجابية التي أطلقها الرئيس ترامب ومحاولات بوتين إظهار انفتاحه على التفاوض، فإن الواقع لا يزال معقدًا. هناك فجوة واضحة بين ما تطرحه موسكو من شروط، وما تصر عليه كييف، وسط توجس أوروبي وحرص أميركي على إبقاء خيوط اللعبة في يده.