اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتب غسان ريفي في 'سفير الشمال':
مع إعلان إتفاق وقف إطلاق النار الذي يدخل اليوم عامه الأول، تعهدت الولايات المتحدة الأميركية التي قدمت نفسها كضامنة للإتفاق مع فرنسا، بإنسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي إحتلها في غضون ستين يوما، لكي تستطيع الدولة اللبنانية تطبيق بنود الإتفاق.
بعد الإتفاق بأيام قليلة تم إنتخاب العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية، وتمت تسمية نواف سلام رئيسا للحكومة، وفي الوقت الذي كانت فيه أميركا تشدد على حصول الانسحاب من أجل تطبيق خطاب القسم والبيان الوزاري، كان العدو الاسرائيلي يتوسع نحو النقاط الخمس، ثم طلب تمديد المهلة 21 يوما وقد حملت مورغان أورتاغوس هذا الطلب، وتعهدت من على منبر رئاسة الجمهورية أنه مع إنقضائها لن يبقى جنديا إسرائيليا في لبنان، لكن أورتاغوس غابت عن السمع لأشهر وحضر توم باراك، وإستمرت إسرائيل في إحتلالها من دون طلب أي تمديد جديد، حيث بات الاحتلال برعاية أميركية أما الاعتداءات فبإشراف لجنة الميكانيزم التي لم تحرك ساكنا بالرغم من الإيحاءات الأميركية بتفعيل دورها مع تعاقب ثلاثة جنرالات على رئاستها.
ليس جديدا هذا التناقض الأميركي حيال الملف اللبناني، لكنه اليوم يتحول الى نهج ثابت، فواشنطن تعلن غير ما تضمر، تقول شيئا، ثم تسير بممارساتها على الأرض في إتجاه آخر، تؤكد دعمها الاستقرار والاصلاح، ثم تزيد المشهد اللبناني تعقيدا، تكرر أن إستقرار لبنان “خط أحمر”، ثم تُمعن في إستخدام سلاح العقوبات وفي إطلاق التهديدات تارة بإلحاقه بسوريا وتارة أخرى بإزالته عن الخريطة، وطورا بتغطية العدوان الاسرائيلي عليه وبإقتطاع مساحة واسعة منه لزوم المنطقة العازلة..
تفاخر الولايات المتحدة بأنها الداعم الأكبر للجيش اللبناني، لكن هذا الدعم لا يترجم في السماح ببناء إستراتيجية دفاعية متكاملة أو تجهيزه بأسلحة نوعية، ما يؤكد أن أميركا تريد جيشا قويا ليحفظ الحد الأدنى من الاستقرار أو لمواجهة شعبه وليس جيشا قويا قادرا على التصدي لإسرائيل.
ترفع أميركا شعار الاصلاح المالي والاقتصادي ثم تمنع المساعدات عن لبنان وتتركه فريسة لصندوق النقد الدولي الذي يخدم مصالح غربية أكثر منها لبنانية، وتؤكد في الوقت نفسه دعمها المطلق للدستور والسيادة، ثم تتدخل مباشرة وتطرح إملاءات بعضها يصب في مصلحتها وأكثرها يصب في مصلحة إسرائيل، وبالتالي فإنها تحاول رسم نتائج اللعبة بدل القيام بضبط قواعدها.
في تصريحاتها تصر واشنطن على وصف حزب الله بأنه تهديد يجب تطويقه، رغم إدراكها أنه لاعب أساسي لا يمكن تجاوزه في أي تسوية داخلية أو إقليمية وهذا ما يجعل الرسائل الأميركية متناقضة وتجعل الحلفاء في حالة إرتباك دائمة تجاه بعض القضايا الأساسية.
هذا الواقع، يؤكد أن واشنطن، إما تعتمد سياسة الإرتجال مع لبنان فتقع في تناقضات واضحة وكبيرة، أو أنها تخضع لحسابات فريقين في مقاربة الملف اللبناني، فريق عقلاني يدعم توجهات رئيس الجمهورية جوزاف عون ويدعو الى عدم الضغط والابتعاد عن تحميل لبنان أكثر مما يتحمل، وعدم إستدراجه الى حرب أهلية قد تفقد الجميع إمكانية التأثير فيه، وفريق حاقد يتماهى مع العدو الاسرائيلي ويعتبر أن ما حصل خلال الحرب شكل فرصة لا تعوض للإنقضاض على المقاومة وبيئتها، وهذا الفريق يقوم أيضا بالتشويش على قائد الجيش العماد رودولف هيكل، ويجند تيارات وشخصيات سياسية وإعلامية لتشكيل الصدى الداخلي المطلوب للمواقف الأميركية المتطرفة.
تتأرجح واشنطن بين خطاب مثالي وممارسة واقعية متناقضة، وهذه الإزدواجية ليست تفصيلا بل جزء من نهج أميركي أوسع في المنطقة، سياسة تتبدل وفق الميدان، وتخضع للحسابات الفورية، وتترك خلفها مساحات من الإلتباس، ومن الشكوك، وتتخلى عن حلفاء من دون أن تراعي تداعيات ذلك أو المخاطر التي يمكن أن يتعرضون لها.











































































