اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٩ حزيران ٢٠٢٥
لماذا يبدو ترامب متردّداً في إعلان بدء المشاركة الأميركية العسكرية المباشرة في الحرب ضدّ إيران، بعد تصريحاته التي عكست وقوفه وراء العدوان «الإسرائيلي»؟
هل انّ هذا التردّد بسبب الانقسام الأميركي الداخلي في الكونغرس، والمعارضة الشعبية الواسعة للحرب، أم انّ الأمر مرتبط بالمخاطر الكبيرة التي قد تتعرّض لها القوات الأميركية في المنطقة واحتمال غرق أميركا في حرب استنزاف من العيل الثقيل لم تواجه مثيلاً لها في السابق نتيجة قدرات إيران الكبيرة على توجيه ضربات قوية للقوات الأميركية في المنطقة؟
من يتابع المشهد في الولايات المتحدة اثر تصريحات ترامب الحربية، يتبيّن له انّ تردّده في المشاركة العسكرية المباشرة في الحرب ضدّ إيران يعود على الأرجح إلى مزيج من العوامل، بما في ذلك الانقسام الداخلي في الولايات المتحدة والمخاطر الاستراتيجية الكبيرة:
أولاً، الانقسام الأميركي الداخلي والمعارضة الشعبية:
1 ـ يسود انقسام واضح في الكونغرس الأميركي، حيث يعارض العديد من المشرّعين، من كلا الحزبين، أيّ تدخل عسكري أميركي واسع النطاق في الشرق الأوسط…
ويطالب بعض أعضاء مجلس الشيوخ، مثل تيم كين، بضرورة الحصول على موافقة الكونغرس قبل أيّ عمل عسكري ضدّ إيران.
2 ـ تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة أنّ غالبية كبيرة من الأميركيين، بمن فيهم نسبة كبيرة من ناخبي ترامب، يفضّلون الدبلوماسية على العمل العسكري في ما يتعلّق ببرنامج إيران النووي والصراع الإقليمي. وتشير الاستطلاعات إلى انّ الشعب الأميركي لا يرغب في التورّط في «حرب أبدية» أخرى في الشرق الأوسط، سوف تؤدّي إلى تكبّد أميركا خسائر كبيرة تنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي والمالي المأزوم، والوضع المعيشي للأميركيين الذي يريدون توفير الأموال التي ستوطف في شنّ الحرب لمعالجة وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
3 ـ انخراط أميركا في حرب ضدّ إيران، يتعارض مع سياسة «أميركا أولاً» التي يتبنّاها ترامب المتمثلة بفكرة تجنب «التورّط الأجنبي» المكلف.. ويسعى ترامب إلى تجنّب المسؤولية عن أيّ إخفاقات محتمَلة في حرب كهذه، ويفضل أن يُنسب إليه الفضل في أيّ انتصارات.
ثانياً، المخاطر الاستراتيجية الكبيرة:
1 ـ من المعروف انّ تورّط أميركا في حرب ضد إيران سوف يؤدي إلى انزلاقها إلى حرب استنزاف مكلفة، فالمسؤولون الأميركيون يدركون جيداً قدرات إيران العسكرية، بما في ذلك ترسانتها الصاروخية وقدرات حلفائها في المنطقة. ولهذا يمكن أن يؤدّي أيّ تدخل عسكري مباشر إلى حرب استنزاف طويلة ومكلفة للغاية، سواء من حيث الأرواح أو الموارد، وهو ما قد يفوق أي حرب واجهتها الولايات المتحدة في السابق.. وهو ما وعد به مرشد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي الذي ردّ على تهديدات ترامب بالقول، شعبنا لم يخضع لأيّ إملاءات، وانّ إيران ستردّ على الهجوم بالهجوم والاستهداف بالاستهداف…
2 ـ ستؤدي الحرب الى تعريض القوات الأميركية للخطر، بسبب انتشارها في عدة دول بالمنطقة، مما يجعلها أهدافاً سهلة للصواريخ الإيرانية الفرط صوتية أو من هجمات حلفاء الجمهورية الإسلامية.
3 ـ ذريعة التهديد النووي التي يستخدمها ترامب لشن الحرب، والقول باستمرار أنّ إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحاً نووياً، لكن هذه الذريعة تسقط مع إعلان إيران باستمرار أنها لا تريد تصنيع سلاح نووي وهي مستعدة لإعطاء أيّ ضمانات في هذا المجال في مقابل التسليم بحقها في مواصلة تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية… أما استخدام القوة العسكرية المباشرة لضرب البرنامج النووي الإيراني فإنه قد يدفع إيران إلى تسريع برنامجها بدلاً من وقفه، امتلاك القنبلة النووية للدفاع عن نفسها وردع العدوانية الأميركية «الإسرائيلية»، تماماً كما فعلت كوريا الديمقراطية التي توقفت التهديدات الأميركية ضدّها بعد أن امتلكت القنبلة النووية.
4 ـ انّ توسع الحرب على نطاق واسع مع إيران سيؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط بأكمله، مما يؤثر على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
بشكل عام، يبدو أنّ تردّد ترامب، حتى الآن، ينبع من مزيج من الحسابات السياسية الداخلية والرغبة في تجنّب حرب مكلفة وغير شعبية، بالإضافة إلى الوعي بالمخاطر الجيوسياسية والعسكرية الكبيرة التي ينطوي عليها الصراع المباشر مع إيران. وبينما يدعم ترامب بشدة «إسرائيل» في مواجهتها مع إيران، إلا أنه لا يزال متردّداً في تورّط الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب، لكن هذا التردّد لن يطول كثيراً إذا ما أصبحت «إسرائيل» تعاني من مأزق فشل عدوانها في تحقيق أهدافه الأساسية وهي تدمير البرنامج النووي، والبرنامج الصاروخي، وبالتالي فشلت دفاعاتها الجوية في حماية كيانها برمته من ضربات الصواريخ الإيرانية المدمّرة وباتت غير قادرة على تحمّل حرب استنزاف تدور رحاها في العمق الحيوي للكيان الصهيوني… لهذا سيكون ترامب أمام خيار العمل على إنقاذ قاعدة أميركا في المنطقة «إسرائيل» من تداعيات الفشل، إما بواسطة التحرك الدبلوماسي لإيجاد تسوية سياسية تنهي الحرب التي بدأتها «إسرائيل» بدعم أميركي، او بالتورّط عسكرياً في الحرب، لعدم استعداده التسليم بفشل الحرب في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، وخروج إيران منتصرة منها…