اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٩ حزيران ٢٠٢٥
في السياسة تتقدم المصالح على الحقوق المشروعة للشعوب، والمصالح متقلّبة وعرضة للتغيير؛ كون كل ما ليس أزلياً لا يكون أبدياً؛ فالمواقف والتحالفات عرضة للتبديل، وأكثر ما يؤكد ذلك التقلّبات في السياسات الأميركية تجاه التلموديين والصهاينة من فرانكلين إلى ترامب.
كان الرئيس بنيامين فرانكلين من أوائل الذين تنبأوا بخطر اليهود التلموديين على الولايات المتحدة الأميركية، في كلمته الشهيرة في المؤتمر التأسيسي للدستور الأميركي في فيلاديلفيا عام 1787«هناك خطر عظيم يهدّد الولايات المتحدة الأميركية ومصدر هذا الخطر هو اليهود. أيها السادة انظروا إلى الدول التي يعيش فيها اليهود.. انهم يستهدفون القيم المعنوية للشعوب ويدمّرونها ويفسدون العلاقات التجارية المبنية على الثقة… هم دائماً منعزلون ولا يندمجون مع غيرهم في المجتمعات التي يعيشون فيها، وعندما يتعرّضون لأي ضغوط أو اضطهاد يعملون على خنق الشعوب والدول مالياً كما فعلوا ذلك في البرتغال وإسبانيا. وهم يتحججون دائماً بطردهم من الأراضي المقدّسة بالنسبة إليهم، ويستغلون المشاعر العاطفية للناس وكأنهم مضطهدون».
انتهجت الولايات المتحدة الأميركية سياسة العزلة وعدم الانحياز لأي من الصراعات الدولية، منذ الحرب الأميركية – الإسبانية عام 1898 (عملًا بمبدأ مونرو) حتى 2/4/1917 بعد جلسة وافق فيها مجلس الكونغرس الأميركي على دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا والمحور، وأرسلت وحدات عسكرية للقتال في أوروبا.
وكان قد سبق ذلك خطاب الوداع للرئيس الأميركي الأول، جورج واشنطن (30/4/1789[ا]- 4/3/1797) الذي جاء فيه: «سياستنا الحقيقية هي الابتعاد عن أي تحالف دائم مع أي كيان من العالم الخارجي»، حيث كان هو وكثير من الرؤساء الذين خلفوه يخشون عواقب الانجرار إلى صراع القوة بين الدول الأوروبية الكبرى.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عادت الولايات المتحدة إلى سياسة العزلة، ثم تغيّر هذا الموقف عام 1941، إذ اعتبرت أن مصالحها تتطلب المشاركة الإيجابية في الدفاع عن أوروبا، ثم الدخول كطرف أساسي في الحرب العالمية الثانية.
في زمن ما قبل انتشار الدعوة الإسلامية عرفت منطقتنا طوال قرون صراعات انخرط فيها – في حقب وأزمنة متفرقة – قدامى المصريين وشعوب بلاد ما بين النهرين والأغريق والرومان والبيزنطيون والفرس؛ للسيطرة وامتداد النفوذ فكانت امبرطوريات وممالك وأمارات، ولم تحسم هويتها العربية إلّا بعد الفتوحات الإسلامية وقيام الخلافات والسلطنات «الإسلامية» واستمرت حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وتطبيق سايكس – بيكو ووعد بلفور، واصطنعت أوروبا ليهودها الكيان الصهيوني ورحّلتهم إليه فارتاحت من مشاكلهم وجرائمهم وارتاحوا من اضطهادات شعوبها المبررة (كما أشرنا في مقالة سابقة). ومع تثبيت الصهاينة في فلسطين كانت القضية الفلسطينية والحروب الصهيونية – العربية والدعم الغربي اللامتناهي للكيان، فكان شرق أوسط مجزّأ مستضعفاً منهوباً مستضعفاً؛ وكانت انقلابات وثورات في أهدافها تحرير فلسطين وحق شعبها في تقرير مصيره في الحياة الحرّة الكريمة، وتأكيد عروبة بلادنا.
كانت متغيّرات في مواقف الولايات المتحدة من مساندة مصر سياسياً في صد العدوان البريطاني – الفرنسي – الصهيوني بقرارات أممية، وفرنسا – من المشاركة في العدوان الثلاثي ومساعدة العدو الصهيوني في بناء مفاعل ديمونا إلى معاقبة «إسرائيل» والتوقف عن مدّها بالطائرات، والاتحاد السوفياتي (من الانحياز للكيان الصهيوني إلى مساندة الحق العربي إلى الانسحاب من مصر بطلب من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات…).
العدوان الصهيو-أميركي على إيران يولد الشرق الأوسط الجديد
والأبرز كان في انقلاب الموقف الإيراني من الدعم المطلق لـ«إسرائيل» أيام الشاه محمد بهلوي إلى طرد الدبلوماسيين الصهاينة من البلاد وإغلاق السفارة «الإسرائيلية» ورفع العلم الفلسطيني والاعتراف بدولة فلسطين ودعم ومساندة وقيادة المقاومات العربية والإسلامية دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية؛ ومن هنا كانت العدائية الأميركية والصهيونية السافرتين للجمهورية الإسلامية في إيران وشعبها، فكان العدوان الأخير فجر الجمعة 13/6/2025 بتوقيت مشبوه: قبل يومين من معاودة المفاوضات الأميركية – الإيرانية وعقد جولة سادسة من المفاوضات النووية غير المباشرة بين إيران وواشنطن في العاصمة العُمانية، مسقط، الأحد 15/6/2025. وأيام على انعقاد المؤتمر الدولي برئاسة السعودية وفرنسا، على مستوى رفيع يتضمن قادة دول ووزراء خارجية، والذي كان من المقرر أن يُعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بين 17 و20 حزيران/ يونيو الحالي، من أجل تسوية القضية الفلسطينية سلمياً وتنفيذ حل الدولتين، لا سيما بعد الحديث عن ضغوط أميركية نشرته وكالة رويترز قبل أيام من أن إدارة الرئيس دونالد ترامب حثّت «الحكومات على عدم المشاركة» في المؤتمر المذكور محذّرةً من أن الدول التي تقدم على «إجراءات مناهضة لإسرائيل» عقب المؤتمر ستعتبر مخالفة لمصالح السياسة الخارجية الأميركية، وقد تواجه عواقب دبلوماسية من الولايات المتحدة. وجاء في البرقية أنه «تعارض الولايات المتحدة أي خطوات من شأنها الاعتراف من جانب واحد بدولة فلسطينية مفترضة، مما سيضيف عراقيل قانونية وسياسية كبيرة أمام الحل النهائي للصراع ويضغط على «إسرائيل» أثناء حرب، وبالتالي يدعم أعدائها».
وحتى لا يستشف من رؤيتنا أن العدوان الأخير، وقد يكون آخر الاعتداءات إذا ما اقتنع ترامب بعبثية دعمه ومساندته وانخراطه في ذلك العدوان، يتوقف على تعليق المفاوضات المذكورة وهي حتمية مهما كانت نتيجة العدوان؛ تنعكس على تعنّت الأميركي وإصراره على إضعاف الإيراني ليستفرد برسم الشرق الأوسط الجديد، وتمسّك الأخير بحقه باستكمال المشروع النووي السلمي، مما يعزز قوته وتطوّره ويكون شريكاً أساسياً في رسم الشرق الأوسط الجديد.
ولا يستشف منه تأخير صدور قرار دولي بحل الدولتين.
أطلق التحالف الصهيو-أميركي رصاصة البدء بعدوان جديد على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر 13/6/2025، وفي تهيأته أن الرد الإيراني سيكون استنساخاً لمواقف سابقة لن يتعدّى «سنردّ في الزمان والمكان المناسبين»، ويبدو أن المعطيات تؤشر إلى أن انهما مناسبين، وفي الرد الصاروخي والمسيراتي الذي يحمل العالم على التحرّك والتوسط، تأكيد على ذلك.
الصمود الإيراني بوجه الضغوطات والخسائر كفيل بإفشال الأهداف السياسية الصهيو-أميركية، وتحقيق انتصار إيراني، مهما كانت النتائج العسكرية للعدوان الأخير/ الآخر في المدى المنظور.
وإن غداً لناظره لقريب.