اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٩ أب ٢٠٢٥
خاص الهديل….
…. سدرة المنتهى الجاسم
في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل خلال العام الجاري في العراق، هزّت وفاة الطبيبة الشابة بان زياد الرأي العام المحلي، بعدما تحوّل حادث وفاتها الغامض من مجرّد شبهة انتحار إلى ملف جنائي مطروح للنقاش الشعبي والسياسي.
أغلقت محكمة تحقيق البصرة الثالثة في 18 آب/أغسطس ملف وفاة الطبيبة النفسية الشابة بان زياد طارق، معتبرة أن الوفاة وقعت نتيجة اضطرابات نفسية مزمنة، لتنهي بذلك تحقيقًا استمر لأسابيع وأثار جدلاً واسعًا بين الرأي العام العراقي، وسط اتهامات متداولة بوجود شبهة جنائية وتصفية متعمّدة.
وتحوّلت الحادثة من حالة وفاة يُعتقد أنها انتحار إلى قضية رأي عام متشابكة، مع تصاعد التناقضات في الروايات، وظهور مؤشرات دفعت البعض لرفض النتائج الرسمية واتهام جهات بمحاولة طمس الحقيقة.
انتحار أم جريمة؟
بحسب أقارب الضحية، فإن بان كانت تمر بظروف نفسية صعبة في الأسابيع التي سبقت وفاتها. إلا أن التقرير الطبي الأولي الذي تسرّب إلى وسائل إعلام محلية أظهر علامات مثيرة للريبة، أبرزها: جروح عميقة في الذراعين تصل إلى العظم، كدمات في الوجه والرقبة، وعبارة مكتوبة بالدم تقول 'أريد الله' على أحد جدران الحمّام.
إضافة إلى ذلك، أفادت مصادر مطلعة على التحقيق بأن كاميرات المراقبة المحيطة بموقع الوفاة كانت معطّلة وقت الحادث، وأن مسرح الحادث تم تنظيفه قبل الحصول على إذن رسمي من الجهات المعنية – ما اعتُبر تدخلاً قد يكون أضر بسير التحقيق.
أدلة رقمية وتقارير نفسية
رغم المؤشرات المثيرة للشك، استند قرار المحكمة إلى تقارير فنية صادرة عن خبراء الأدلة الرقمية والطب العدلي. وجاء في القرار القضائي أن محتوى هاتف الضحية تضمن مراسلات صوتية ونصية كشفت عن ميول انتحارية واضحة، وتكرار تعبيرات مثل 'رغبتي بالاختفاء' و'عدم الرغبة بالحياة'.
كما أظهرت الأدلة الفنية، وفق نص القرار، أن العبارة المكتوبة بالدم تطابقت مع خط يد الطبيبة، وأن الحمض النووي الموجود على الأدوات المستخدمة يعود لها. وأكد تقرير الطب العدلي أن الوفاة نجمت عن نزف دموي شديد نتيجة جروح حيوية، دون وجود أي آثار لمواد مخدرة أو دلائل على عنف جنسي.
رواية الرأي العام: اغتيال مهني؟
رغم إعلان نتائج التحقيق، لم يهدأ الشارع. إذ عبّر نشطاء وأوساط أكاديمية عن قناعتهم بأن الطبيبة كانت ضحية تصفية على خلفية مهنتها، خاصة بعد تداول معلومات تشير إلى أن بان رفضت سابقًا تزوير تقرير نفسي في قضية مقتل الأستاذة الجامعية سارة العبودة، التي وقعت قبل أشهر.
وقالت النائبة السابقة عن محافظة البصرة، رحاب العبودة، في تصريحات لها، إن هناك 'خيطًا يربط القضيتين'، مشيرة إلى احتمال وجود تصفية جنائية لمن رفضوا التلاعب بالعدالة، ومطالبة بفتح تحقيق شفاف ومستقل لكشف الحقائق كاملة.
قرار المحكمة… احتجاجات، تحفّظات، ومرآة لأزمة ثقة
أفرجت محكمة تحقيق البصرة عن خطيب الطبيبة، عمر صبحي مصطفى، بعد توقيف احترازي، معتبرة أن لا أدلة قانونية تربطه بوفاة بان زياد طارق، استنادًا إلى تقارير الطب العدلي والأدلة الرقمية التي أكدت صحة رواية الانتحار، وذلك وفق المادة 130/ج من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
لكن القرار لم يُنهِ جدل القضية في الشارع العراقي، حيث خرجت احتجاجات في البصرة،
واحتل وسم #العدالة_لبان_زياد مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بتحقيق دولي أو مستقل لكشف ملابسات الحادثة. أبدى عدد من الخبراء تحفّظاتهم على استنتاجات التحقيق، مشيرين إلى أن طبيعة الجروح والتناقضات في ملابسات الحادث تثير شكوكا حول السيناريو الرسمي.
وتعكس قضية بان زياد، في عمقها، أزمة ثقة متزايدة بين المواطنين والمؤسسات القضائية والأمنية في العراق، حيث يرى مراقبون أن هذه الحادثة ليست فقط مأساة فردية، بل مؤشراً واضحاً على الحاجة الماسة لإصلاحات شاملة في نظام التحقيقات، وأدوات جمع الأدلة، والمساءلة القانونية.
نهاية مفتوحة… وأسئلة معلّقة
في غياب توافق شعبي على نتائج التحقيق، تبقى وفاة بان زياد ملفًا مفتوحًا على احتمالات متعددة.
فهل كانت بان ضحية انهيار نفسي خفي، أم ضحية موقف مهني رفضت فيه الخضوع لضغوط غير قانونية؟
وهل تكفي المعطيات الرقمية والطبية لغلق القضية؟ أم أن غياب الثقة يفرض إعادة النظر في طريقة تعامل المؤسسات مع القضايا الحساسة؟
في الحالتين، تُمثّل هذه الحادثة نقطة اختبار جديدة لصدقية القضاء، ومطلبًا متجددًا لإصلاح قطاع التحقيقات العدلية، وضمان الشفافية في الوصول إلى العدالة.