اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
إبتسم خافيير باستوري وهو يحمل الكأس خارجاً. كان سعيداً حقاً لأولئك الذين كانوا على وشك أن يتسلّموها. عينَيه أضاءتا، لأنّ أعيُن جميع لاعبي باريس سان جيرمان سرعان ما ثبتت عليه، يراقبون كل خطوة يخطوها. ثم سلّمها، من دون شك وهو يتمنّى لو كان هو مَن يرفعها إلى سماء ميونيخ، وليس قائد باريس سان جيرمان ماركينيوس.
الأرجنتيني المعتزل (35 عاماً)، وهو أصغر من بعض لاعبي إنتر الذين هزمهم باريس، كان أول صفقة كبرى حين اشترت مؤسسة قطر للاستثمار الرياضي النادي عام 2011. كلّف انتقاله من باليرمو 42 مليون يورو، وشرح رئيس النادي ناصر الخليفي حينها الاستراتيجية الكامنة وراء ضمّ باستوري على أساس الرغبة في إيجاد «ميسي الجديد» بدلاً من شراء ميسي الحقيقي.
لكنّ سان جيرمان تراجع لاحقاً عن ذلك، واشترى ميسي بعد 10 سنوات، الذي تزامن وصوله مع اقتراب موعد استضافة قطر لكأس العالم، وقد حصل القطريّون على ما يفوق ما دفعوه بكثير. فقد ألبسه الأمير البشت القطري لحظة تتويجه بكأس العالم في نهائي مذهل بـ«لوسيل»، محققاً الحُلم الذي لطالما سعى إليه مع الأرجنتين. لكنّ ميسي لم يجلب دوري الأبطال إلى باريس.
تحوّلت المسألة كلّها إلى سؤال: مَن سيُحقّق اللقب؟ إذا لم يَكن ميسي، فبالتأكيد ابن باريس، كليان مبابي. لكنّ في الصيف الماضي، غادر مبابي إلى ريال مدريد الذي كان قد تُوّج للتو بلقبه الـ15 في دوري الأبطال في «ويمبلي»، ويُعدّ الأقرب إلى «ضمانة» للبطولة في تاريخ الكرة الأوروبية. ومن الواضح أنّه رأى أنّ حظوظه معهم أفضل.
بعد أن وضع الكأس على قاعدة في ملعب «أليانز أرينا»، تراجع باستوري إلى الوراء وشاهد لاعبي سان جيرمان يمرّون في نشوة من الفرح. لامسوا الكأس وقبّلوها. ثم وقف ديزيري دويه ووضع يدَيه على مقابضها كما لو كانت كتفَي صديق قديم. وفي انعكاس سطح الكأس المصقول، رأى اللاعب الذي منح باريس أول لقب له في دوري الأبطال.
لم يكن باستوري، ولا ميسي، ولا نيمار، ولا مبابي. لم يكن زلاتان إبراهيموفيتش، ولا إدينسون كافاني، ولا ديفيد بيكهام، الذي كان يشاهد من المدرجات إلى جانب توم كروز. بل كان هو. اختير دويه رجلَ المباراة في نهائي دوري الأبطال، لأنّه كان مَن أنهى انتظاراً فرنسياً دام 32 عاماً للقب أوروبي.
وأكّد: «لا أملك كلمات لوصف ذلك!». وكذلك إنتر لم يكن يملك وسائل لإيقافه. فقد كان من المفترض أن يكون فيديريكو ديماركو يراقبه. لكنّه اختفى عنه. وظنّ فرانشيسكو أتشيربي أنّه يُراقب عثمان ديمبيلي، لكنّ دويه ظهر. أمّا بنجامين بافارد فكان مشغولاً بخفيتشا كفاراتسخيليا، ولم يكن بحاجة إلى أن يظهر دويه أيضاً.
وصف دويه ليلته: «رائعة. سحرية». وكان هذا أيضاً التأثير الذي أحدثه على إنتر؛ بيقظته في الهدف الأول، إذ استلم تمريرة فيتينيا التي شقّت الدفاع، وفتح جسده بلفة على القدم الخلفية، ثم نظر سريعاً إلى أشرف حكيمي الذي سجّل هدفاً سهلاً ضدّ فريقه السابق.
استدرج ديماركو في الهدف الأول، واندفع إلى المساحة التي تركها في الهدف الثاني، محوّلاً حياة الظهير الإيطالي إلى كابوس. استبدل سيموني إنزاغي، ديماركو كـ»تبديل رحيم» (د54)، لكنه جاء متأخّراً جداً.
وعلى رغم من أنّ دويه كان محظوظاً بعض الشيء في هدفه الأول، إذ انحرفت الكرة في لمسته الأخيرة عن قدم ديماركو التعيس، إلّا أنّ هدفه الثاني أظهر هدوءاً يفوق عمره. انطلق مجدّداً بعد تمريرة من فيتينيا، ولم يُفكّر كثيراً في مواجهة فردية مع الحارس يان سومر، بل سدّد بهدوء فتجاوزت الكرة الحارس السويسري. كانت فرصة تُذكّر كثيرين بتلك التي أضاعها زميله راندال كولو مواني (أو بالأحرى صدّها إيميليانو مارتينيز) في نهائي كأس العالم 2022 مع فرنسا.
بالمناسبة، كولو مواني أُعير إلى يوفنتوس خلال الشتاء، بعدما خسر مركزه لصالح دويه وبرادلي باركولا.
عن تسجيله هدفَين وصناعته لهدف آخر من أهداف باريس الـ5، اعتبر دويه: «كان الأمر طبيعياً بالنسبة لي». وبذلك أصبح ثالث أصغر لاعب يُسجّل في نهائي دوري الأبطال (قبل أن يأتي زميله سيني مايوولو من دكّة البدلاء ويُسجّل الهدف الخامس، ما جعله يحتل المركز الرابع في الترتيب).
«أمر طبيعي، أليس كذلك؟»، علماً أنّ دويه سيُكمل عامه الـ20 غداً. ويستحق الأمر التوقف قليلاً عند العمل الذي قام به باريس سان جيرمان ومديره الرياضي لويس كامبوس هذا الموسم. لا شك أنّ شيكات ضخمة لا تزال تُكتب. فقد استُثمر قرابة 250 مليون يورو، ومع ذلك لم يلحظ كثيرون ذلك.
لم يكن غياب الضجة لأنّ الجماهير أصبحت متبلّدة من إنفاق باريس. بل لأنّ الأموال لم تُصرَف على نجوم معروفين. حتى كفاراتسخيليا، أفضل لاعب سابق في الدوري الإيطالي، هو شاب جورجي خجول وقليل الكلام.
دفع باريس 50 مليون يورو لضمّ دويه من رين، وهو مبلغ يفوق، للمقارنة، أي صفقة أبرمها إنتر للاعبيه. ومع ذلك، لم يكن ذلك مثالاً جديداً على «كرم» القطريِّين. فكما حصل مع التعاقد مع جواو نيفيس، فإنّ باريس يلعب على المدى الطويل. إلى جانب برشلونة، يُشكّلان مستقبل هذه البطولة. كلاهما دفع بأصغر تشكيلتَين في المسابقة. وكلاهما أبهرا الجميع.
ملعب «أليانز أرينا» هو المكان الذي أعلن فيه لامين يامال عن نفسه للعالم بتسديدة لا تُنسى في نصف نهائي اليورو الصيف الماضي بين فرنسا وإسبانيا. دويه فعل شيئاً مماثلاً في المكان عينه بأدائه ضدّ إنتر. وبفوزه بدوري الأبطال، لم يُنهِ باريس سعيه فقط، بل عاد إلى نقطة البداية.
في عام 2011، تعاقد مع باستوري بوصفه «النجم القادم». أمّا دويه، فهذا الفريق هو فعلاً كذلك. وعندما نظر المراهق إلى انعكاس صورته في كأس دوري الأبطال، كان يُحدِّق في مستقبل ناديه وكرة القدم الفرنسية.
وأكّد دويه: «نعيد كتابة التاريخ، ليس فقط لهذا النادي بل لكرة القدم الفرنسية، وللكرة الأوروبية أيضاً. نحن فخورون بكل ما أنجزناه، ليس فقط الليلة، بل طوال الموسم».