اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل…
كلما خفت صوت المعارك في سوريا، ينبعث من الجنوب ما يعيد إشعال الأسئلة الكبرى. مشهد بات مألوفاً: اشتباك داخلي، يتبعه تدخل إسرائيلي، وتتحرّك معه أنقرة، كأنها تستشعر خطراً لا يقتصر على ما يجري داخل الأراضي السورية، بل يتعدّاه إلى أمنها القومي وحدودها المعقّدة مع الأزمة السورية المتحوّلة.
في السويداء، لم يكن التوتر الأخير عابراً؛ انسحبت القوات السورية من المدينة، ورفعت دمشق لافتة 'التهدئة'، مع الإشارة إلى دور الوسطاء الأميركيين والعرب والأتراك.. بدا وكأن الدولة السورية تمارس فنون المناورة السياسية، محاوِلة تحييد المواجهة، وإعادة ضبط الإيقاع، بينما عينها على إسرائيل التي تتحرك بثقل غير مسبوق في الجنوب.
وعليه، لم يكن خافياً أن تل أبيب تسعى لفرض قواعد جديدة في جنوب سوريا، مستخدمة ورقة 'حماية الدروز' كمدخل للنفوذ، وكأنها تفتح باباً لإعادة إنتاج التقسيم عبر أدوات مذهبية وعرقية؛ لكن تركيا لم تكن غائبة عن المشهد.. فأنقرة التي تعتبر الملف السوري جزءا من أمنها الداخلي، رأت في هذا الحراك محاولة لإعادة صياغة خريطة النفوذ في خاصرتها الجنوبية.
ومع اشتداد التحركات، برزت دعوات مريبة داخل بعض الأوساط السورية لفتح ممر بين السويداء وشرق الفرات، وهو ما يعني عملياً ربط مجموعات جنوبية بقوات سوريا الديمقراطية، وتوسيع الجبهات التي تطالب باللامركزية. هذا الربط، عبر البادية السورية، قد لا يبدو منطقيا من الناحية الجغرافية أو السكانية، لكنه يُستخدم كممر سياسي وعسكري لتوحيد الجبهات وإحداث توازن ميداني جديد.
السيناريو مقلق، ليس فقط بسبب الخطر الإسرائيلي، بل أيضا لاحتمال دخول 'قسد' على خط التوتر، مستغلّة اللحظة لإعادة التموضع والتفاوض من موقع أقوى، وربما ضرب كل التفاهمات السابقة. وهو ما دفع تركيا إلى رفع الصوت، على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان، الذي قال بوضوح إن على إسرائيل وقف سياساتها المزعزعة للاستقرار، بينما لمّح المتحدث باسم الدفاع إلى استعداد بلاده لتقديم الدعم العسكري لسوريا في حال طُلب منها ذلك.
في المقابل، تحاول تل أبيب تدوير زوايا مشروعها؛ فهي تفاوض وتضغط وتساوم، وربما تعيد ترتيب أوراقها إذا نالت ضمانات من واشنطن. لكن كل المؤشرات تدل على أنّ الهدف النهائي لا يزال قائماً: إعادة تقاسم سوريا إلى كانتونات، وإبقاء الدولة السورية معلّقة بين خطوط التماس، من الدروز في الجنوب إلى الأكراد في الشرق.
وفي قلب هذا المشهد، تركيا تتحرك. ليس فقط خوفاً من تمدد الفوضى إلى حدودها، بل لأنها ترى أن ما يُحاك في الجنوب والشرق يستهدف كامل المنطقة؛ فمشروع 'الربط الجغرافي' بين السويداء وشرق الفرات، إذا نجح، قد يصبح القاعدة لمشروع أوسع، عنوانه: سوريا ما بعد الدولة.