اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٢٥ تموز ٢٠٢٥
كتب أنطوان مراد في 'نداء الوطن':
تلتقي معطيات دبلوماسية غربية على توقع عودة التصعيد الإسرائيلي تدريجًا وصولًا إلى تنفيذ عمليات موضعية تتخطى الإطار التقليدي للغارات والقصف المدفعي والصاروخي، وذلك على خلفية ما يشبه الإعلان الأميركي عن ترك لبنان مفتوحًا أمام أرجحية تعرضه لاعتداءات إسرائيلية جديدة أشد كثافة وقوة، انطلاقًا من أن السلطة اللبنانية لم تقدم أي التزامات عملية ومهل زمنية لجمع السلاح الثقيل من 'حزب الله' ولمنع الوجود العسكري غير الشرعي في مختلف المناطق وليس جنوب الليطاني حصرًا.
وإذ تشير المعطيات ذاتها إلى مناطق بعيدة من الجنوب ستكون مستهدفة، وقد تترافق مع رسائل ميدانية معينة للسلطة اللبنانية، لا تستبعد مصادر تلك المعطيات، أن يعود الحراك الأميركي بوتيرة مهمة بعد انتهاء فصل التصعيد، علمًا أن 'حزب الله' كما يبدو 'يلعبها صولد' مدركًا أنه أمام مفصل مصيري بالنسبة لسلاحه وبالتالي لنفوذه، لكنه في نهاية المطاف لا يمكنه أن يخرج من تحت العباءة الإيرانية.
والخشية أن يصبح 'حزب الله' نوعًا من 'حماس' ثانية، على أساس أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتعاطى مع أذرعها الإقليمية كمتاريس أمامية ولا بأس من استنفادها، لا سيما وأن القادة الإيرانيين لا يرغبون بأي شكل من الأشكال أن تعاوَد الضربات الجوية والصاروخية على بناها العسكرية التحتية من نووية وصاروخية. وهذا الواقع بدأ يخلق تمايزًا بين قادة 'الحزب' لجهة كيفية التعاطي مع التوجيهات الإيرانية، حيث لم تعد هناك مسافة ملحوظة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية لـ 'الحزب' من جهة، انطلاقًا من التماهي الكلي للأمين العام الشيخ نعيم قاسم مع الجمهورية الإسلامية، بينما التباعد يبرز بين القادة العسكريين البارزين أنفسهم وبين القادة السياسيين أنفسهم، وكأن هناك جناحيّن يضم كل منهما عسكريين وسياسيين على السواء ويتجاذبان أطراف الجدال، الأول، يتمسك بالتزام الأوامر الإيرانية. والثاني، يدعو إلى حد أدنى من الاستقلالية، لكن الغلبة ما زالت تميل بقوة لمصلحة الخيار الإيراني.
على أن جماعة الممانعة وجدوا حاليًا في أحداث السويداء في سوريا حجة إضافية يعتبرونها مهمة جدًا لتبرير الاحتفاظ بالسلاح، على أساس أنه ليس لمواجهة العدو الإسرائيلي فحسب، بل لمواجهة التكفيريين والمتطرفين السنة الذين ارتكبوا فظاعات بحق الدروز، ولو أن ثمة من يقول في المقابل إن الدروز ذهبوا بعيدًا في التماهي مع إسرائيل وارتكبوا بدورهم تصفيات بحق أبناء العشائر.
وهذه الحجة تفتقد في أي حال إلى الصدقية، باعتبار أنه ثبت بالوجه المنطقي أن سلاح 'حزب الله' لم يحمِ لبنان ولم يساند غزة، كما أنه فشل في حماية النظام السوري وفي ادعاء حماية المسيحيين. وهذا يعني أنه لم يعد من سبب مشروع للاحتفاظ بالسلاح إلا للرغبة في مواصلة الاستقواء به على الدولة اللبنانية وسائر اللبنانيين.
على أن تركيز أهل الممانعة على عداوتهم للتكفيريين من داعش وأخواتها دونه وقائع وأدلة مناقضة كليًا لهذا الطرح. فالنظام السوري، وبالتعاون مع النظام الإيراني، هو الذي استولد تنظيم 'القاعدة' وأشرفا معًا على تدريب عناصره وتمويله وتسهيل حركيته انطلاقًا بشكل خاص من الأراضي السورية عند الحدود الشرقية في اتجاه العراق، ما سمح لـ 'القاعدة' بشن عمليات نوعية وتفجيرات انتحارية في العراق استهدفت السلطة العراقية والقوات الأميركية على السواء. وقد طالبت الولايات المتحدة مرارًا وعبثًا النظام السوري في حينه بضبط الحدود والكف عن تسهيل انتقال عناصر 'القاعدة' عبر الحدود إلى العراق. أما الملفت فكان أن الزعيم التاريخي لـ 'القاعدة' أسامة بن لادن أقام فترات طويلة في إيران ومنها أدار عمليات التنظيم في المنطقة.
ذات يوم في عز معادلة السين السين بين المملكة العربية السعودية وسوريا في نهايات العقد الأول من القرن الحالي، اتصل العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز بالرئيس السوري بشار الأسد، وطلب منه، بناء على معلومات توافرت لدى المملكة، تسليمه قائدًا سعوديًا بارزًا من قادة تنظيم 'القاعدة' أكدت المعلومات وجوده في سوريا. فوجئ بشار بالطلب واستمهل الملك أن يسأل ويتقصى عنه، وبعد ثمانٍ وأربعين ساعة اتصل الرئيس السوري بالملك عبدالله ليبلغه أن المطلوب السعودي قُتل. والواقع أنه تمت تصفيته لأن لديه معطيات خطيرة ليس من مصلحة النظام السوري أن تصبح لدى المملكة، لأنها تدين عمليًا الدور السوري آنذاك في دعم تنظيم 'القاعدة' بحجة مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق.
فهل من داعٍ لاستغراب انتقال شاكر العبسي من السجن في إيران عبر سوريا إلى مخيم البارد وتحوُّل 'فتح الانتفاضة' المرتبطة عضويًا بسوريا إلى 'فتح الإسلام' بين ليلة وضحاها، علمًا أن السيد حسن نصرالله اعتبر في حينه أن مخيم البارد خط أحمر؟ وهل من داعٍ للتذكير بحرمان الجيش اللبناني من الاحتفال بالانتصار في معركة فجر الجرود وترحيل الدواعش برعاية مشتركة من 'الحزب' والنظام السوري بالباصات المكيفة إلى بادية الشام؟!