اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢ أيار ٢٠٢٥
بين جدران المخيمات الفلسطينية التي تئن من ضيق الحال، وأروقة المستشفيات التي امتلأت بأنين المرضى، وفي خضم انحسار فرص العلاج بسبب الظروف القاسية والتكاليف الباهظة، تلوح بارقة رجاء جديدة من مستشفى الهمشري في مدينة صيدا، حيث تبصر مبادرة إنسانية النور، حاملة معها وعداً بإعادة السمع لمن حرموا منه، وتالياً النطق.
تنطلق المبادرة الإنسانية في العاشر من أيار الجاري لزراعة القوقعة السمعية في لبنان، مستهدفةً أربعين طفلًا من اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، الذين طالما خنقتهم العزلة عن العالم من حولهم، وذلك بتمويل من الإغاثة الإسلامية في أميركا، وتنفيذ مؤسسة 'من حقي أسمع'، وبدعم من شركة 'ميد إل' النمسوية و'هيرلايف'، وبالتعاون مع مستشفى الهمشري في صيدا.
تفاصيل المبادرة الإنسانية كانت محور مؤتمر صحافي عُقد في قاعة المحاضرات في مستشفى الهمشري في صيدا، برعاية سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، وجرى خلاله توقيع اتفاق تعاون بين مدير مستشفى الهمشري رياض أبو العينين، وممثل مؤسسة 'من حقي أسمع' خليل العينا، لتأسيس 'مركز السمع والنطق' الدائم، في خطوة تهدف إلى تحويل العلاج من مبادرة طارئة إلى مشروع مستدام.
ومن المقرر أن يشارك في هذه العمليات كلٌّ من الدكتور حسن دياب، أحد أبرز جراحي زراعة القوقعة في العالم، والدكتور هشام الموسوي، والدكتور محمد المعياري، وأطباء التخدير، وفريق التمريض المتخصص في المستشفى، الذي يقول مديره أبو العينين إنه تحول إلى محطة إنسانية لخدمة أبناء المنطقة والمخيمات الفلسطينية وكل لبنان، من دون النظر إلى الجنسية، سواء كانت فلسطينية أو لبنانية أو سورية.
ويصف عمليات زرع القوقعة بأنها 'زرع أمل جديد للأمهات والآباء بأن يعود أبناؤهم إلى السمع والنطق مجدداً'، معتبراً أن المبادرة الإنسانية لا تغطي فقط تكاليف العمليات، والتي تتراوح بين 25 و30 ألف دولار أميركي، بل تشمل أيضاً تكاليف ما بعد العمليات من علاج للنطق، وذلك من خلال مركز السمع والنطق الدائم في المستشفى، الذي سيتم إنشاؤه.
وقد أنشئت مؤسسة 'من حقي أسمع' عام 2020، ولم تكتفِ بزراعة القوقعة، بل أرست دعائم بنية طبية متكاملة تشمل تدريب الجراحين المحليين، وأخصائيي السمع والنطق، وتجهيز المستشفيات بالمعدات اللازمة، ليكون العمل الإنساني مستمراً لا تحدّه حدود المناسبات أو الأزمات.
ويؤكد ممثل المؤسسة في لبنان خليل العينا، أنه على امتداد سنوات طويلة، عانى اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من حرمان قاسٍ في حقهم بالرعاية الصحية، لا سيما في مجالات دقيقة مثل السمع والنطق، حيث كانت تكاليف العلاج الباهظة تقطع الطريق أمام أمل صغير كان يمكن أن يعيدهم إلى حضن الحياة. ومع انقطاع الدعم، توقفت عمليات زراعة القوقعة لما يقارب خمس سنوات، مخلفةً وراءها مئات الأطفال الذين عاشوا في صمت قاسٍ، محاصرين بعجز الكلمات والأصوات.
ويضيف العينا: في فلسطين، حققت المؤسسة إنجازاً نوعياً بالوصول إلى الزرعة رقم (300) نهاية العام الماضي، وسط دعم مجتمعي واسع من مختلف الأطياف. واليوم، يمتد هذا الحلم إلى لبنان، محاولًا أن يمنح الأطفال حقهم الفطري في السمع والكلام، ويفتح أمامهم أبواب الاندماج مع العالم بعد سنوات من الغربة الصامتة.
ويعرب ممثل الإغاثة الإسلامية في أميركا، محمد علي، عن أمله في أن يكون هذا التعاون خطوة على طريق تخفيف معاناة المرضى من اللاجئين الفلسطينيين، فضلًا عن اللبنانيين والسوريين، مشيراً إلى خوض تجارب مماثلة تكللت بالنجاح، وتركت أثراً طيباً لدى العائلات المستفيدة بعدما استعاد أبناؤهم السمع.
تجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن 430 مليون شخص حول العالم يعانون فقدان السمع، من بينهم 34 مليون طفل، فيصبح لهذا المشروع وزنه الإنساني الكبير، خاصة أن التقديرات تتوقع أن يتفاقم العدد ليصل إلى 700 مليون بحلول عام 2050