اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٤ كانون الأول ٢٠٢٥
مشقة الرجل كمفاوض راهن تستدعي بالضرورة النظر في الوقائع اللبنانية ماضياً وحاضراً. في مدريد فاوض سيمون كرم احتلالاً كان يستجدي الانسحاب من لبنان، وبشروط كان الأخير يملك من عوامل القوة ما أفضى لاحقاً إلى اتفاق متوازن مع إسرائيل، والمفارقة أن 'حزب الله' كان أبرز صانعي تلك القوة. راهناً، سيذهب سيمون كرم إلى مفاوضات يتبدى فيها لبنان مجرداً من قواه، والمفارقة أيضاً أن الاختلال في موازين القوى بينه وبين إسرائيل كان من صنائع الحزب.
تعيين السفير السابق سيمون كرم كمدني في لجنة 'الميكانيزم' هو محاولة متأخرة، لكنها منطقية من رئيس الجمهورية كمآلٍ مفترض لتجنّب الحرب. والتعيين هو مباشرة مطلوبة للخروج من سياق تسووي مع 'حزب الله' كان جوزاف عون يعتقد أنه الأجدى لمنعها.
متأخراً لأكثر من شهرين، أخذ رئيس الجمهورية قراراً 'سيادياً' بتعيين سيمون كرم، والأرجح أن قِصر مهل الحرب فرض نفسه كواقع لا يملك أحد، باستثناء 'حزب الله' ربما، الترف معه.
بعد تكليف نواف سلام برئاسة الحكومة، يشكّل تعيين كرم ثاني سلوك لمسار سياسي خارج رؤية الحزب، وهو بالضرورة قفز فوق معارضته لفكرة التفاوض أولاً، ثم لشخص المفاوض نفسه.
ومن نافل القول ألا ادّعاء مسبقٌ ولا تفاؤلَ مفرطٌ بأن تعييناً بهذه الرمزية قد يضمن تَلاشياً حتمياً للحرب المتوقعة، لكنه يشكل تقاطعاً موضوعياً أولاً مع ما تريده الإدارة الأميركية من لبنان، وبصفتها الضامن الوحيد والممكن لتجنب الحرب أو نفيها بالمطلق من وقائع اللبنانيين ويومياتهم.
بعد تعيين سيمون كرم، يُفترض برئيس الجمهورية والحكومة تحصين مهمة الرجل، وهو أمر يقتضي، كما قرار تعيينه، النزوح عن تسويات متهافتة وضعت لبنان على شفير الحرب، وتبدّت كأكثر اعتلالات الرؤية الرئاسية لموضوع سلاح 'حزب الله'. إنها إذاً، مهمة السلطة بقدر ما هي مهمة المفاوض اللبناني، وروح هذه المهمة هي الارتهان لقرارات مجلس الوزراء ونبذ أي سياق آخر من خارجها، إذ أثبت 'حزب الله' والرئيس نبيه بري تفوّقهما فيه في كل مرة كان رئيس الجمهورية ينزلق نحوه.
تسييل التعيين كمؤشر إيجابي تبدّى في أكثر من معطى. الإيجابية التي غلّفت بيان لجنة الميكانيزم هي أول المؤشرات، والأرجح أن استدعاءها أتى من وقعه أكثر مما من الوقائع المترتب على لبنان تنفيذها. الأخيرة ظلّت تستدعي لغة تحريضية على سلوك لبناني قاصر، بدّد مفاعيلها هذه المرة على الأرجح قرار التعيين.
المؤشر الآخر، على خفره راهناً، يرتبط بانعكاس القرار على اللبنانيين أنفسهم. نحن والحال أمام قرار بدّد على الأقل ملمحاً من ملامح اليقين بالحرب وسطوتها، وغالب الظن أن تكثيف النزوع النفسي عن الأخيرة مرهون بمشقة التفاوض التي انتُدب لها سيمون كرم.
لا بأس والحال أن يتخفف اللبناني قليلاً من وسواس الحرب كمتلازمة يومية. ولا بأس أيضاً أن يتخفف جوزاف عون من أثقال رؤية عدمية حاول تسويقها مع 'حزب الله'. والبأسان يتقاطعان اليوم عند رجل متخفف أيضاً من 'صدمة' التفاوض مع إسرائيل، وكان قد باشرها في مؤتمر مدريد للسلام بين الأخيرة وبين 'دول طوقها': لبنان وسوريا والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية. أنجز سيمون كرم حينها اتفاقاً متوازناً مع إسرائيل لم تلبث أن بددته 'وحدة المسار والمصير' التي ابتدعها حافظ الأسد.
سيذهب سيمون كرم إلى مفاوضات شاقة؟ هذا أكيد. واستدعاء رئيس الجمهورية الرجل من عزوف سياسي مديد، يندرج قطعاً في سياق خبرته ومهمته في مؤتمر مدريد، مع ما تضفيه 'جنوبية' الرجلين من جوار بين جزين والعيشية.
منذ أشهر، وفي ذكرى صديقه وزميله في 'المنبر الديمقراطي' الراحل حبيب صادق، كسر سيمون كرم صمته السياسي. قال كلاماً لم يكن برداً وسلاماً على الممانعين، كلاماً استدعى ردّاً ثم انسحاباً للنائب الياس جرادة من القاعة.
في تعليل اختيار سيمون كرم، تعمّد بيان رئيس الجمهورية إدراج الاختيار في خانة التشاور مع الرئيسين نبيه بري ونواف سلام، وغالب الظن أن الاختيار لم يهمل كلام كرم الأخير وموقعه السياسي 'الأنتي ممانع'. الجيد في الأمر أن جوزاف عون لم يستشر الياس جرادة، فأمثال الأخير هم في أحسن الأحوال ممن يبددون كل أمل بنجاتنا من مآسي الحرب.











































































