×



klyoum.com
lebanon
لبنان  ٢١ تشرين الثاني ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
lebanon
لبنان  ٢١ تشرين الثاني ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار لبنان

»ثقافة وفن» جريدة اللواء»

المُدن الجريحة.. أيُّ درسٍ نَستخلصه؟

جريدة اللواء
times

نشر بتاريخ:  الأربعاء ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥ - ٠٠:٢٧

المدن الجريحة.. أي درس نستخلصه؟

المُدن الجريحة.. أيُّ درسٍ نَستخلصه؟

اخبار لبنان

موقع كل يوم -

جريدة اللواء


نشر بتاريخ:  ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥ 

د. عزّ الدّين عناية(*)

لَئِن تَلخَّص فخرُ الملك الآشوريّ أسرحدون، في القرن السّابع قَبل الميلاد، وهو يُصوّر زَحْفَ جيشه الظافر بقوله: «أمامه مدينة وخَلفه خراب!»، فإنّ مهامّ المُنشغلين بحطامِ المُدن في عالَم اليوم، في الشرق أم في الغرب، تَقف على نقيضِ مُنجَزات جيش أسرحدون: «أنّ بَين أيديهم خراباً، وأنّ عليهم أن يُرمِّموا ما أَلمَّ بتلك المُدن». يأتي الأمر صوناً لإنسانيّةِ البشر وحِفاظاً على رصيد الأخلاق الكَونيّة المستنزَف، كما حاول لَمْلمته اللّاهوتيّ الراحل هانس كونغ صاحب مقولة «لا سلام لعالَمٍ لا سلام فيه بين الأديان، ولا سلام بين الأديان من دون حوارٍ عميق بينها».

وعلى ذلك الأساس، لا يبدو سؤال «ما العمل؟» في أيّامنا، أمام اتّساع رقعة انخرام المُدن، وتزايُد أعداد المُهجَّرين، وضيق السُّبل، وانسداد الآفاق، سؤالاً سياسيّاً، كما دأبتِ الأدبيّاتُ الاستراتيجيّة أن تُلحقه بأيديولوجيا معيَّنة أو بشخصيّةٍ كاريزميّة محدَّدة؛ بل هو سؤال ثقافيّ في الجوهر، يتلمَّس سُبلَ ترميم نسيج المُدن، الرمزي والقِيَمي والخُلقي، لِما لَحقه من اهتراء.

هذا وقد دأبَ الناسُ على طرْح «سؤال ما العمل؟» حين يُكابد الجميعُ أهوالَ الجحيم، وحين تتحوّل المدينة إلى مرتَعٍ للتوحُّش وإلى بؤرةٍ لتأجُّج النّزاعات. يطرحون ذلك السؤال على العارفين، وعلى مَن يأملون العثور لديهم على بصيصِ أملٍ للخروج من بلْواهم. والثقافة الرشيدة، ثقافة الوُدعاء، لا ثقافة التنطُّع والغيّ، غالباً ما تكون مَعنيّةً بذلك السؤال الحازم والمُفرط في إحراجِه، على أمل انتشال الحيارى من تيهِهم، وممّا أَلمَّ بهم وأَهليهم من عذاباتٍ يَصْلونها آناء اللّيل وأطراف النهار، وفي أحوال القرّ والحرّ على حدّ سواء، لأنّ إجابة الثقافة تنطوي على أملٍ وإعمارٍ وبصيص خلاص، وهي محاولة لخروجٍ مُستدام ممّا يترصّد الناس من أوضاع الذلّة والهوان.

فمن طبيعة الثقافة الرشيدة، وهي بحمولتها ثقافة مسؤولة، أن يكونَ دَيْدَنَها السعيُ الجادُّ إلى تقليصِ مساحة الطّيش والتهوُّر، والتشبُّث بالحفاظ على إنسانيّة الإنسان والنأي به عن العدميّة والانتحار. يَستحضرني وأنا أتأمّل موضوع الثقافة والإعمار وما بينهما من وشائج وصِلات، في مقاومة الامّحاء والاندثار، ذلك الإخبار البليغ الوارد في الذكر الحكيم عن خليل الرّحمن «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت»، وهو يجابه بوادٍ غير ذي زرْع مخاطر الفناء، ومع ذلك يصرّ على التقعيد والتشييد والرفعة. والهول الذي يجتاح المدينة في عالَمِنا أمرٌ جَلل، تلك المدينة التي خرجت من رحمِ تراكماتٍ حضاريّة عميقة وأطوارٍ زمنيّة مديدة، كما أَوضح ذلك عالِمُ الآثار الإيطالي ماريو ليفراني في مؤلَّفٍ رصين له بعنوان: «أوروك.. أولى المُدن على وجه البسيطة» (مشروع كلمة، 2012). باتتِ المدينةُ الحديثة وما تنطوي عليه من مَدنيّة، وحقوق، وأمان، ورفاه، عرضة للطّمس، وهو طمس من صنع أيدي البشر، لا بفعل الطبيعة العمياء الغاضبة، كما هو الشأن مع ما جرى لمدينة بومبي الإيطاليّة - 79 ميلادية - التي غَمرتها حُمَمُ بركان الفيزوف وطمرت ألوفاً من أهليها تحت طبقةٍ من الركام بلغ سمكها ستّةَ أمتار - كانت بومبي في ذلك العهد تعُدّ عشرين ألف نسمة -، حتّى أنّ غُبار البُرْكان وصلتْ آثاره إلى ألبَانيا واليُونانِ وَإلى مشارف أرض سُورِية كما قيل.

حتّى الشياطين يحتاجون إلى دولة

ففي عصرنا باتت جملةٌ من المخاطر المُحدقة بالمدينة نابعة من أحضانها، في ظلّ فقدان بوصلة التحضُّر وانفلات التوحُّش. في مقطعٍ شهير من نصٍّ سطَّره الفيلسوفُ الألماني إمانويل كانط بعنوان «السلام الدائم»، يُطالعنا بقوله: حتّى الشياطين (والمُراد الأفراد الأنانيّون للغاية) يحتاجون إلى دولة، وعلى المستوى الدولي يحتاجون إلى جمهوريّة عالَميّة، بشرط أن يكون بحوزتهم عقل، أي عقلاء في نظرهم وحُكماء في تصرّفهم. ففُرص العَيش والتعايُش في المدينة تتراجع، بحسب تقديرات كانط، كلّما تقلَّصت مساحةُ التعقّل وتقدّمت نوازع الغرائز. ولربّما أخطرها العنف المُنفلت، بذريعة المشروعيّة والصوابيّة، وذلك لِما لعواقب إشهار السيف من آثارٍ وخيمة. ولعلّ عواقب سلّ السيف التي طالما حذَّر منها السيّد المسيح (عليه السلام) في قوله: «رُدَّ سيفكَ إلى غمده! فإنّ الذين يلجَؤون إلى السّيف، بالسّيف يَهلِكون» (متّى26: 52)، قد بتنا نعيش وقائعَها وآثارَها داخل حيّز المدينة المعولَمة التي أضحى الجميع يقطنونها ويتقاسمون المأوى فيها.

وحين يَطال المدينةَ الخرابُ، بماذا يتسنّى التوقّي؟ العقل والعقلانيّة.. الشَّرع والمشروعيّة.. الحقّ والحقوقيّة؟ وهي جميعها أصولٌ حرصَ الإنسانُ الحديث على أن يَستلهمَ منها ضوابطَه داخل المدينة، لكنّ البيّن أنّها لم تُسعفنا كثيراً في الحفاظ على كيانِنا بعدما عادَ التوحّشُ يَنبع من دواخلنا، ومن ثَمّ لن تحميَ شرائعُنا المدينةَ ما لم نتعمّد بمعانيها ودلالاتها. فاللّاعنف ليس ضعفاً أو ضَرباً من الوهْن، بل هو إقرارٌ واعٍ بموالاةِ خيار الإعمار، ولا يستوي مَن يُعمِّر مع مَن يُدمِّر. وعلى هذا الأساس حرصَ شقٌّ من أنصار السِّلم في الفكر اللّاهوتي المسيحي على التشديد على أنّ عبارة السلام في المدلول الإنجيلي الأصيل، كما ذهبَ إلى ذلك الآباءُ الأفارقة: تِرتُوليانُوس، وشبرييانوس، وأرنوبيوس، ومينوشيو، لا تأتي نقيضاً للحرب، بل للخطيئة، بوصفها بَيت الدّاء لجميع الشرور والمساوئ التي تَعصف بالبشر.

وحين نَرى استشراءَ الفوضى في المُدن، نُكرّر السؤال دائماً: ما الذي بوسع الثقافة فعْله حيال أزمات المُدن المُستعصية؟ وقد أَمست فضاءاتُ العَيش المُشترَك فضاءاتٍ هشّة وعرْضةً للخراب المُتواصل. البيّن أن يكون مُلقىً على عاتق الثقافة، في تلك الأوضاع وفي تلك الأحوال الحَرِجة، مهمّة التأسيس لتعاقُدٍ خُلُقيّ وإيلافٍ قِيَميّ جديدَيْن يُرمِّمان تصدّعات الثقة بين الناس بعدما تآكلت، وكادت تحلّ محلّها الريبةُ المستدامة. ولو تمعنّا أسفار الكتاب المقدَّس لوجدْنا توصيفاً شفّافاً لتلك الزعْزعة في ما يورده سفر التثنية «في تلك الأيّام لا تطمئنّ، ولا يكون قرار لقدمك، بل يعطيك الربّ هناك قَلباً مرتجفاً وكلال العينَيْن وذبول النّفس، وتكون حياتك معلّقة قدّامك وتَرتعب ليلاً ونهاراً، ولا تأمن على حياتك. في الصّباح تقول يا ليته مساء وفي المساء تقول يا ليته الصّباح، من ارتعاب قلبك تَرتعب ومن منظر عينيْك التي تَنظر» (التثنية 28: 65-68). ولكنْ، على الرّغم من هذا الجوّ القاتم - وبعدما تقلَّصت ثقةُ النّاس في أمراء الحرب، وفي المُترَفين، وفي الغوغائيّين، وفي مدّعي الحلول السحريّة - لا يعدم في الناس إصغاءهم إلى أصواتِ الرّشاد المتأتّية من عوالم الثقافة، وكأنّها رصيدُ الثّقة المتبقّي في ظلّ الاضْطرابات العاتية.

ما يَسري على المُدن يَسري على البشر

والمُلاحَظ أنّ بثقافةٍ مُهترِئة لا يُمكن تضميد كدماتِ مُدنٍ جريحة، إذ يسري على المُدن ما يسري على البَشر فرادى وزرافات. فقد تبدو المُدن عرضةً لأزماتٍ مستفحِلة وأمراضٍ مستعصِية، كما هو الشأن بالنسبة إلى البشر. لأنّ المُدن الجريحة تَبحث عن أبجديّةٍ جديدة، وخطابٍ مُغاير، يقطَعان مع اللّغة الجوفاء والمفاهيم الخاوية اللّتَيْن طالما هَتكتا نسيجَ الاجتماع. ولأنّ المُدن أساسها قائم على البَشر وليس على الحَجَر، فهي تَبحث دائماً عن استعادة عافيتها من خلال رؤىً صادقة لا وعود زائفة.

إذ للبَشر قدرات هائلة في إخراج المُدن ممّا يتهدّدها من حالاتِ الموات والاندثار. وفي الشرق أم في الغرب، وقديماً أم حديثاً، أُحرِقت مُدنٌ وهُدَّت مساكن على رؤوس ساكنيها، ولكنّها ما فتئت أن نهضتْ وعادتْ زاهية عامرة. قرطاجة القديمة وبرلين الحديثة، مدينتان شاهدتان على تلك الفواجع، وعلى قساوة ذلك الهول، وعلى ذلك الجنون الذي يَفْتَكُ بالمُدن والبشر، ولكن دبّت فيهما الحياة مجدّداً لأنّ إرادة الناس لم تُكسر. وقد يَبني الناس ما هو أفضل من السابق حين يعود الرشد ويتراجَع الصلف وتحضر الحكمة، بيْدَ أنّ المُدن تندثر وتَقع فريسةَ الخراب حين تتحطّم إرادةُ الناس.

وحتّى لا يأخذنا الحديث عن وعود الثقافة بعيداً نحو آفاقٍ مُجرَّدة، نُشدِّد على أنّ الثقافة ليست مقولاتٍ جامدة، قائمة على صياغات معقَّدة ولغةٍ مجرَّدة، يفْقه أبجديّتها مَن أوتوا حظّاً عظيماً من الدراسة والتعلُّم، كما يتصوّر البعض؛ وليست بالمِثل مُنحصرةً في صياغاتٍ ناعمة فنيّة وأدبيّة، كما يُعبِّر عنها كتّابُ الرواية وصنّاعُ الفنون بأصنافها في حقبتنا الرّاهنة. فليس من حظّ المُهاجِر المغاربي نحو إيطاليا نصيبٌ وافر من ذلك. فمنذ عقود أرصدُ فحوى ثقافة المُهاجرين ودلالاتها، الوافدين من أقطارٍ عربيّة مُختلفة نحو إيطاليا، والسواد الأعظم منهم من الشغّالين والهائمين مِمّن أتوا إلى إيطاليا خِفافاً، وكانوا في بداية مشوارهم أقرب إلى المحرومين والجياع منه إلى المُترَفين والمَيسورين. لذلك لا تَربطهم روابط متينة بمفاهيم الثقافة التي تُصنِّعها النّخبة. ولَو أحصيتَ أعدادَ الطلّاب والشعراء والكتّاب والدّارسين والمُدرِّسين في أوساطهم لظفرتَ بالنّزر القليل، مع ذلك يلوح جليّاً كفاحُهم وإصرارُهم على إنماء رصيدهم، اللّغوي والحضاري والقِيَمي والروحي، والحرْص على توريثه لأبنائهم على أمل الظفر بمقامٍ كريم ولَو بَعد حين. تجري العمليّة تلك في وسطٍ غربيٍّ متطوّر، وطاردٍ أحياناً، وفي عالَمٍ رمزيّ يَحتدّ فيه الصراع بين عوالِم الثقافة الرمزيّة، مع ذلك يُسجِّل المُهاجِر الشريدُ فتوحاتٍ لافتة، وقدرةً بيّنة على إنماء مقدّرات رأسماله الرمزي، الذي يَعجز عنه أدعياء الحوار الحضاري والحوار الدّيني والتثاقُف والمُثاقفة من دهاقنة الإنتلجنسيا.

ولكن ما الدّرس الذي نستخلصه ممّا قد تُجابهه المُدن من مصاعب وممّا قد يصيب الحواضر من أدواء وعِلل؟ المُلاحَظ أنّ جدليّةَ الصلاح والفساد تتحكّم بمصائر المُدن، فكلّما اصطبغتِ المدينةُ بصبغةٍ فاضلة، بَدت معمّرة وزاهرة، وبالتالي ليس هناك أعمارٌ للمُدن، أي نهايات محتّمة، وإنّما هناك بداياتٌ متجدّدة.

(*) أستاذ من تونس - جامعة روما - إيطاليا

(يُنشر هذا المقال بالتزامن مع دورية «أفق» الإلكترونيّة الصادرة عن مؤسّسة الفكر العربيّ)

جريدة اللواء
اللواء جريدة لبنانية، يومية، سياسية،عربية. اللواء: جريدة لبنانية يومية سياسية تهتم بالشؤون العربية والإقليمية والدولية
جريدة اللواء
موقع كل يومموقع كل يوم

أخر اخبار لبنان:

7 ميزات تجعل أندرويد يتفوق على آيفون في المرونة والإنتاجية

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
8

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 2212 days old | 800,768 Lebanon News Articles | 12,684 Articles in Nov 2025 | 170 Articles Today | from 58 News Sources ~~ last update: 21 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


لايف ستايل