اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يحتاج لبنان لتحرك عربي ودولي وداخلي استثنائي حتى يمكن تحريك المياه السياسية الآسنة التي باتت تشكل مستنقعه الخطر.. وما هو مطروح حتى الآن لا يعدو كونه أكثر من دعوة للبناني كي يعوم في المستنقع الآسن أو بأحسن الأحوال أن يقفز عن صخرة الروشة كما يفعل يائس من حبه الخائب.
وفي خضم أن الأخبار لا تحمل جديداً؛ ربما ينفع في هذه اللحظة إجراء نوع من رياضة الذاكرة التي تسترجع محاولات حلول شجاعة كان تم طرحها في أوقات لبنانية عصيبة ماضية، ولكنها فشلت أو أن الخارج الذي طرحها عاد وفضل التراجع عنها..
.. أوائل عام ١٩٧٦ ولم تكن وقتها حكومة سليم الحص قد تشكلت، أخفى رئيس الجمهورية حينها الياس سركيس في جيبه أوراقاً هي نسخة طبق الأصل عن مضمون مذكرة مرسلة من الخارجية الأميركية إلى الخارجية الفرنسية حول الأزمة اللبنانية؛ وتضمنت هذه المذكرة الأميركية توجيهات واشنطن بخصوص كيفية الحل في لبنان كما تراه الخارجية الأميركية؛ والأهم كما تريده الولايات المتحدة الأميركية..
وجاء في تلك المذكرة التالي:
أول بند في المذكرة الأميركية يحث 'على ضرورة إنهاء مهمة الأمراء الذين يحكمون لبنان ويتحكمون به'. (تتهم المذكرة باريس بأنها تدلع هؤلاء الأمراء وتؤكد أن الحل في لبنان يكون من دونهم).
البند الثاني يرى أن من مصلحة الفلسطينيين (الطرف الذي كان لديه مشكلة مع الدولة اللبنانية حينها) اعتماد الحوار بدل العنف، لأن الحوار هو السبيل الوحيد الذي يحقق مطالبهم.
ثالث بند يرى وجوب أن تكون 'قوة الردع' هي 'جيش رئيس الجمهورية سركيس' (المقصود هنا القوة العربية التي شكلها العرب لاستعادة الأمن ووقف الحرب في لبنان)..
رابع بند يقول أن واشنطن فهمت أنه لا جيش للبنان قبل الاتفاق على 'الصيغة السياسية الوطنية'.
البند الخامس يقول الحل السياسي في لبنان يحب ان يكون داخلي، ولا دخل لا لأميركا ولا لأية جهة أخرى فيه. (طلبت واشنطن حينها أن يجد الزعماء اللبنانيون بأنفسهم بقيادة الرئيس سركيس الذي وصفته مذكرة الخارجية الاميركية بـ'الزعيم القائد' الصيغة التي تلاءم لبنان من دون أي تدخل خارجي).
ثمة ملاحظة هنا تلفت الانتباه وهي أن الخارجية الأميركية آنذاك، تطلق على رئيس جمهورية لبنان المنتخب ديموقراطياً لقب 'الزعيم القائد' وذلك على نحو ما كان يطلق حينها على الزعماء العرب المعينين في مناصبهم بفعل الانقلابات العسكرية أو التوريث، الخ.. وحينها قيل أن لبنان يحتاج للزعيم القائد الذي بيده كلمة الفصل، لأن ذلك يجعله نداً على طاولة التفاوض مع الزعماء القادة العرب الذين لا يتجرأ أحد على مجادلتهم داخل بلدهم!!
البند السادس يبدي تفهمه لتوجه العرب بعدم مساعدة لبنان إلا إذا ظهر أن لبنان الجديد هو غير لبنان السابق. (كان مطلب العرب حينها تخلي لبنان عن حكامه الذين يحبون الظهور والتظاهر والمظاهر ويتم استبدال هؤلاء بحكم وحكومة مؤلفة من مفكرين ومنتجين ومخططين).
البند السابع يشجع استمرار الدور العربي في لبنان كما جسدته قمة الرياض (المقصود هنا هي الاجتماع العربي السداسي الذي عقد بدعوة من الرياض لبحث حل الأزمة اللبنانية وضمت لبنان، السعودية، القاهرة، سورية، الكويت ومنظمة التحرير الفلسطينية). وقالت المذكرة إذا ظهر خلال المباحثات اللبنانية مشاكل طائفية شائكة فحينها تحال هذه المشاكل لبتها على اللجنة الرباعية العربية التي اتفق عليها في قمة الرياض (عقدت القمة في ت٢ ١٩٧٦).
ويالختام تبدي المذكرة حرصها على أمرين إثنين: ١- التسوية السلمية للأزمة اللبنانية، ٢- الحرص على مصير لبنان حاضراً ومستقبلاً (المقصود الحرص على وجود لبنان).
وهناك ملاحق تتعلق بتلك المراسلات التي جرت حينها بين الخارجيتين الأميركية والفرنسية بخصوص التشارك بالتفكير والعمل لحل الأزمة اللبنانية؛ وورد في هذه الملاحق الأفكار الرئيسة التالية التي يجدر التوقف عندها رغم أن عمر طرحها يعود للعام ١٩٧٦؛ ولكن كل الباحثين والسياسيين يدركون أن القرار الدولي هو ابن ذاكرة طويلة وليس وليد اللحظة:
ترد الخارجية الأميركية على طلب تطرحه زميلتها الفرنسية بالقول: لا تستطيع واشنطن أن تؤكد أنه لا غنى عن دور بيروت كعاصمة لبلد مستقل وكمركز في الشرق الأوسط.
تبدي الخارجية الأميركية استعداد أميركا للمساهمة مع فرنسا وأي فرقاء آخرين في مشاريع الإعمار والإنماء في لبنان.
إلى هنا أبرز عناوين مذكرة وزارة الخارجية الأميركية التي اعتبرها حينها الرئيس سركيس خارطة طريق دولية للحل في لبنان؛ فكلف سليم الحص بتشكيل حكومة منتجين ومخططين وحينها أخذت الحكومة الحصية صلاحيات استثنائية وبدأ العمل.. ولكن أيضاً – وكالعادة – بدأ التعثر؛ وحدث ما حدث كما يعلم الجميع..
رغم مرور كل هذا الوقت، ورغم تعثر تنفيذ هذه المذكرة الأميركية – بغض النظر عن الموقف منها سلباً أم إيجاباً – إلا أنه لا يزال من المهم العودة لقراءتها والتمعن بالأفكار التي وردت فيها خاصة وأنها صادرة عن واشنطن التي لا تزال بيدها الحل والربط…
.. إنها مجرد دعوة لممارسة نوع من تمرين الذاكرة؛ وذلك في وقت يتسم بالفراغ الخطر…