اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
حملات للتحريض على تسميمها أو إعدامها والحكومة تطلق برنامجاً لتلقيحها وعلاجها والبلديات تشكو الكلفة
أمام باب الصف تنتظر زوي انتهاء الفصل الدراسي الخاص بالأستاذ حسان، الذي اعتاد اصطحابها معه إلى المعهد. تلتزم زوي في أكثر الأحيان التعليمات، لكن حماستها تدفعها في بعض الأحيان إلى الانعتاق من الرباط والركض نحو الصف. يروي حسان سعدي كيف أسهم وجود زوي في تغيير نظرة عدد كبير من الطلاب إلى الكلاب وتربية الحيوانات الأليفة في المنزل، 'في بداية الدورة التعليمية كان بعض الطلاب يصابون بالرهاب، لكنهم اعتادوا مع الوقت على وجودها، ومن ثم انتقلوا في النهاية لتبني كلب أو قطة لتربيتها في منازلهم'.
تعد تجربة حسان إيجابية وملهمة في زمن تنتشر الأخبار عن حوادث متفرقة سببها انتشار الكلاب الضالة في الطرقات. يؤكد الشاب أن 'ثمة كثيراً من الإشاعات والقليل من الحقائق، لأن الكلاب حيوانات لطيفة وبريئة، ولا يمكن أن تعتدي على الإنسان إلا في حالات نادرة'، مشيراً إلى 'عدم جواز التحريض على قتل المئات من الكائنات البريئة بسبب حدث عابر'. من هنا يعتقد أن 'هناك حاجة إلى نشر الوعي بين الناس حول أهمية هذه الكائنات، وشراكتها مع البشر في الحفاظ على الأمان وحراسة وحماية الأحياء ومرافقة السكان في حياتهم اليومية'.
جهود شبابية
ترتفع الأصوات الداعية إلى الرفق بالحيوان، وراحت تنتشر في صفوف الشباب ثقافة 'تغذية الكلاب الشاردة في الأقل مرة واحدة في النهار'. ويلفت حسان إلى أنهم 'يحملون معهم علب اللحم والطعام، ويبادرون بإطعام الحيوانات الموجودة في الشارع من أجل تسكين جوعها وأحاسيسها'. ويتحدث عن جهود تبذلها جمعيات ومراكز متخصصة في لبنان لمعالجة ظاهرة الكلاب الشاردة ورعايتها، وبث الوعي المجتمعي لضرورة حمايتها، كل ضمن مجتمعه الصغير وحارته، منوهاً بمجابهة موجات التضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تستهدف مجتمع الكلاب، إذ 'يبادر الناشطون الرفقاء بمواجهة صاحب أي منشور على مواقع التواصل بالحقائق، وأحياناً ملاحقته قانونياً في حال ثبت أنه متورط في جرائم قتل أو تسميم جماعي كما حصل في بعض الحالات'.
لا تحظى جميع الكلاب بالرعاية الجيدة. في جولة ميدانية عاينت 'اندبندنت عربية' الحال السيئة للكلاب الشاردة، إذ يظهر على بعضها إصابات في الأطراف، وبتر، والتهابات شديدة، كذلك فإن بعضها الآخر أصابه الوهن بسبب سوء التغذية. في وزارة الزراعة تزداد الشكاوى من انتشار الكلاب في الأرجاء، ويقول مواطنون إنها بدأت بالدخول إلى حرم البنايات، والصعود على السلالم، وهو أمر يثير الخوف في قلوب السكان من احتمال تعرضهم لعضاتها، وإصابتهم بداء الكلب، ناهيك بتكرار هجمات الكلاب على المارة في أكثر من منطقة. هذا الواقع دفع الوزارة إلى التحرك من أجل علاج ملف الكلاب الشاردة.
يتحدث وزير الزراعة نزار الهاني لـ'اندبندنت عربية'، عن 'ظاهرة كبيرة على مستوى لبنان، على رغم عدم وجود إحصاء دقيق للأعداد حتى الساعة'، كاشفاً عن التحضير لإطلاق برنامج خاص بمعالجة هذا الملف الذي يختصر بالأحرف الأولى للإجراءات العلاجية الأربعة بالإنجليزية TVNR، وتبدأ بإمساك الكلاب وهو إجراء من شأنه إعطاء إحصاء لأعداد الكلاب الضالة ومن ثم تعقيمها جراحياً، وتالياً التلقيح ضد داء الكلب، وأخيراً إعادة إطلاقها وتحريرها لتعود إلى بيئتها الطبيعية.
يوضح الهاني 'بعد خضوع الكلب للعلاج، يقوم المتخصصون بوضع حلقة في أذن الكلب، أو رقاقة (شريحة) إلكترونية، ويمنح رقماً يوضع في سجل خاص بالكلاب والحيوانات الأليفة، الأمر الذي يتيح معرفة مكان وجوده وحالته، والعلاج الذي حصل عليه'.
يتمسك الهاني بأن الخطوات المتبعة ستعتمد الأصول العلمية، ولن تتعرض الكلاب للانتهاكات أو عمليات القتل. وسيتبع لبنان الأصول الدولية في هذا الشأن، إذ تقوم الفرق المختصة بعمليات التعقيم لجعل الحيوانات أكثر هدوءاً، وعدم التعدي على البشر. في المقابل، يمكن اتباع إجراءات خاصة بالكلاب الشرسة التي يمكن وضعها في مراكز مصونة لرعايتها.
جهد جماعي
يلفت وزير الزراعة اللبناني إلى تعاون بين وزارة الزراعة ونقابة الأطباء البيطريين الذين يقدمون خدماتهم مجاناً ضمن محيط عملهم وإقامتهم، إضافة إلى البلديات، حيث يضطلعون بمهمة إمساك الكلاب وإعادتها إلى مواطنها بعد معالجتها في العيادات، ناهيك بالتعاون مع الجمعيات الأهلية، ويقع على عاتق هؤلاء مهمة إنجاز البرنامج ومعالجة أكبر عدد من كلاب الشوارع.
ورداً على سؤال حول التمويل، يجيب الهاني 'سنعتمد على بعض الهبات التي تتلقاها وزارة الزراعة، والتي تغطي اللقاحات وحلقات الأذن، كما سيضع الأطباء خبراتهم وعملهم في خدمة الوزارة، وهي جزء من المساعدات العينية للبرنامج'، معبراً عن أمله بحصول البرنامج على مزيد من التمويل والتبرعات لعلاج الكلاب المشردة في كل المناطق اللبنانية.
يعبر نزار الهاني عن ارتياحه لتنفيذ البرنامج، فـ'خلال شهرين، تمكنت الوزارة من معالجة المئات من الكلاب، وهو سعي جنباً إلى جنب مع الجمعيات التي تؤمن المأوى لآلاف الكلاب'.
البلديات وأزمة التمويل
يتسع نطاق أزمة الكلاب الشاردة في لبنان، فخلال الأعوام القليلة الماضية، واجهت البلديات عقبات كبيرة بسبب العجز المالي وانهيار قيمة العملة الوطنية. وفي أعقاب الانتخابات البلدية الأخيرة في مايو (أيار) الماضي، فرض الملف نفسه على جدول أعمال البلديات. يرحب رئيس اتحاد بلديات الفيحاء المهندس وائل زمرلي بالمشروع الذي طرحته وزارة الزراعة في الخطة الوطنية لمكافحة داء الكلب والتعامل مع ظاهرة الكلاب الشاردة. وفي الموازاة، يتطرق إلى الجهود المبذولة من قبل البلديات، متحدثاً عن 'مشروع عالي الكلفة سواء على مستوى التعقيم (الإخصاء) أو تأمين مساحات إيواء للكلاب في المناطق، وتأمين الغذاء واللقاحات، وهو غير متيسر حالياً'.
يلفت زمرلي إلى أن 'الكلاب تحتاج إلى مساحة للحركة، ولا يمكن ضغطها في مساحة ضيقة لأن ذلك يولد نتائج عكسية، فكل كلب يحتاج إلى مساحة 10 أمتار مربعة'، موضحاً أن 'ثمة تعاوناً مع جمعيات متخصصة لمعالجة ملف الكلاب، وتخفيف الأعداد الموجودة في الشوارع وتلقيحهم، إلا أن الزيادة الكبيرة في أعدادها والولادات تفرض إجراءات جذرية'.
تراجع ثقافة التبني
على رغم كل الإجراءات المقترحة، يفضل الناشطون الحفاظ على الكلاب في بيئتها الطبيعية، ويشير الناشط كريم صابونة إلى أنه 'لا بد من أن نقتنع بأن الكلاب ليست مؤذية بطبيعتها، وتتخذ ردود أفعال دفاعية في كثير من الأحيان، حيث تتعرض للضرب، أو الصدم، أو إطلاق النار عليها في حال قامت بالعواء ليلاً، ويصل الأمر ببعضهم إلى درجة التسميم وارتكاب جريمة قتل روح بريئة'.
يعبر صابونة عن قناعته الشخصية، فيقول 'الكلاب هي جزء من الطبيعة القائمة، والإنسان هو من يتعدى عليها وعلى بيئتها بفعل الانتشار العمراني'.
كذلك لاحظ الناشطون تأثير الأزمة في ثقافة الاقتناء من جهة، وتشويه ظاهرة تبني الكلاب وتربيتها بسبب التقليد. يأسف صابونة لأنه 'في السابق، كنا نلتقي بكلاب الشارع العادية، أما راهناً فقد بدأنا نجد كلاباً من فئات نادرة مثل الهاسكي، والجيرمن، التي يبقى أصحابها مجهولي الهوية والإقامة'، ويلاحظ أن 'بعض الناس يشتري الكلب كأداة للزينة، وبعد مرور أسبوع أو اثين يجد أن هناك مسؤوليات كبيرة واقعة على عاتق المالك المربي'. من هنا، يطالب صابونة باعتماد أسلوب التوعية، وأن يمتنع أصحاب المحلات عن بيع الحيوانات إلا بعد التأكد من أهلية الشاري وقدرته على الرعاية والتربية، كذلك يدعو إلى عدم ترك الكلاب والتخلي عنها في الشارع، وإنما عرضها للتبني أو وضعها في مراكز الإيواء الخاصة بها'.