اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
في زمن تتكاثر فيه الحروب وتتباعد فيه القلوب يجيء كتاب «الأوديسة الأفريقية لمهاجر لبناني»، هو الصيدلي حبيب علي جعفر إبن بلدة جويا الجنوبية، كرسالة محبة إنسانية تحمل بين طياتها عبق الحضارة الأفريقية وروحها العميقة، بعيدا عن الصورة النمطية التي كثيرا ما ارتبطت بأفريقيا في وعي الغالبية من شعبنا اللبناني العربي.
الدكتور الصيدلي حبيب جعفر خريج جامعة « هيوستن/ قسم الصيدلة» والمثقف اللبناني المقيم في نيجيريا والمولود فيها، أجبرته الأحداث اللبنانية على المغادرة مجدّدا من لبنان باتجاه وطنه الثاني نيجيريا، التي ربطته بها أواصر المحبة والصداقة مع ناسها ومسؤوليها، بحيث أنه لم يكتفِ بممارسة مهنته العلمية والتجارية، بل ارتقى إلى فضاء إنساني أرحب، تحوّلت علاقته بالطلاب والباحثين الأفارقة إلى صداقة ومعرفة، فأصبح شاهدا ومشاركا في مسيرة بعضهم ممن بلغوا مراتب علمية عالية وعالمية يُشار لها بالبنان، وحازوا أرفع الجوائز، من بينهم من نال جائزة نوبل هو البروفسور «وولي سوينكا».
هذا الكتاب، الذي صدر باللغة الإنكليزية ومن ثم قامت بترجمته إلى العربية شقيقة المؤلف ناهد جعفر، وهي أستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت، جعلنا نطّلع على مسيرة شاب لبناني جنوبي، أستطاع عبر فكره المتنوّر وثقافته المعمّقة، واستنادا إلى ما أسّسه الوالد علي حبيب جعفر، من أن يؤسّس ما تحتاجه نيجيريا من مصانع تفيد الشعب النيجري.
هذا الكتاب يبني جسرا من التقدير والتواصل، ويعيد إلينا أفريقيا التي لا نعرفها جيدا، ألا وهي أفريقيا الفكر والثقافة والأدب والنضال والوجدان. أفريقيا التي ظهر فيها أشهر سجين في العالم هو نلسون مانديلا، وأعظم امبراطور هيلاسلاسي وباتريس لومبوبا والرئيس نكروما وغيرهم من الشباب الأفريقي المتعلّم المتنوّر، الذي نادى باستقلال وطنه عن الدول الاستعمارية وأهمها الدول الاستعمارية في أفريقيا: فرنسا وبريطانيا وبلجيكا.
قراءة هذا الكتاب ليست مجرد إطّلاع على سيرة ذاتية وتجربة فرد، بل هي دعوة إلى إعادة النظر في خرائط الثقافة والانفتاح على الآخر من موقع الاحترام المتبادل والتشارك الإنساني العميق.
فكل تحياتي وتقديري للكاتب المغترب علي حبيب جعفر الذي عبر المحيطات لا ليحكي عن ذاته وأعماله الإنسانية ونجاحه في دنيا الأعمال التجارية، بل ليحمل لنا من قلب التجربة نبض قارة عظيمة هي أفريقيا، تستحق أن تصغي إلى صوتها الحقيقي، وليسلّط الضوء على الإنسان النيجيري المتعلّم والمثقّف، بحيث أنه أشار إلى مخزونه العلمي والثقافي، وأنه قارئ للأدب اللبناني والمهجري والعالمي، بحيث أنه قرأ جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين معلوف، إضافة إلى متابعته مسيرة شارل مالك في الأمم المتحدة كما قرأ باسترناك في «دكتور زيفاكو» والأدب الروسي والغربي، فكانت الثقافة ملازمة للتجارة في جعبته، ولهذا تطورت تجارته وأصبح له المكان الأرحب بين رجال الدولة ورجال المال النيجيريين، لأنه تعامل معهم بروح معطاءة تركّز على إنسانية الإنسان واحترامه، فأشركهم معه في عمله، وباتوا يؤدّون الخدمة له وللمؤسسة التي مارس فيها أفكاره المحمّلة بإنصاف العمال وإعطائهم الحقوق المتوجبة بعيدا عن استغلالهم، لهذا كسب ثقة الجميع.
يقول حبيب جعفر في كتابه عن صديقه البروفسور «وولي سوينكا» الحائز جائزة نوبل في الأدب: «أنا مدين بامتنان كبير وسخاء للبروفسور سوينكا الذي خصص بلطف وسخاء وقتا من جدول أعماله المزدحم لغاية قراءة مخطوط هذا الكتاب».
حبيب جعفر ، أرفع تهاني لك على هذا الكتاب المكتنز بسيرة ذاتية لم تنسَ أفريقيا ورجالاتها العظام، حيث كان الظن أنه لا يوجد في أفريقيا سوى التجارة فإذا بي أفاجأ بالجامعات والمدارس والمصارف العديدة وكل ما يتطلبه الشعب من مقومات العيش بأمان. لهذا ما زلت أذكر ما قاله لك العالم سوينكا عن اللبنانيين: «... إن الرجل الأفريقي العادي في الشارع لم يكن يعرف أن هناك أمة أسمها لبنان».
إن مثال هذا الوطن في المهاجر الأفريقية هم أمثالك يا سيد حبيب، فأنت بعلمك المتمكّن وثقافتك المعمّقة شرّفت وطنك لبنان، وكشفت لنا ثقافة أفريقيا الغنية برجالاتها العظام. فشكرا لك على هذه الأوديسة الشاملة التي عرّفتنا بها عن عظمة أفريقيا وعلى الأخص وطنك الثاني نيجيريا الذي أخلصت له إخلاصك لوطنك الأم لبنان.
بك نفتخر. وبك تعلو مقامات المهاجرين اللبنانيين.
* رئيسة ديوان أهل القلم