اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٣ أيلول ٢٠٢٥
يعجز اللسان عن وصف تلك الآفات التي تستدرج الإنسان للذوبان في دهاليز هذه الحياة، حيث يُقلب الحق باطلًا، ويُزيف الصواب حتى يصير فاسدًا. أما المؤمن الحقيقي، فيدرك أن الله محبة، لا يحابي الوجوه، وقد يكون كلامه قاسيًا حينًا، لكنه لا ينطق إلا بالحق، لأنه يعرف الحق، والحق يحرره.
من باب التوصيف لا الإدانة، كثيرون ينزلقون إلى الخطيئة، فيستطيبونها، لا سيما أولئك الذين يعيشون في وهم التقوى، المتظاهرين فيها والمتشامخين بعبادتهم الظاهرة، المغالين في آرائهم. هؤلاء هم المراؤون، الذين شبّههم السيد المسيح بالقبور المبيّضة، حين قال:وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً، تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ (متى 23: 27).
قبور براقة من الخارج، لكنها تحمل في أعماقها عظامًا وروائح موت وفساد، تمامًا كما قلوبهم، التي تُظهر تقوى كاذبة، فيما تخفي شرًا عظيمًا وسلوكًا منحرفًا.
الرياء مرضٌ يُظهر الإنسان بصورة تخالف حقيقته، وكلمة رياء في أصلها اليوناني تعني ممثل — أي من يؤدي دورًا مزيفًا، لفترة مؤقتة، محاولًا إقناع الناس بصدق ما يقول ويفعل. والعالم اليوم يعجّ بالممثلين، أولئك الذين أسماهم الرب يسوع بـالمرائين.
المرائي هو من يصلي ليُرى، يتصدق ليُمتدح، يتكلم بتقوى ليُعجب الناس، يشتري ما غلا ثمنه، ويلبس ما فخم مظهره... فقط ليقال عنه كذا وكذا. هدفه الوحيد أن ينال مديح الناس، ولو كان على حساب صدقه مع الله. يبدون كالحملان الطائعة، ولكن في قلوبهم خبث الذئاب. أولئك يُغضبون الله، ولن يفلتوا من عدله، لأن الروح القدس لا يسكن في قلوبهم، بل يرفضهم ويقاطعهم.
الرياء لا ينبع من فراغ، بل يتجلى عند أصحاب المصالح، الوصوليين الذين يأتون كالحملان، فيما يُضمرون الشر في قلوبهم. كلامهم معسول، وألسنتهم تقطر نعومة، لكنهم يحملون في دواخلهم سُمّ الأفاعي، وحقدًا دفينًا.
المراؤون لا يتوقفون عن استغلال الطيبين، يطرقون أبوابهم نهارًا وليلًا، يستغلون محبتهم لتحقيق مآربهم، ويقودونهم إلى مواضع لا يُحسدون عليها. وكثيرًا ما نقع نحن الكهنة في فخاخهم، بحكم دورنا الأبوي الذي يدعونا إلى احتضان الجميع. يأتوننا بأقنعة التقوى وكلام المنطق، وما إن يُديروا ظهورهم حتى يُخرجوا من أفواههم كلامًا مشبعًا بالسمّ والظلمة.
ومع ذلك، لا خوف على الطيبين المحبين، الذين لا تُغريهم أمجاد هذا العالم، ولا يخلعون عن أنفسهم رداء التقوى الحقيقية. فالله يراهم، ويحفظهم بصليبه من شرور المرائين، ويظلّلهم بملاك من نوره، يقيهم كل سهم وظلمة.
فيا أصحاب القلوب الطاهرة، لا تخافوا من المرائين، ولا تشبّهوهم في شيء. صلّوا من أجلهم، واثبتوا في الحق، لأن الله لا يترك الأمناء له فريسة في يد المزيفين. فالنور لا يخشى ظلمة، ومن اتكل على الرب، فله ملجأ أمين في وجه كل رياء.