اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٣ أيلول ٢٠٢٥
لم تعد المجازر الإسرائيلية اليومية في غزة مجرد جرائم حرب موثّقة بالصوت والصورة، بل تحوّلت إلى فضيحة أخلاقية وسياسية تهزّ العالم، وتدفع دولاً كبرى وصغرى إلى الاعتراف بدولة فلسطين كخطوة عملية لمواجهة الاحتلال الدموي.
توالي هذه الاعترافات لم يعد شأناً رمزياً، بل إعلاناً صريحاً عن رفض المجتمع الدولي لمخططات إسرائيل في الإبادة والاقتلاع، وللسياسة الأميركية المتواطئة التي تغطي الجرائم وتعطل أي تحرك في مجلس الأمن.
إسرائيل اليوم، ومعها الولايات المتحدة، تقفان عاريتين أمام الرأي العام العالمي. فصور الدمار والجثث في غزة نسفت كل دعايات «الدفاع عن النفس»، وحوّلت إسرائيل من «دولة مدعومة» إلى «دولة مارقة»، تعيش على القوة العارية وترفض أي حل سياسي. أما واشنطن، فهي تتحمل المسؤولية الكاملة عن استمرار حرب الإبادة للبشر والحجر، لأنها لم تكتفِ بحماية إسرائيل دبلوماسياً، بل زوّدتها بالسلاح والذخائر لتواصل المجازر.
في هذا المناخ المشحون، يبرز مؤتمر «حل الدولتين» الذي دعا إليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في نيويورك كمنعطف سياسي مفصلي. المؤتمر لا يقتصر على إعادة طرح القضية الفلسطينية، بل يهدف إلى فرض معادلة جديدة تحاصر ترامب ونتنياهو معاً: الاعتراف الدولي بدولة فلسطين كأمر واقع، وإطلاق مسار سياسي بضمانات دولية لا تستطيع تل أبيب الالتفاف عليها.
السعودية وفرنسا تدركان أن الوقت لم يعد يحتمل بيانات الشجب، وأن الصمت الدولي يعني منح إسرائيل تفويضاً بسفك المزيد من الدماء. لذلك، يشكل المؤتمر محاولة لتجميع إرادة عالمية تقطع مع سياسة الابتزاز الأميركية والإسرائيلية، وتفتح الباب أمام قرارات ملزمة، قد ترقى إلى فرض عقوبات على دولة الاحتلال إذا استمرت في رفضها لجهود السلام وحل الدولتين.
الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين، ولا سيما من دول أوروبية كانت لعقود حليفة لإسرائيل، تمثل انقلاباً في موازين الشرعية الدولية. إنها رسالة واضحة: لم يعد بالإمكان التستر على جرائم الإبادة، ولم يعد مسموحاً لواشنطن أن تفرض فيتو أبدياً على حق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال.
إسرائيل اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانخراط في حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية، أو الانزلاق نحو عزلة غير مسبوقة قد تشمل مقاطعة اقتصادية وسياسية على غرار ما واجه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. أما الولايات المتحدة، فإن استمرارها في حماية الاحتلال سيضعف صورتها كقوة عظمى، ويجعلها شريكة مُدانة في جريمة العصر.
لقد آن الأوان لأن يدرك العالم أن الاعتراف بفلسطين لم يعد ترفاً سياسياً، بل ضرورة عاجلة لوقف حرب الإقتلاع والإبادة للشعب الفلسطيني، وإعادة الاعتبار للقانون الدولي المهدور تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية وتواطؤ البيت الأبيض.