اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٢٥ أذار ٢٠٢٥
من الواضح أن كريم سعيد، على الرغم من خبرته الطويلة في قطاع المصارف، يمثل لحظة تضارب مصالح مع منصب حاكم مصرف لبنان بسبب علاقته بميقاتي ونيركيزيان وغيرهما في السلطة. وبذلك، يبدو الإصرار عليه ليس من باب الكفاءة، إنما من باب استكمال عقلية توظيف 'الأصدقاء' نفسها.
يبدو أن اسم حاكم مصرف لبنان الجديد قد حُسم. أكثر من مصدر أكد لـ'درج' أن كريم سعيد سيفوز بالمنصب. وحده رئيس الحكومة نواف سلام تحفّظ على التعيين، بينما زكّاه كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ونحو 15 وزيراً، بالإضافة إلى المصارف التي صار واضحاً أن سعيد مرشحها.
لكنْ، هناك أيضاً آخرون وراء كريم سعيد، إذ ظهر اسم نجيب ميقاتي بين الشركات التي يملكها سعيد، ما يطرح علامات استفهام حول تضارب في المصالح خلف التعيين المرجح والوشيك.
كريم سعيد هو المؤسس والشريك الإداري لشركة GrowthGate Partners، وهي شركة يضم مجلس إدارتها كل من ماهر نجيب ميقاتي وفاروج نيركيزيان الذي يشغل منصب مدير مستقل.
ويُنقل أنّ المصرفي أنطون صحناوي سعى لوصول سعيد إلى منصب حاكم مصرف لبنان، إلّا أنّ صحناوي ليس الشخصية الوحيدة الداعمة لسعيد. فهناك علاقة وطيدة تجمع الأخير برئيس حكومة لبنان السابق وأحد أغنى رجال الأعمال في لبنان، نجيب ميقاتي.
هناك مستويات عدة للعلاقة بين عائلة ميقاتي وسعيد. فكريم سعيد قاد بيع أسهم شركة Investcom Holding عام 2005 بقيمة 741 مليون دولار، في أكبر طرح عام أولي دولي لشركة من الشرق الأوسط في ذلك الوقت، مع إدراج مزدوج في بورصتي لندن ودبي، بحسب موقع Middle East Transparent.
علماً أنّ Investcom Holding هي الشركة التي أسسّها وكان يملكها الأخوان طه وماهر ميقاتي. من خلال Investcom Holding، هما متلكان 4 في المئة من الأسهم في LBCI وموقع الأخبار Lebanon24، بحسب موقع Media Ownership Monitor.
كانت واضحة الحماسة الاستثنائية التي أبدتها المصارف تجاه سعيد عبر تزخيم حملات في وسائل الإعلام القريبة منها لدعمه. إذ لا يُخفى على أحد المعركة الطاحنة التي تدور في الأروقة السياسية حول منصب حاكم مصرف لبنان الجديد، المنصب الذي احتلهّ الحاكم السابق، رياض سلامة، لأكثر من ربع قرن.
الأزمة المصرفية والمالية التي أرهقت لبنان خلال السنوات الخمس الماضية، لم تكن يوماً وليدة اللحظة بل نتيجة سنوات لا بل حتى عقود من سياسات الحاكم والطبقة السياسية التي دعمته طيلة هذه السنوات، وسياسة 'التنفيعات' بين حاكم مصرف لبنان وكبار السياسيين والمصرفيين ورجال الأعمال في لبنان.
والحملة التي تواجهها جمعيّة 'كلّنا إرادة' وموقعا 'درج' و'ميغافون' ليست إلّا أداة ضغط وإلهاء عن القضية الأساسية التي تشغل بال المصرفيين والمنظومة السياسية التقليدية: حاكمية مصرف لبنان.
بناءً على تجربتنا السابقة كلبنانيين، بات من المرعب أن نرى إجماع جهات نافذة عدّة من المنظومة بهذا الحجم على دعم مرشّح مشترك لمنصب حاكم مصرف لبنان. المرشّح هو: كريم سعيد. لماذا هذا 'الاستقتال' لوصوله؟ ويبدو أن المصارف نجحت بتأمين وصول مرشّحها إلى الحاكمية.
بالإضافة إلى ميقاتي، الداعم الأساسي الثاني لسعيد هو مستشار رئيس الجمهورية للشؤون المالية: فاروج نيركيزيان، ودعمه هذا ليس من فراغ أيضاً، فهو على ارتباط وثيق بسعيد.
نيركيزيان هو رئيس مجلس إدارة والمدير العام لبنك الإمارات ولبنان، والذي كان من بين أعضاء مجلس إدارته كريم سعيد، الذي استقال في تمّوز/ يوليو 2024، وقُبلت استقالته وفقًا للإجراءات العادية. وهذا يطرح علامات استفهام على توقيت هذه الاستقالة وسببها.
'ليست تلك التقاطعات أسوأ ما في سيرة سعيد، إذ تنظر إليه المصارف كصديق ومدافع عن مصالحها، وهو 'عرّاب خطة هارفارد'، فالشركة التي يشغل فيها سعيد منصب رئيس مجلس إدارة Growthgate Capital كانت قد موّلت وضع خطة لحل الأزمة الاقتصادية في لبنان عُرفت بـ'خطة هارفارد'. وليس سرّاً أن الخطة تدعو الى تحويل الودائع كافة إلى ديون على الدولة بشكل كامل، وهذا يُعد حلماً بالنسبة إلى المصارف الساعية الى التملّص من أي مسؤولية في الأزمة'، بحسب جريدة المدن.
إذاً، من الواضح أن سعيد، على الرغم من خبرته الطويلة في قطاع المصارف، يمثل لحظة تضارب مصالح مع المنصب بسبب علاقته بميقاتي ونيركيزيان وغيرهما في السلطة. وبذلك، يبدو الإصرار عليه ليس من باب الكفاءة، إنما من باب استكمال عقلية توظيف 'الأصدقاء' نفسها.
لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ ميقاتي والمنظومة السياسية التقليدية التي يمثّلها في لبنان يشعران بالقلق من منصب الحاكمية بشكل خاص، وذلك لما يمكّنه من: إمّا إخفاء فظائع عصر رياض سلامة أو تحقيق المحاسبة الحقيقية في كل قضايا وشبهات الفساد التي استفحلت في مصرف لبنان وعلاقات رياض سلامة برجال المنظومة.
يُعتبر هذا القلق ناتجاً من التحقيقات الجارية ضدّ ميقاتي نفسه، إذ يواجه اتهامات بالفساد المالي، بما في ذلك غسيل الأموال. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أنّ تعيين حاكم مصرف جديد قد يؤثر على التحقيقات الجارية في ملف شخصيات سياسية في لبنان، ما قد يؤدي إلى محاسبة حقيقية لمن يُتّهم بالفساد.