اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٢٥ شباط ٢٠٢٥
في البلدان التي يكون فيها الشعب هو مصدر السلطات فعلياً – وليس صورياً كما هو الحال عندنا – تصبح المحاسبة ركناً من أركان السياسة العامة، ومصدراً من مصادر الإصلاح والتغيير، سواء داخل الأحزاب نفسها، أو على المستوى الوطني العام.
أما في بلداننا والمحيط الذي ننتمي إليه، حيث يُنظر إلى الشعب من قِبل حكَّامه ومسؤوليه – والشعب هنا، ليس بريئاً تماماً من سبب هذه النظرة – على أنه 'قطيع' واحد، أو على الأكثر مجموعة من 'القطعان' المختلفة دينياً أو عرقياً أو حتى مذهبياً – كما هو الحال في لبنان – تتحول المحاسبة – إن وجدت – إلى فرصة للتخلص من الخصوم و'الرفاق' على حد سواء، أو إلى محاسبة كل قطيع للقطيع الآخر، ورمي التهم عليه حتى ولو كانت غير منطقية ولا معقولة، في محاولة من كل قطيع لإبعاد الشبهة عن زعيمه الأوحد وقائده المفدى.
في لبنان – تتحول المحاسبة – إن وجدت – إلى فرصة للتخلص من الخصوم و'الرفاق' على حد سواء، أو إلى محاسبة كل قطيع للقطيع الآخر
في 'بلاد' العدو – إسرائيل – حدثت مثلاً تحقيقات، أدت إلى محاسبة المسؤولين عن 'الهزيمة' في أعقاب حرب 'الغفران' في العام 1973، مع كل من مصر وسوريا، التي تمت بدعم عربي، وكذلك في أعقاب حرب 2006 مع 'حزب الله' التي تمت بدعم إيراني، وهو ما ساهم بكشف الثغرات، التي إعترت ممارسة الجيش الصهيوني لمهامه، ما سمح له بتفاديها لاحقاً، خاصة في حروبه التالية ضد لبنان – بإعتبار أن حرب 1973 كانت آخر الحروب العربية معه – وبالأخص حربه الأخيرة، التي خلفت لنا نكبة كبرى لا ينكرها، إلا كل مكابر أو جاهل، فماذا حدث عندنا بالمقابل سواء عربياً أم لبنانياً؟
بعد النكبة جاءت حرب حزيران عام 1967، التي خسر فيها العرب المزيد من الأراضي في ثلاث دول عربية في غضون ستة أيام، وكانت أولى خطوات ' المحاسبة المحسوبة ' – إذا صح التعبير – هو الكذب على الشعوب وتزييف الحقيقة والوعي، عبر تحويل الهزيمة المدوية إلى مجرد 'نكسة'
كانت البداية مع حرب النكبة في العام 1948، كان رد الفعل العربي عليها هو أن عادت الجيوش المهزومة إلى عواصمها لتنقض على السلطة، بذريعة الفساد وسوء التخطيط وإدارة الحرب، وبهدف العمل على الإصلاح وتحرير فلسطين، عبر شعار 'لا صوت يعلو فوق صوت المعركة' وإعادتها إلى أهلها، الذين كانوا قد وُعدوا بأن الخروج منها لن يطول سوى لأسابيع، أو ربما لأشهر على الأكثر، ليتمسك كل منهم بمفاتيح منزله – وبعضهم لا يزال يحملها حتى اليوم – وهي أسباب تبين لاحقاً بأنها من نوع الحق الذي يراد به باطلاً، وهو هنا السلطة المطلقة وقمع الشعوب، عبر تعليبها في إطار سياسي وسلطوي واحد، لتنقلب الأمور بعدها إلى سلسلة من الإنقلابات والحروب الأهلية العربية البينية، ودائماً بإسم القضية فلسطين والدفاع عنها والعمل على تحريرها.
في سوريا كذلك، أُستغلت الهزيمة في الصراع داخل حزب البعث بين 'الأخوة الأعداء' عبر حركة 'تصحيحية' قادها وزير الدفاع حافظ الأسد، وهو المسؤول الأبرز إن لم يكن الأول عن الهزيمة
بعد النكبة جاءت حرب حزيران عام 1967، التي خسر فيها العرب المزيد من الأراضي في ثلاث دول عربية في غضون ستة أيام، وكانت أولى خطوات ' المحاسبة المحسوبة ' – إذا صح التعبير – هو الكذب على الشعوب وتزييف الحقيقة والوعي، عبر تحويل الهزيمة المدوية إلى مجرد 'نكسة'، تبعتها محاولة أولى وأخيرة في العالم العربي، لتحمُّل المسؤولية عبر 'إستقالة' الزعيم جمال عبد الناصر في التاسع من حزيران 'يونيو'، في ما سمي 'خطاب التنحي' – بغض النظر عن إتهامات البعض، بأنها إستقالة مفبركة، وهي إتهامات لم تثبت صحتها – التي رفضتها الجماهير بالنزول إلى الشوارع بهتافات ' حنحارب.. حنحارب '، فكانت العودة وبداية الإصلاح وإعادة البناء، عن طريق تنقية الجيش المصري – ولو متأخراً – من الفاسدين وتطهيره من مراكز القوى، التي كانت تحيط بقائده السابق عبد الحكيم عامر، وهي محاولات إنتهت بموت عبد الناصر على أية حال.
إقرأ أيضا: حزب الله.. الأيديولوجيا والمال
في سوريا كذلك، أُستغلت الهزيمة في الصراع داخل حزب البعث بين 'الأخوة الأعداء' عبر حركة 'تصحيحية' قادها وزير الدفاع حافظ الأسد، وهو المسؤول الأبرز إن لم يكن الأول عن الهزيمة – كما يفترض – ضد رفاقه في الحزب ليودعهم السجون، وينفرد بالسلطة والحزب، بحيث تحول النظام بعدها إلى طائفي ومن ثم عائلي دام أكثر من نصف قرن.
في لبنان، فقد إستغل 'حزب الله' نتيجة الحرب، لينقض يومها على الداخل اللبناني، من دون أي مراجعة لمواقفه السابقة
في لبنان جاءت حرب 2006، بين 'حزب الله' وإسرائيل بعد إنجاز التحرير عام 2000، وهو الأول لأرض عربية، عن طريق المقاومة المسلحة التي كانت بدأت في 16 أيلول 1982، وذلك على خلفية بروز قضية 'مزارع شبعا' التي كانت أُحتلت عام 1967، وهي تحت السيادة السورية، من ضمن 'وحدة المسار والمصير'، التي تلطى وراءها النظام الأسدي، لتشريع بقاء المقاومة في الجنوب، هذه الوحدة التي إمتدت بعدها لتصل حتى طهران، وتصبح نواة محور ممانعة لكل مشاريع التسوية في المنطقة، التي لا تلبي مصالحه، وهو ما أعاد لبنان إلى قلب الصراع المباشر، مكبلاً بالقرار الدولي 1701، الذي أُعتبر يومها 'نصراً إلهياً' وهزيمة لإسرائيل، لمجرد أن 'حزب الله' حافظ على كينونته.
إقرأ أيضا: «الحزب» بين احداث المطار والطائرة الايرانية..والمعارضة الشيعية!
في إسرائيل شُكلت بعد الحرب لجنة 'فينوغراد' للتحقيق، في ما وصف الإخفاقات العسكرية، جراء وصول صواريخ 'حزب الله' إلى الداخل الإسرائيلي، وذلك تحت ضغط الشارع الإسرائيلي، الذي أعتبر أيضاً بأن رئيس الوزراء إيهود أولمرت، قد تسرع بإتخاذ قرار الحرب، الأمر الذي ساعد 'حزب الله' على تسويق 'إنتصاره' وهزيمته لإسرائيل أمام بيئته، كما أمام الرأي العام العربي، إعتماداً على طريقة تفكير 'العقل العربي'، بالرغم من الخسائر التي مُنيَ بها لبنان وشعبه، من ضحايا ودمار فاق الوصف.
في إسرائيل شُكلت بعد الحرب لجنة 'فينوغراد' للتحقيق، في ما وصف الإخفاقات العسكرية، جراء وصول صواريخ 'حزب الله' إلى الداخل الإسرائيلي
أما في لبنان، فقد إستغل 'حزب الله' نتيجة الحرب، لينقض يومها على الداخل اللبناني، من دون أي مراجعة لمواقفه السابقة، بالرغم من إعتراف أمينه العام الراحل السيد حسن نصر الله يومها، بأنه 'لو كان يعلم' حجم ما ستجره عملية خطف الجنديين، من دمار على لبنان لما قام بها، وذلك عندما قال جملته الشهيرة 'لو كنت أعلم'، وكانت نتيجة هذا الإنقضاض، هو وضع لبنان تحت الوصاية الإيرانية، وإيجاد شرخ وطني وطائفي ومذهبي بين اللبنانيين، قاد في النهاية إلى إنهيار وطني شامل، ومع ذلك لم تجرِ أي مراجعة لأي ممارسة أو قرار، حتى كان قرار 'الإشغال والمساندة ' المنفرد لغزة، الذي قاد إلى النكبة التي نعيشها اليوم كوطن وطائفة، لكن السؤال، هل تعلمنا من التجارب السابقة، وكيف يتعامل 'حزب الله' اليوم مع لبنان واللبنانيين، بعد النكبة؟