اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٩ نيسان ٢٠٢٥
استشعر العلامة الأمين منذ انطلاقة الثورة السورية مظلومية الشعب السوري وأبدى ثقته بأن النظام السوري سيسقط رغم غياب التوازن في القوة العسكرية، معتبرا أن القسوة الفظيعة في استعمال السلاح ضد الشعب السوري هي التي دفعت الناس إلى أن حمل السلاح، وأن سورية ستقدّم نموذجاً قد يكون متقدماً بدرجات على النماذج التي أطلقها الربيع العربي.
في الذكرى السنوية الرابعة على رحيل العلامة المفكر السيد محمد حسن الأمين، ثمة ما يجب أن تقوله اليوم 'الثورة السورية' لروح العلامة الأمين بعد أربع سنوات على رحيله، بعدما أخذت طريقها إلى النصر على النظام الإستبدادي، وبعدما وقف العلامة الأمين إلى جانبها متنبئا منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها بانتصارها على النظام البائد.
أراد العلامة الأمين في بيانه مع العلامة فحص، أن يؤكد المؤكد بأن الموقف الشيعي الصحيح هو نصرة المظلوم أياً وأينما كان، انطلاقا وتواصلا مع الموروث الشيعي في مقارعة الظالمين، أياً كانوا
كان موقف العلامة الأمين من الثورة السورية، الموقف الأبرز على الساحة الشيعية في لبنان والعالم العربي، وهو انتصر للثورة بالقول والفعل، فأصدر بيانه الشهير مع العلامة السيد هاني فحص في 9 آب 2012، ليعلن فيه بلا غموض أو عدوانية عن الموقف المناصر وغير المتردد للانتفاضة السورية، وذلك انسجاماً مع 'مكوناتنا وخياراتنا الإيمانية والإنسانية والوطنية والعربية، وانتمائنا الاسلامي العام'.
البيان الشهير
وقد أراد العلامة الأمين في بيانه مع العلامة فحص، أن يؤكد المؤكد بأن الموقف الشيعي الصحيح هو نصرة المظلوم أياً وأينما كان، انطلاقا وتواصلا مع الموروث الشيعي في مقارعة الظالمين، أياً كانوا.
إقرأ أيضا: المهندس سامي البيضاوي: كان السيد الأمين يمتلك معرفة واسعة وترك أثراً في شخصيتي
أحدث هذا البيان نقلة نوعية في الموقف الشيعي تجاه الثورة السورية، بعدما كان هذا الموقف تحت سطوة 'الحزب' الذي أدخل الطائفة في صراع فتنوي مقيت، بالقوة والجمهرة والكلام التعبوي اليومي والزبائنية السياسية والعلاقة الريعية، فدعا إلى الاعتراض الجهير على الخطأ، مهما يكن مرتكبه قريباً أو بعيداً، وإلى الوقوف الى جانب المقاومين للاحتلال الصهيوني لفلسطين ولبنان، كما دعا إلى تأييد الانتفاضات العربية والإطمئنان اليها والخوف العقلاني الأخوي عليها، وبخاصة الانتفاضة السورية المحقة والمنتصرة بإذن الله والمطالبة بالاستمرار وعدم الالتفات الى الدعوات المشبوهة بالتنازل من أجل تسوية جائرة في حق الشعب السوري ومناضليه وشهدائه مع ما يجب ويلزم ويحسن ويليق بنا وبالشعب السوري الشاهد الشهيد من الغضب والحزن والوجع والدعم والرجاء والدعاء، أن يتوقف هذا الفتك الذريع بالوطن السوري والمواطن السوري.
تحييد الطائفة الشيعية عن الفتنة
لقد شكل هذا البيان، ليس فقط دعما واضحا وصريحا وشجاعا للثورة السورية، بل وضع حدا فاصلا لمحاولات استلاب الطائفة الشيعية في لبنان قرارها، وتسخيرها لمآرب سياسية وحزبية تحت السيطرة الإيرانية ومصالحها الى جانب النظام السوري البائد، وتحييدها بالتالي عن الفتنة.
الموقف الشيعي هو الإنحياز إلى جانب الشعب السوري
ولا يمكن حسب العلامة الأمين إلا الإنحياز إلى جانب الشعب السوري ويقول: 'ليس من الطبيعي على الاطلاق لرجلٍ أمضى حياته منحازاً إلى قضايا الحرية والعدالة والكرامة وتداول السلطة، ألا يتعاطف مع شعب سورية وهو يناضل من أجل تحقيق هذه الأهداف، خصوصاً أن مواقف بعض اللبنانيين تجاه الثورة السورية تستند إلى اعتبارات طائفية أحياناً، وسياسية منحازة إلى أنظمة سياسية إقليمية في المنطقة أحياناً أخرى. وقد أصبح مشهوراً عن الشيعة في لبنان أنهم يقفون إلى جانب النظام السوري في مواجهة الثورة السورية، وبوصفي عالِماً شيعياً ومرجعاً شيعياً لا يسعني إلاّ أن أدافع عن التشيُّع نفسه، لأنني من الذين يرون التشيّع ومبرر وجوده بكونه وقفة إلى جانب المظلوم ضد الظالم، وقفة إلى جانب الحرية في الكيان الانساني، وقفة إلى جانب العدالة'.
استشعر العلامة الأمين منذ انطلاقة الثورة السورية مظلومية الشعب السوري وأبدى ثقته بأن النظام السوري سيسقط رغم غياب التوازن في القوة العسكرية
وبالتالي الموقف الشيعي الطبيعي هو الانحياز إلى هذا الشعب السوري المظلوم الذي يواجه الآلة العسكرية التي لم تواجه العدو الإسرائيلي، ولكنها تواجه شعبها بهذه الضراوة التي لم تعد خافية على أحد.
بيان لإبراء الذمة
وفي وقت كان العالم كله يتفرج على المأساة السورية، كان العلامة الأمين حريصا على اتخاذ موقفه الوطني والقومي تجاه ما يحصل، 'بكل أسف يقف العالم شبه متفرج على ما يراق في سورية من دماء ومن تدمير وتحطيم للبنية التحتية وللمدن والأسواق وغير ذلك مما لم يعف عنه النظام السوري. وانطلاقاً من كل هذه المعطيات كان من الطبيعي أن أُصدر بياناً على الأقل لإبراء ذمتي تجاه انتمائنا الوطني والقومي والإسلامي والشيعي في آن واحد'.
كيف حول النظام الثورة إلى مسلحة؟
قرأ العلامة الأمين ما أراده النظام من تحويل الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة 'هذا ما أراده النظام السياسي الاستبدادي، أي أن يحوّل هذه الثورة، التي بدأت سلمية بعد أن أحرجته بطابعها السلمي، فأخذ يعمل على تحويلها من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة. القسوة الفظيعة في استعمال السلاح ضد الشعب السوري، هي التي دفعت الناس إلى حمل السلاح، في الوقت الذي لم تتدخل لا الدول الاقليمية ولا المجتمع الدولي ولا العالم لوقف هذا النزف'.
سورية ستقدّم نموذجاً قد يكون متقدماً بدرجات على النماذج التي أطلقها الربيع العربي، وانا متفائل بأن النظام المقبل في سورية سيكون ديموقراطياً ينهض على تداول السلطة، وهذا ما يطمح اليه الشعب السوري
'كان لابد للثورة بما تيسّر من الأسلحة المتوافرة لديها أن تقوم بالدفاع عن الشعب السوري، وهذا أمر نأسف له، ولكن النظام فرضه فرضاً على الشعب السوري. وإنني على ثقة أن هذا النظام، ورغم غياب التوازن في القوة العسكرية، سيسقط، إذ إن نظاماً يقاتل شعبه بالسلاح لا يمكنه أن يصادر هذه الارادة الخيرة والمؤمنة والمستمرة في الشعب السوري والتي تزداد رسوخاً كلما تمادى النظام في وحشيته'.
ربيع الشعب السوري
ويقول الأمين: 'كان في تفكيري أن هذا الشعب لابد أن يثور، وبالتالي يبدو أن الثورة لابد أن تتوافر لها معطيات محددة، وأحد هذه المعطيات هو الربيع العربي الذي شهدناه في تونس بدايةً، ومن ثم في مصر وليبيا واليمن، فكان من الطبيعي أن ينجز السوريّ ربيعه. وكُتب على الشعب السوري أن يكون الثمن الذي دفعه وسيدفعه لإنجاز هذا الربيع كبيراً جداً، ولكن اي ثمن تتكبّده أمة من أجل حريتها سيبقى أقل بكثير من الانجاز الذي ستحققه'.
النظام الجديد
أعتقد أن النظام المقبل في سورية لن يكون إلاّ نظاماً ديموقراطياً، ولا معنى لكل هذه التضحيات إن لم تكن في سبيل نظام العدالة والتعددية وتداول السلطة.
إقرأ أيضا: حوار حول تحديات الخطاب الشيعي.. العلامة الأمين: لا بدَّ أن يكون الهمّ متوجهاً إلى إنتاج الخطاب الإسلامي الشامل
ومن هنا لست خائفاً على الأقليات، وأعتقد أن سورية ستقدّم نموذجاً قد يكون متقدماً بدرجات على النماذج التي أطلقها الربيع العربي، وانا متفائل بأن النظام المقبل في سورية سيكون ديموقراطياً ينهض على تداول السلطة، وهذا ما يطمح اليه الشعب السوري، وإن كان النظام يُثير المخاوف ويحاول أن يخلق صراعات داخلية، ويريد تحويل الثورة إلى حروب أهلية. وما نشاهده اليوم هو تصميم الشعب السوري على مختلف فئاته على إنجاز ثورته من أجل بناء نظام تعددي جديد. اليوم وبعد أربع سنوات على رحيل العلامة الأمين، سقط النظام السوري البائد، وانتصرت الثورة السورية كما أحبّ، بل كما قال من أن ثورة المظلومين ستنتصر.