اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٢ أب ٢٠٢٥
د. حمد الكواري: الأمم المتحدة.. ضمير العالم
مهما حاول أعداؤها النيل من مكانتها، ستبقى الأمم المتحدة ضمير العالم وميزان عدالته. فهي التي وُلدت من رماد الحروب لتكون صرحًا يذكّر البشرية بأن العدالة ليست خيارًا، بل ضرورة لبقاء الإنسانية ومحاولة إضعافها لا تقلل من قيمتها، بل تزيد الحاجة إلى دورها في زمن يعلو فيه صوت القوة على صوت الحق.
لقد آمنتُ بهذه المنظمة، ودعوت دائمًا إلى الاعتبار لها، وكنت أرى فيها المنبر الذي يُسمِع فيه الضعفاء، والملاذ الذي يكشف فيه الطغيان أمام أنظار العالم. والإنصاف يقتضي أن نقف إجلالًا لها حين تُنصت إلى الضمير الإنساني، وتصدع بكلمة الحق، كما فعلت اليوم أمام مأساة غزة.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن كثيرًا من الأمناء والمدراء العامين للمنظمات الدولية المتخصصة قد أضعفوا – بل قتلوا – رسالتها، حين رضخوا لإملاءات القوى الكبرى، وأداروا ظهرهم لمبادئ العدالة، واكتفوا بارتداء عباءة الصمت والحياد الزائف. لقد شوّه بعضهم صورة هذه المؤسسات العريقة، بجبنهم وخضوعهم للطغيان الذي جاء بهم إلى مواقعهم.
في المقابل، يبرز الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش نموذجًا مختلفًا. فقد أثبت أنه جدير بموقعه الأممي، لأنه لم يتردد في تسمية الأشياء بأسمائها. لم تُقيده خلفيته الغربية ليكون مجرد صدى للغرب، بل حمل الأمانة بصدق، وجعل من صوته صرخة للحق. فحين اشتد العدوان على غزة لم يوارب، بل ندد بالدمار والقتل والتهجير. وحين استحكم الحصار حتى بلغ حدَّ المجاعة في غزة لم يلوذ بالصمت كما فعل غيره، بل قالها بوضوح: المجاعة في غزة حقيقة لا يمكن إنكارها.
ويبقى على الدول الأعضاء أن يتجاوبوا مع أمينهم العام، ليحوّلوا كلماته الشجاعة إلى واقع ملموس يعيد للأمم المتحدة فاعليتها وهيبتها.
هذه المواقف الشجاعة، التي لا تعرف المواربة، أعادت الاعتبار لقيم الأمم المتحدة، وأثبتت أن موقعها لا يزال قادرًا على أن يكون منبرًا عالميًا للعدل. وفي زمن التلاعب بالحقائق وتزييف الوعي، يظل صوت غوتيريش شاهدًا على أن الأمم المتحدة يمكن أن تنهض بدورها، حين يقف على رأسها رجل يملك شجاعة قول الحقيقة.
دكتور حمد الكواري
وزير دولة بدرجة نائب رئيس وزراء
رئيس مكتبة قطر الوطنية