حسابات وهمية وأخرى غير فاعلة تضخّم حملة رقمية ضد "درج" و"ميغافون"

انطلقت حملة لبنانية محلّية عبر حسابات غير فاعلة، مدعومة من حسابات سعودية تجارية، وظّفت وسم '#الإعلام_الممول'، لاتّهام 'درج' و'ميغافون' بتلقّي 'تمويل أجنبي مشبوه لتدمير الاقتصاد'، الحملة المستمرّة منذ أسابيع تبعها قرار من المدعي العام التمييزي بإحالة إخبارات قضائية ضد الموقعين إلى النيابة العامة الاستئنافية. فما قصة الحملة وما الحسابات التي انخرطت فيها؟

أحال النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجّار، البلاغ المقدّم من المحامين إيلي شهلا وجوزف زيدان وجورج موصللي، ضدّ منصّتي 'درج ميديا' و'ميغافون' إلى التحقيق، وكلّف النيابة العامة الاستئنافية في بيروت القيام بالإجراءات الواجب اتّخاذها.

ويتّهم البلاغ 'درج' و'ميغافون' والقيّمين عليهما، بارتكاب جرائم 'النيل من مكانة الدولة المالية، وزعزعة الثقة بمتانة النقد الوطني، والحضّ على سحب الأموال من المصارف، وبيع سندات الدولة، والنيل من هيبة الدولة، والاشتراك في المؤامرة عليها، وإضعاف الشعور القومي، والحصول على أموال خارجية مشبوهة، وتمويل حملات إعلامية؛ بهدف ضرب الثقة بلبنان واقتصاده'.

قبل هذا القرار بنحو اسبوعين انطلقت حملة رقمية، إذ تداولت مجموعة من الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً بثّته قناة 'Lebanon Pulse – نبض لبنان'، يتّهم منصّات إعلامية مستقلّة بلبنان، بخاصة 'درج' و'ميغافون'، بمزاعم 'تلقّي تمويل أجنبي مشبوه لتدمير الاقتصاد'، تحت وسم '#الاعلام_الممول'.

في هذا التقرير، نرسم خريطة لأبرز الشبكات المتفاعلة مع هذا الوسم والوسوم المرتبطة به، كاشفين عن نشاط حسابات تجارية، وآلية، وشبه آلية، عملت على تضخيم التفاعل على الوسوم، بما يتجاوز حجمها الحقيقي، والضخّ بتلك الحسابات لجعل الحملة تبدو أكثر ضخامة مما هي عليه.

مؤشّرات الحملة

في 20 آذار/ مارس أصدرت منظّمة 'كلنا إرادة' بياناً مشتركاً مع عديد من الشخصيات الصحافية والسياسية والمنصّات الإعلامية، تنوّه فيه إلى حملات تشويه منسّقة تستهدف المنظّمة وعدد من المنصّات الإعلامية المستقلّة، يقف خلفها بعض المصرفيين والنافذين الموالين لهم، تسعى لقلب السرديات، وتزييف الحقائق، وإغراق الرأي العام بالأخبار المضلّلة، وبنظريات المؤامرة.

وبعد صدور البيان، ظهر المقطع الذي نشرته قناة 'نبض لبنان'، الذي يتّهم منظّمة 'كلنا إرادة' بتلقّي تمويل أجنبي وخدمة أجندات أجنبية 'ليغسل أدمغة الناس، ويوجّهها حسب المصالح الأجنبية'.

المريب بشأن حساب قناة 'نبض لبنان'، أنه منذ القصف الإسرائيلي الذي استهدف الأمين العام ل'حزب الله' حسن نصر الله في أيلول/ سبتمبر 2024، وما تلاه من قصف آخر في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، قالت إسرائيل إنه استهدف خليفته هاشم صفي الدين، لم ينشر أي أخبار، حتى عاد في شباط/ فبراير 2025، لينشر حادثة وحيدة؛ وهي اعتصام أنصار 'حزب الله' على طريق المطار، ثم رجع للصمت، ليعود مرة أخرى بمنشورات متتالية ضد منظّمة 'كلنا إرادة'.

باستخدام أداة Meltwater، قمنا بتحليل المنشورات المرتبطة بوسم '#الإعلام_الممول'، وتبين أنها بدأت في 23 آذار/ مارس 2025، وبلغت ذروتها في اليوم التالي، ورغم أن عدد المنشورات لم يتجاوز ألفي منشور، إلا أن نطاق وصولها كان واسعاً، متجاوزاً ثلاثة ملايين مرة.

وعند التحقّق من أنماط التدوين الذي رافق وسم '#الاعلام_الممول'، تبيّن أن نحو 42 في المئة من إجمالي المنشورات هي محتوى أصلي، في حين تنقسم النسبة الباقية بين إعادة النشر والردود.

وهو ما يشير -للوهلة الأولى- إلى أن جزءاً غير قليل من هذه المنشورات كان عبارة عن منشورات عفوية، نشرتها حسابات حقيقية تتبنّى السردية التي تتّهم منصّات إعلامية محدّدة؛ مثل 'درج' و'ميغافون -المرتبط اسمهما بمنظّمة 'كلنا إرادة'- بأنها منصّات 'مموّلة خارجياً، وتخدم أجندات سياسية وأيديولوجية'.

غير أن سحابة الكلمات المرتبطة بالوسم، بالإضافة إلى توزيع البلدان المشاركة فيه، قدّمت مؤشّرات مختلفة؛ فقد أظهرت السحابة الكلامية كلمات لا تمتّ بصلة إلى الموضوع أو إلى لبنان؛ مثل: '#عبدالملك_الحوثي' و'#السعودية_اليابان' و'مسيار'.

وبرز هذا الاتجاه بوضوح في قائمة الوسوم المرتبطة بوسم '#الإعلام_الممول'، إذ كانت كلها غير متّصلة بالسياق السياسي اللبناني. أما على مستوى الدول الأكثر تفاعلاً مع الوسم؛ فقد جاءت السعودية في المركز الثاني، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة التفاعل والمصادر المحرّكة له.

دفعنا النشاط الملحوظ للحسابات السعودية في التفاعل مع وسم '#الإعلام_الممول'، إلى مراجعة أبرز الحسابات المتفاعلة معه، ما كشف عن وجود حسابات غير فاعلة، إلى جانب حسابات سعودية تجارية أو مشبوهة، كانت ضمن المشاركين في التفاعل مع الوسم.

ذباب سعودي في سماء بيروت

من خلال تحليل أبرز المنشورات التي ذكرت وسم '#الإعلام_الممول'- والتي حملت في معظمها مشاعر سلبية- تبيّن أن منشور قناة 'نبض لبنان' كان الأكثر مشاركة، يليه منشوران لحسابين من لبنان؛ هما: Nayla – نايلة وJoanne Sabra.

وكان اللافت في منشورات حساب نايلة، هو ربطها بين وسم '#الاعلام_الممول' وبين 'النازحين السوريين'، إذ اتّهمت أحد النواب بالعمل لصالح اللاجئين السوريين ضد لبنان، وهو ما لا يتّصل بموضوع الحملة.

كما أعاد الحساب مشاركة المقطع المصور الذي نشرته قناة 'نبض لبنان'، الذي نشرته بدورها قناة 'MTV Lebanon News'.

وقد نشر حساب Joanne Sabra المحتوى ذاته وتبنّى السردية نفسها.

ورغم أن تاريخ إنشاء الحسابين يعود إلى العام 2014، يعود أقدم منشور متاح على كلا الحسابين إلى آذار/ مارس 2025، وهو توقيت إطلاق الحملة.

لم تكن هذه الحسابات هي الوحيدة التي حظيت منشوراتها ضمن وسم '#الاعلام_الممول'، بعدد كبير من إعادة المشاركة؛ فقد ظهرت حسابات أخرى، لكنها هذه المرة لم تكن لبنانية.

وتبيّن أن بعض الحسابات المتفاعلة مع الوسم جاءت من السعودية، وهدفت إلى تضخيمه، وعند فحص هذه الحسابات، اتّضح أن بعضها حسابات تجارية، في حين كان البعض الآخر حسابات تنشر محتوى إباحياً.

كما ظهر أيضا حساب إيراني يغرّد بالفارسية، ويتّهم مؤسّس مؤسّسة 'المجتمع المفتوح' جورج سورس بأنه على علاقات مع إسرائيل.

من يقود وسم '#الإعلام_الممول'؟

لمعرفة أبرز الحسابات المتفاعلة مع الوسم، والتي نالت منشوراتها أكبر قدر من الوصول، سحبنا كل المنشورات التي ذكرت الوسم، وعددها 2000 منشور تقريباً، وبعد تحليلها تبيّن أن قائمة أكثر عشرة حسابات نشراً وتفاعلاً مع الوسم، احتوت على العديد من الحسابات السعودية التجارية.

تصدّر حساب @rmddanh قائمة الحسابات الأكثر تفاعلاً، وأعاد نشر المنشورات حساب سعودي تجاري آخر يسمى @Karimosaama، الذي يستخدم عدة وسوم لتضخيم منشوراته؛ من بينها '#الإعلام_الممول' الذي ظهر في 38 منشوراً، معظمها إعادة مشاركة من @Karimosaama.

اللافت أن منشورات الأخير تحظى بتعليقات متكرّرة من الحسابات نفسها، التي تصدّرت قائمة التفاعل مع الوسم؛ مثل: مساهم، حساب مساهم في فواتير التنفيذ القضائي، عمر العمري، ورمضان الخير.

يتطابق هذا النمط مع سلوك الحسابات الآلية في الحملات المنسّقة والموجّهة، إذ تعمل بعض الحسابات على تضخيم وسم معين عبر إعادة مشاركة منشورات محدّدة، وتبادل التعليقات في ما بينها، ما يخلق دائرة تضخيم للتفاعل تدفع بالوسم إلى الواجهة.

كما برزت بين الحسابات الأكثر تفاعلاً مع الوسم حسابات لبنانية أخرى؛ مثل: @DarwishAhmadlb و@mayachamoun3، اللذين أظهرا نمط تفاعل ونشر مشابهاً للحسابات اللبنانية التي سبق فحصها.

والمثير للاهتمام أن أقدم منشور متاح على هذين الحسابين يعود إلى آذار/ مارس 2025، رغم أن تاريخ إنشائهما يعود إلى العامين 2016 و2017.

حملة منسّقة ضد 'كلنا إرادة'

عند العودة إلى أداة تحليل منصّات التواصل الاجتماعي Meltwater، وإضافة 'كلنا إرادة' و'حقيقة كلنا إرادة' إلى كلمات البحث المفتاحية، تبيّن أن حجم النشر حول هذه العبارات أكبر بكثير من المنشورات المرتبطة بوسم '#الإعلام_الممول'.

كما أظهرت البيانات أن النشر على وسم '#كلنا_إرادة' بدأ منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، وبلغ ذروته في 24 آذار/ مارس الحالي؛ وهو اليوم نفسه الذي وصل فيه وسم '#الإعلام_الممول' إلى ذروته، ما يشير إلى ترابط محتمل بين الحملتين.

ورغم أن عدد المنشورات التي تضمنت وسم '#كلنا_إرادة' أو '#الإعلام_الممول' بلغ نحو ثمانية آلاف منشور، اقترب حجم وصولها من 20 مليون مرة. وعند توسيع المدى الزمني للتحليل، تبيّن أن هذه الحملة ليست جديدة، بل تعود إلى كانون الثاني/ يناير 2024، إذ بلغت ذروتها في 24 نيسان/ أبريل 2024، مع حجم وصول تجاوز 15 مليون مرة، ما يشير إلى امتداد زمني أطول واستمرارية في استهداف المنصّات الإعلامية المعنية.

وبينما بلغت نسبة المحتوى الأصلي المرتبط بوسم '#الإعلام_الممول' نحو 42 في المئة، شهد وسم '#كلنا_إرادة' انخفاضاً ملحوظاً في نسبة المحتوى الأصلي، التي لم تتجاوز 12.4 في المئة من إجمالي المنشورات، وهو ما يشير إلى احتمال وجود حملة مضخّمة تستند إلى إعادة نشر مكثّفة بدلاً من إنتاج محتوى أصلي.

تركّزت الكلمات الأكثر تكراراً ضمن وسم '#كلنا_إرادة'، حول قضية النظام المصرفي وأموال المودعين، إلى جانب الشخصيات السياسية والمصرفية المرتبطة بها؛ وعلى رأسهم منظّمة 'كلنا إرادة' وعدد من الفاعلين السياسيين في لبنان.

أما قائمة الدول المشاركة في الحملة، فلم تشهد تغيّراً كبيراً، إذ تصدّرت لبنان كمصدر رئيسي للمنشورات، تلتها السعودية، ما يُعيد طرح علامة استفهام حول دور الحسابات السعودية في التفاعل مع هذه الحملة، ومدى ارتباطها بتضخيم النقاش حول القضية.

وكما يظهر في سحابة الكلمات السلبية، تركّز الخطاب الناقد لمنظّمة 'كلنا إرادة' على اتّهامها بمعاداة المودعين، وقد انعكس هذا على المنشورات الأكثر مشاركة وانتشاراً، التي نشرها حساب يسمّى 'جمعية صرخة المودعين'، في حين لم تختلف الكلمات السلبية في حملة هذا العام عن العام الماضي، فقد حضرت أيضاً قضية المودعين إلى جانب قضية اللاجئين السوريين كما يظهر في سحابة الكلمات.

حسابات مهاجمة وأخرى مضخمة

لتحديد شبكة الحسابات الفاعلة خلف هذه الحملة وفحصها، لمعرفة حقيقة الحملة ضدّ منظّمة 'كلنا إرادة'، حلّلنا كل المنشورات التي ارتبطت بالوسوم '#حقيقة_كلنا_إرادة' و'#كلنا_إرادة' و'#الاعلام_الممول'، وعددها ثمانية آلاف منشور، وقد أظهر التحليل قائمة الحسابات صاحبة أكبر عدد من المنشورات.

إذ تصدّر حساب Gabi Mata قائمة الحسابات الأكثر تفاعلاً بـ 380 منشوراً، نشرها هذا العام فقط، وهو حساب حديث النشأة، يضع شعار القوّات المسلّحة اللبنانية، وينشر منشورات متطابقة، يُرفق بها عدد كبير من الوسوم بغرض التضخيم.

وللتحقّق من نمط تفاعل الحساب، أجرينا تحليلاً برمجياً لأوقات نشر منشوراته ومدى تطابقها، فأظهرت النتائج أن 30 في المئة من المنشورات متطابقة؛ وهي نسبة مرتفعة نسبياً.

كما تبيّن أن الحساب ينشر على مدار اليوم، مع وصول معدل النشر إلى ذروته خلال فترتين رئيسيتين: بين الساعة 14:00 و15:00 ظهراً، وبين الساعة 09:00 و12:00 صباحاً، كما يُوضح الرسم البياني.

لكن للوصول إلى تحليل أكثر دقّة، قمنا بدراسة نمط تفاعل الحساب من حيث معدّل الاقتباسات، والإعجابات، والردود. وأظهرت النتائج أن الحساب كثير النشر، لكن التفاعل البشري عليه منخفض، ما يشير إلى أنه حساب آلي أو نصف آلي يستخدم برامج لجدولة المنشورات.

أما الحساب الثاني في قائمة الحسابات الأكثر نشراً على الوسوم، فهو @Michealmic27013، وهو حساب حديث النشأة، وكثيف النشر، كما أن نمط منشوراته وتفاعلاته يُشبه إلى حد كبير حساب Gabi Mata، لكن معدّل تطابق منشوراته منخفض وتوزيع توقيتات النشر عليه طبيعي.

أما في المركز الثالث ضمن قائمة الحسابات الأكثر تفاعلاً، فقد جاء حساب Emile Khoury بعدد 213 منشوراً، وهو أيضاً حساب حديث النشأة، وتركّز نشاطه على إعادة نشر المحتوى نفسه الذي ينشره الحسابان السابقان.

التحليل البرمجي لمعدّل تطابق المنشورات، وتوزيع أوقات النشر على حساب Emile، أعطى مؤشّرات حول نشاط بشري للحساب، بناءً على معدّل تطابق منخفض للمنشورات، وتوزيع طبيعي لأوقات نشر الحساب.

وتشابهت جميع الحسابات السابقة في إعادة نشر محتوى حساب 'جمعية صرخة المودعين'، التي تسعى لتمثيل اللبنانيين أصحاب الودائع في البنوك اللبنانية، وقد ظهر الحساب نفسه في صدارة الحسابات من حيث أكثر المنشورات تداولاً ووصولاً ضمن البيانات.

وحساب 'جمعية صرخة المودعين' حساب حديث النشأة نسبياً، يقود حملة الهجوم على منظّمة 'كلنا إرادة'، ويتّهمها بمحاولة تشريع قانون لشطب أموال المودعين، والارتباط بشخصيات مصرفية فاسدة.

ويتبنّى السردية نفسها حساب المحامي Joseph Abu Fadel صاحب المنشورات المثيرة للجدل ضد المرأة اللبنانية.

أما مسؤول العلاقات العامة في الجمعية فهو خليل برمانا، الذي يتمتّع بحضور ملحوظ على قناة MTV، إحدى القنوات التي قادت الهجوم على منظّمة 'كلنا إرادة' والمنصّات الإعلامية المستقلّة.

وترتبط القناة أيضاً بالمصرفي اللبناني أنطون صحناوي الرئيس التنفيذي لمصرف 'سوسيتيه جنرال' في لبنان والأردن (SGBL) الذي قدّم عدة شكاوى قضائية ضدّ 'درج'، بعد نشر تحقيق كشف كسره وديعة قيمتها 254 مليار ليرة لبنانية (169 مليون دولار حينها) قبل موعد استحقاقها الفعلي في عام 2047.

وقد تمّت هذه العملية بموافقة رياض سلامة حاكم مصرف لبنان السابق، بذريعة حاجة مصرف 'سوسيتيه جنرال” للسيولة بالليرة اللبنانية، وفقاً لوثيقة اطّلع عليها 'درج'، وذلك قبل أسابيع قليلة من الأزمة الاقتصادية، وتحديداً في 16 أيلول/ سبتمبر 2019.

كما يظهر في قائمة الحسابات صاحبة المنشورات الأعلى تداولاً حساب @dr961dr، وهو حساب حديث النشأة نسبياً، إلا أن اسم المستخدم يبدو مريباً. كما لاحظنا أن أغلب المحتوى الذي ينشره سياسي أو دعائي من دون أي منشورات شخصية.

ونشط هذا الحساب في الحملة ضد منصّة 'درج' في عام 2024، ثم أعاد نشر المحتوى نفسه هذا العام ضمن الحملة الحالية، ما دفعنا إلى إجراء تحليل برمجي لكشف أنماط تفاعله.

كشف تحليل نسبة التطابق وتوزيع أوقات النشر أن نسبة التطابق على الحساب منخفضة، إلا أن ما بدا مريباً هو أن معدّل النشر يصل إلى ذروته في الساعة الخامسة صباحاً، وهو سلوك غير بشري، خاصةً عندما يكون هذا النمط متكرراً.

وعند تحليل أنماط التفاعل (الإعجابات – إعادة النشر – التعليقات) ظهرت فجوات في تفاعل الحساب، رغم انتظام نمط النشر، ما أكّد أن الحساب نصف آلي وغير شخصي؛ أي يستخدم برامج لجدولة المنشورات.

بناءً على التحليلات السابقة، باتت ملامح خريطة المجموعات المشاركة في الحملة أكثر وضوحاً، إذ تنقسم الحسابات المشاركة في الهجوم على منظّمة 'كلنا إرادة' ومنصّتي 'درج' و'ميغافون' إلى ثلاث مجموعات.

المجموعة الأولى تضم حسابات حقيقية تشمل شخصيات لبنانية معروفة، إضافة إلى أشخاص يتبنّون سردية هذه الشخصيات بشأن اتّهام 'كلنا إرادة' بمعاداة المودعين، وتلقّي تمويل مشبوه، إلى جانب الهجوم على منصّتي 'درج' و'ميغافون'.

أما المجموعة الثانية، فتتكون من حسابات لبنانية آلية تعمل على تضخيم سردية المجموعة الأولى ونشرها، ويغلب على هذه الحسابات الولاء للجيش اللبناني، إلى جانب الهجوم الحادّ على منظّمة 'كلنا إرادة' ومنصّتي 'درج' و'ميغافون'، متضمناً اتهامات؛ مثل: العمالة والتخطيط لتدمير الاقتصاد، وهي مزاعم لا تستند إلى أي دليل.

أما المجموعة الثالثة، فتضم حسابات سعودية تجارية ومشبوهة، تعمل على تضخيم وسم '#الإعلام_الممول'، كما كشفنا في بداية التحقيق.

وللتأكد من هذا الاستنتاج، سنُجري تحليلاً أعمق لرسم شبكات الحسابات الفاعلة والعلاقات بينها.

العلاقات بين الحسابات

كشف التحليل الذي أجريناه باستخدام خوارزمية Yifan Hu على برنامج Gephi، أن الحسابات المتفاعلة مع الوسوم التي حدّدناها، والتي قادت الهجوم على منظّمة 'كلنا إرادة' ومنصّتي 'درج' 'وميغافون'، انقسمت إلى عدّة شبكات. كانت أكبرها وأكثرها تفاعلاً هي الشبكة الظاهرة أسفل الصورة، إذ تميّزت بعلاقات بارزة باللون الأحمر.

وكان الحساب المركزي في هذه الشبكة هو حساب جمعية 'صرخة المودعين' (@sarkhitmoudiin) الذي أظهر ارتباطاً قوياً بحساب @gabimata85808، والذي سبق أن أثبتنا أنه حساب آلي يعمل على تضخيم الحملة. كما تبيّن أن الحساب على ارتباط وثيق بحساب @michealmic27013، وهو حساب حديث النشأة ذو نشاط شبه بشري.

كما يرتبط حساب جمعية 'صرخة المودعين' ارتباطاً وثيقاً بحساب @depositors12، الذي يمثّل رابطة 'المودعين اللبنانيين المغتربين' حول العالم. بالإضافة إلى ذلك، يتمتّع الحساب بعلاقة قوّية مع @hannah_matar، وهو حساب حديث النشأة لعب دوراً في تضخيم حملة الهجوم على منظّمة 'كلنا إرادة'.

أما الشبكة الثانية، فقد تمحورت حول حساب 'نبض لبنان'، الذي سبق وفحصنا سلوكه المريب. غير أن التحليل الشبكي كشف أن الحساب مرتبط بمجموعة كبيرة من الحسابات الآلية المضخّمة، التي عملت على إعادة نشر المقطع المصور، الذي يزعم أن منظّمة 'كلنا إرادة' تتلقّى 'تمويلاً خارجياً، وتقوم بعمليات تبييض أموال'، من دون دليل.

والشبكة الثانية ترتبط مباشرة بالشبكة الأولى، كما أنها مرتبطة بشكل مباشر بالشبكة الثالثة، التي تتمركز حول حساب PierreABISAAB، وهو حساب الصحافي اللبناني بيار أبي صعب، الذي يعمل في قناة 'الميادين' التابعة لـ'حزب الله'.

أما الشبكة الرابعة، فقد تمحورت حول حساب AbuAbufadel، العائد للمحامي جوزيف أبو فاضل. وقد ارتبطت هذه الشبكة بقوّة مع الشبكة الأولى، وتفاعلت معها في الهجوم على منظّمة 'كلنا إرادة' ومنصّتي 'درج' و'ميغافون'. كما أن الشبكة الأولى نفسها تمتدّ لتشمل عدّة شبكات فرعية؛ من بينها شبكة الحسابات السعودية التي كشفناها في بداية التحقيق.

يتّضح مما سبق أن الشبكة الأكبر والأكثر تأثيراً في هذه الحملة تقودها 'جمعية صرخة المودعين'، وتتداخل مع قناة MTV، إحدى الأذرع الإعلامية لأنطون صحناوي.

وكانت جريدة 'الأخبار' قد كشفت سابقاً عن علاقة صحناوي الجيّدة مع المملكة العربية السعودية، مشيرة إلى اجتماعه في باريس مع رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان، في حضور النائب وائل أبو فاعور، الذي يتمتّع بعلاقات قوّية مع الجانبين ويلعب دوراً في تقريب وجهات النظر بينهما.