معضلة السجناء بلا مخرج

كتب طوني كرم في 'نداء الوطن':

تتقدّم معضلة الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية سلّم الملفات العالقة بين بيروت ودمشق، لكنها ما تزال تراوح مكانها رغم الاندفاعة التي رافقت زيارة وزير العدل السوري إلى لبنان وما تبعها من اجتماعات رسمية. فالمشهد، على أهميته، لم يرتقِ بعد إلى مستوى الحل الحقيقي، في ظل غياب القدرة التشريعية اللازمة لإقرار الاتفاقيات أو القوانين المطلوبة لمعالجة هذا الملف جذريًا.

فالمطلوب اليوم وفق ما تؤكّده مصادر متابعة لـ 'نداء الوطن'، ليس مجرد تفاهم تقني بين دولتين، بل مقاربة قانونية متكاملة تُنهي وضع آلاف السجناء، وفي طليعتهم السوريون البالغ عددهم أكثر من 2600 موقوف، بعيدًا من الحلول الترقيعية التي تزيد المشهد تعقيدًا. وفيما تتحدث السلطة اللبنانية عن رغبة رئاسية وسياسية في حلّ الملف، تبقى قدرة الدولة على تنفيذ تلك الرغبة معلّقة على المطبات التي تعيق طريق مشاريع القوانين إلى اقتراحات القوانين المعجلة إلى الهيئة العامة لمجلس النواب.

غياب التشريع… غياب الحل

إن أي اتفاقية تبادل سجناء بين لبنان وسوريا، أو أي قانون عفو عام، يحتاج حكمًا إلى تصديق المجلس النيابي. إلا أن إقفال باب التشريع أمام قانون عفو عام شامل يقطع الطريق أمام أي خطوة عملية في هذا الاتجاه، ولا يقتصر تأثيره على الموقوفين السوريين فحسب، بل يشمل أيضًا اللبنانيين العالقين في السجون منذ سنوات من دون محاكمة.

وبينما يروّج بعض المعنيين لفكرة الاكتفاء باتفاقية التبادل مع سوريا كمدخل للحل، تشير المصادر إلى أن هذا الطرح، وإن كان مفيدًا جزئيًا، لا يمكن اعتماده وترك الموقوفين اللبنانيين خارج أي حل تشريعي، إذ من غير المقبول أن يستفيد السجناء السوريون من الاتفاقية المرتقبة، فيما يبقى اللبنانيون رهائن التخبّط السياسي وراء القضبان.

المعالجة الجزئية… ومخاطر الانتقاء

تشدّد الجهات القضائية على أن لبنان يتعامل مع الموقوفين السوريين بموجب أحكام صادرة عن القضاء اللبناني، وبالتالي لا يمكن الإفراج عن المتورطين في ملفات الإرهاب أو الجرائم الكبرى أو تسليمهم إلى دمشق من دون إطار قانوني واضح يراعي القوانين اللبنانية والمعايير الدولية. كما تكشف المصادر أن مقاربة الملف لا يمكن أن تكون تجزيئية، إذ لا يجوز التفريق بين موقوف سوري وآخر لبناني طالما أن العلة واحدة: تعطيل القدرة على إنتاج حلّ شامل.

وفي ظل انعدام القدرة على إقرار حل شامل، تعتمد الحكومة والقضاء سلسلة إجراءات جزئية، أبرزها تفعيل المادة 108 من أصول المحاكمات الجزائية، التي تفرض سقفًا زمنيًا للتوقيف الاحتياطي (شهران في الجنح، وستة أشهر في الجنايات مع إمكانية التمديد مرة واحدة)، باستثناء الجرائم الكبرى. ورغم أن الركون إلى هذه المادة يشكّل مخرجًا مرحليًا، إلا أنه لا يعالج أصل المشكلة: آلاف الموقوفين الذين تجاوزت فترات توقيفهم الحدود القانونية، في انتهاك لقرينة البراءة وحق المحاكمة العادلة.

كما يجري العمل على إحالة بعض الملفات إلى لجنة تخفيض العقوبات، وتسجيل تسريع ملحوظ في البت بملفات المحكمة العسكرية، التي أصدرت في الأشهر الأخيرة عددًا من أحكام البراءة بحق موقوفين سوريين. لكن كل ذلك يبقى ضمن خانة 'إدارة الأزمة'، لا حلّها.

ووفق معلومات 'نداء الوطن'، أصبحت مسودة اتفاقية تبادل السجناء بين لبنان وسوريا شبه منجزة، إلا أن إقرارها مؤجل في الوقت الراهن بسبب الانقسام السياسي حول وجوب أن تترافق مع إقرار قانون عفو عام.

ماذا عن زيارة دمشق؟

عمليًا، لا حلًا جذريًا، بل 'سلّة من الحلول الجزئية' التي يعتمدها داخليًا، مع طلب رسمي من دمشق تفهّم الواقع اللبناني المعقد. والسلطة اللبنانية ذهبت إلى سوريا بشكوى: عدم القدرة على التشريع، وعدم وجود توافق سياسي يسمح بإقرار قانون عفو عام أو معاهدة شاملة تعيد الانتظام إلى ملف السجون.

وبذلك، يتحوّل التعطيل النيابي إلى مشكلة مضاعفة: فهو لا يمنع إقرار قانون انتخابات جديد يتيح للمغتربين انتخاب النواب كسائر اللبنانيين فحسب، بل يمنع أيضًا تحرير الموقوفين القابعين منذ سنوات بلا محاكمات، ويشلّ أي محاولة لحلّ عقدة الموقوفين السوريين.

رغم تعدد الطروحات، يجمع المتابعون على أن الحلّ الأكثر واقعية وفعالية يقوم على مسارين متوازيين:

– معاهدة تبادل سجناء مع سوريا تحلّ مشكلة الموقوفين السوريين.

– قانون عفو عام يطال الموقوفين اللبنانيين مع استثناءات محددة.

لكن هذا الحل المزدوج يصطدم بعائق واحد: غياب الحماسة البرلمانية، ما يدفع المعنيين إلى اعتماد 'خطوط جانبية' لمعالجة الأزمة، من دون التمكن من تقديم الحل الشامل الذي يحتاجه اللبنانيون والسوريون على حدّ سواء.