اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
أزمة النفايات في لبنان ليست بجديدة، بل هي حلقة مفرغة من الفشل والتسويف في إدارة ملف النفايات منذ سنوات، وكان إغلاق مطمر الناعمة عام 2015 بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ونقطة تحول كشفت عن هشاشة البنية التحتية لإدارة النفايات.
'ما حدا عم يلمّ الزبالة من قدام بيوتنا، وكل يومين تلاتة منلاقي حريق نفايات جديد، صارت حياتنا عبارة عن سموم وأمراض'، بهذه الجملة تختصر جمانة معاناتها وعائلتها مع أزمة النفايات القديمة الجديدة، في ظل عجز عدد كبير من البلديات عن جمع النفايات وتصريفها، ما يؤدي إلى تراكمها أمام البيوت أو على الطرقات، ولا حلول واضحة حتى الآن. تقول جمانة التي تعيش في بلدة رياق البقاعية: 'أنقل النفايات بنفسي من أمام البيت حتى لا يتجمّع الذباب وكي نتخلّص من الرائحة والسموم، ولكن هذه ليست حالة مقبولة والمواطن يدفع الثمن'.
مرة أخرى، يجد لبنان نفسه على شفير كارثة بيئية وصحية وشيكة، مع تفاقم أزمة النفايات التي باتت تهدد صحة المواطنين وتخنق البيئة. مع النقص الحاد في المطامر الصحية وإغلاق عدد منها، إضافة إلى غياب الخطط ونقص التمويل المستدام، عشرات القرى والبلدات تلجأ إلى الحل الأخير والأكثر فتكاً، حرق النفايات في الهواء الطلق. علماً أن لبنان ينتج نحو 4500 إلى 5000 طن من النفايات المنزلية يومياً، وفقاً لـ 'الدولية للمعلومات'، ما يعادل نحو 0.9 إلى كيلوغرام للفرد الواحد يومياً.
المطامر تضيق… والأموال تنفد
الأزمة ليست بجديدة، بل هي حلقة مفرغة من الفشل والتسويف في إدارة ملف النفايات منذ سنوات، وكان إغلاق مطمر الناعمة العتيد عام 2015 بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ونقطة تحول كشفت عن هشاشة البنية التحتية لإدارة النفايات. وعلى رغم الحلول المؤقتة التي اعتُمدت، مثل مطمرَي الكوستابرافا وبرج حمود، فإن قدرتهما الاستيعابية أصبحت على وشك النفاد.
تُشير التقارير إلى أن لبنان ينتج يومياً ما يقارب الـ6 آلاف طن من النفايات المنزلية والصلبة، بينما لا تتجاوز قدرة المطامر المتاحة على استيعاب سوى جزء يسير من هذا الكم الهائل. المشكلة بحسب الخبير والصحافي البيئي الدكتور حبيب معلوف، تتفاقم بفعل نقص التمويل الحكومي للبلديات، ما يجعلها عاجزة عن إيجاد حلول بديلة، أو حتى صيانة المطامر الموجودة وإدارتها بكفاءة. وتواجه البلديات صعوبة بالغة في تحصيل الرسوم من المواطنين، ما يزيد الطين بلّة.
يوضح معلوف لـ'درج' أن أساس المشكلة بشكل عام هو نقص الأموال، المرتبط بشكل أساسي بعدم إقرار مشروع قانون استرداد الكلفة، الذي يهدف إلى تمويل إدارة النفايات الصلبة، عبر فرض رسم على الجهات المنتجة للنفايات (مثل المؤسسات الصناعية والتجارية والمباني السكنية). ويهدف هذا القانون إلى توفير مصادر تمويل مستدامة لإدارة النفايات، بدلاً من الاعتماد على الميزانية العامة للدولة وحسب.
يتابع معلوف: 'الأموال التي تصل إلى شركات النفايات في لبنان وجبل لبنان غير كافية، وهذه مشكلة، لذلك نشاهد ضعفاً واضحاً في موضوع جمع النفايات ومعالجتها، إضافة إلى ضعف الخطط، فنشاهد أن بعض القرى تستأجر أراضيَ وتجمع فيها النفايات بطريقة عشوائية وغير صحية، وحين تصل هذه المكبّات إلى قدرتها الاستيعابية القصوى تُشعل النفايات من دون أي فرز أو معالجة، وهذه أسوأ طريقة للتعامل مع النفايات، كونها تؤدي إلى زيادة التلوث البيئي وإلى أضرار صحية كبيرة بسبب غاز الأوكسيتوسين وغيره من الغازات السامة التي تنشر الأمراض والسرطانات وترفع نسب الإصابة بها'.
يضيف معلوف: 'كان الحل بالمطامر الصحية بدل المكبات العشوائية ومضارها الصحية والبيئية، برغم أنه ليس الحل المثالي لأزمة النفايات، ولكن بظروف لبنان، كان يمكن أن ينهي النزاع، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق، وها نحن أمام كارثة بيئية وصحية عبر المكبات العشوائية والحرق العشوائي'.
الحرق العشوائي: سموم في الهواء تتسلّل إلى البيوت
'نسأل البلدية تقول اليوم وغداً، ولا حل في الأفق، منذ سنوات والمشكلة تتجدّد، فجأة نرى الدخان الأسود يتصاعد في كل مكان ورائحة السموم تتسلل إلى بيوتنا، نعرف أنّ هناك من يحرق النفايات بين البيوت، نغلق النوافذ في هذا الحر القاتل، بانتظار أن ينتهي الحريق'، هكذا تروي نجوى وهي أم لطفلين، تسكن في إحدى قرى عكار، وتعاني كغيرها من سكان مئات القرى في البقاع والشمال والجنوب من الإهمال وتراكم النفايات وسمومها.
يعاني لبنان من أزمات النفايات منذ ما قبل الحرب الأهلية، وحتى انتهائها وصولاً إلى اليوم، وذلك مع غياب الاتفاق السياسي على خطة واستراتيجية لهذه الأزمة، فيما باتت دول كثيرة حول العالم تستخدم النفايات لإنتاج الطاقة والكهرباء وفي الصناعات وغير ذلك. أما لبنان فما زال يتعثّر في الفرز والجمع، وفي تأمين مطامر صحية، وهذا أبسط الإيمان في أي دولة حول العالم. وشهد عام 2015 ما يمكن تسميته 'انفجار نفايات'، وهو ما أدى إلى تظاهرات في الشوارع وتحركات شعبية، مع تراكم النفايات في كل مكان، ومنذ ذلك الحين والسلطة اللبنانية تعتمد على الحلول المؤقتة، ما يؤدي إلى عودة الأزمة في كل مناسبة، إذا انتهى عقد إحدى الشركات أو وصل أحد المكبات الى قدرته الاستيعابية القصوى، ليعود السؤال ذاته: ماذا نفعل بنفاياتنا؟
استمرار أزمة النفايات ليس مجرد مشهد قبيح في الشوارع، بل هو تهديد وجودي يُلقي بظلاله السامة على كل جانب من جوانب حياة اللبنانيين، في ظل التلوث البيئي المُميت في الهواء والتربة والمياه، وانتشار الحشرات والقوارض، وتزايد الأمراض المزمنة لا سيما تلك المتعلقة بالجهاز التنفسي، مع خطر الإصابة بالسرطان.