اخبار لبنان
موقع كل يوم -النشرة
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
في مشهد يجمع بين عبق الأرض وروح الحداثة، أحيت بلدة بسكنتا مهرجان 'مواسم التفاح' بمبادرة من بلديّتها، حيث خُصّص يوم للإعلاميّين تخلّله برنامج غني بالزّيارات والنّقاشات، أبرزها جولة في 'مركز عبد الله غانم الثّقافي'، ولقاءات مع شخصيّات بارزة في العمل البلدي والثّقافي، على رأسهم رئيس البلديّة أنطوان الهراوي والقاضي غالب غانم.
خطّة طموحة للتحوّل الرقّمي
في كلمته الترحيبيّة، استعرض رئيس البلديّة أنطوان الهراوي أمام الوفد الإعلامي، ملامح خطّة بلدية بسكنتا للتحوّل الرّقمي، مؤكّدًا أنّ البلديّة تسعى إلى مواكبة التطوّر التكنولوجي العالمي، بهدف تحسين الخدمات المقدّمة للمواطنين.
وأوضح أنّ هذه الرّؤية ترتكز على أربع دعائم أساسيّة:
- إعادة الهيكلة والمكننة: انطلقت البلديّة في تحديث بنيتها الإداريّة، عبر إدخال أنظمة إلكترونيّة تسهّل المعاملات وتقلّص الرّوتين.
- التدريب الشّامل: يشمل موظّفي البلديّة وأعضاءها، إضافةً إلى أهالي بسكنتا، بهدف رفع الكفاءة وتعزيز المشاركة المجتمعيّة. وقد تقرّر إطلاق هذا البرنامج في تشرين الثّاني 2025 بدلًا من 2026.
- تحسين الخدمات: من أبرز المبادرات إطلاق خدمة النّقل المشترك عبر سيّارات الشّرطة، لتسهيل تنقل كبار السّنّ والعاجزين.
- دعم المؤسّسات والمشاريع الكبرى: ومنها مشروع طريق صنين- قناة باكيش، الّذي يشهد تقدّمًا سريعًا.
وأعلن الهراوي مهلةً زمنيّةً تمتدّ حتى 6 كانون الأوّل المقبل، لتقييم الأداء البلدي، داعيًا الأهالي إلى تعيين ممثّلين عنهم لمساءلة البلديّة في حوار مفتوح وشفّاف حول ما تمّ إنجازه وما لم يُنجَز.
وفي سياق حديثه عن التكنولوجيا، كشف الهراوي عن مشاركته في لجنة أوروبيّة تضمّ 12 خبيرًا، تهدف إلى رسم سياسة مضادّة لهيمنة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصّةً بعد سياسة 'أميركا أوّلًا' الّتي يتبنّاها الرّئيس الأميركي دونالد ترامب. وأعرب عن فخره بتمثيل فرنسا وبلديّة بسكنتا في هذه اللّجنة، مؤكّدًا أنّه اختار أن يُعرف بصفته رئيس بلديّة بسكنتا، بدلًا من صفته كرئيس مجلس إدارة شركة ذكاء اصطناعي.
وشدّد على أهميّة اعتماد التوقيع الإلكتروني في لبنان، معتبرًا أنّه خطوة ضروريّة لتقليص الاحتكاك بين المواطنين والإدارات العامّة، وتسهيل إنجاز المعاملات. وأشار إلى أنّ هذا التوقيع أُقرّ سريعًا في المجال المالي، لكنّه لا يزال يواجه عراقيل في المجال الإداري والبلدي.
منارة ثقافيّة وزراعيّة
من جهته، ألقى القاضي غالب غانم كلمةً مؤثّرةً في 'مركز عبد الله غانم الثقافي'، استهلها ببيت شعري للشّاعر سعيد عقل، ليؤكّد عمق العلاقة بين بسكنتا والإبداع. وتحدّث عن والده عبد الله غانم، الصّحافي والمربّي الّذي أسّس جريدة 'صنين' عام 1929 ومجلّة 'الدار'، مشيرًا إلى رؤيته الإصلاحيّة الّتي سبقت عصرها، إذ دعا إلى إنشاء الجامعة اللبنانية، رفض الطّائفيّة، وناصَر القضية الفلسطينية.
وأضاء غانم على الدّور الرّيادي لبسكنتا في التعليم، خاصّةً تعليم البنات منذ أوائل القرن العشرين، بفضل الإرساليّات الّتي اختارت البلدة كمركز لنشر رسالتها. كما لفت إلى تأسيس مدرسة مار تقلا في منزل عبد الله غانم بعد إقفال المدارس خلال الحرب العالميّة الأولى، ما يعكس النّزعة الثّقافيّة المتجذّرة في أبناء البلدة.
وتحدث عن العلاقة العضوية بين أهل بسكنتا والأرض، مشيرًا إلى أن الزراعة ليست فقط مصدر رزق، بل جزء من الهوية. ورغم تقصير الدولة في دعم المزارعين، فإن الأهالي يواصلون العناية بأراضيهم بإيمان وشغف.
تكريم لميخائيل نعيمة
وتخلل اليوم الإعلامي زيارة إلى 'الشخروب'، حيث مدفن الأديب ميخائيل نعيمة، أحد أعلام الفكر اللبناني. استقبل الإعلاميين المحامي نجيب نعيمة، ابن شقيق الأديب، الذي روى تفاصيل دفنه في آذار 1988 تحت صخرة كبيرة، وفق وصيته، رغم العاصفة الثلجية التي واجهت العائلة يومها.
وأوضح نجيب نعيمة رمزية تصميم القبر، نافيًا ما يُشاع عن باب شبه مفتوح يرمز لحبيبة، ومؤكدًا أن الفكرة مستوحاة من فلسفة ميخائيل نعيمة التي ترى أن الموت ليس نقيضًا للحياة، بل للولادة، في دورة وجودية لا تنتهي.
بسكنتا تجمع بين الأرض والفكر
واختتم اليوم بجولة في سوق بسكنتا، حيث استمتع الإعلاميون بقطف التفاح وتذوق منتجات غذائية محلية عالية الجودة، في مشهد يجمع بين الزراعة والثقافة، ويعكس رؤية البلدة في الحفاظ على إرثها وتطوير مستقبلها.
ويأتي مهرجان 'مواسم التفاح' في بسكنتا ضمن سلسلة مهرجانات زراعية أطلقتها بلدات لبنانية عدة، أبرزها 'مهرجان التفاح والنبيذ' في بقاعكفرا، في إطار سعي البلديات إلى دعم المزارعين وربطهم بمشاريع تنموية تضمن لهم دخلًا كريمًا، وتحصنهم من تقلبات السوق وجشع التجار.
بسكنتا، إذ تحتفي بمواسمها، تؤكد أنها ليست فقط بلدة التفاح، بل بلدة الفكر، والحرية، والانفتاح، والتجدد.