اخبار لبنان
موقع كل يوم -إذاعة النور
نشر بتاريخ: ٢١ حزيران ٢٠٢٤
غداة شهادة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد إبراهيم رئيسي ورفاقه، وقبيل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي القادم في الثامن والعشرين من حزيران / يونيو 2024،
أجرت إذاعة النور مقابلةً خاصة مع المستشار السياسي في السفارة الإيرانية في لبنان السيد بهنام خسرويحول التماسك الداخلي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية القائم على ركيزةٍ أساسية فيها، هي حاكمية الدستور الإسلامي الناظم لكلّ الحركة السياسية والتفاعلات الشعبية في كلّ محطةٍ مفصلية تشهدها البلاد منذ انتصار الثورة الإسلامية.
في ما يلي نصّ المقابلة:
س- السيد بهنام خسروي، من المعروف أن بداية صياغة دستور الثورة كانت في فرنسا عندما كلّف الامام الخميني (قده) الدكتور حسن حبيبي بكتابة مسودة وعاونه على ذلك آية الله السيد محمد باقر سلطاني طبطبائي، وكان الإمام يقرأ كلّ قسم بعد إنهائه. كيف يمكن تلخيص ما أرساه الدستور قبل الدخول في بعض التفاصيل؟
ج- ولدت فكرة صياغة دستور جديد (دستور الجمهورية الإسلامية الإيرنية) قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران في 22 بهمن 1357هـ. وخلال تواجد الإمام الخميني (قده) في باريس، بل ساهم في إعداد مسودة منه عدد من الثوار الحقوقيين. وبعد عودة الإمام إلى إيران شَكَّلت فكرة إقرار الدستور الجديد والتمديد له محل اهتمام جدّي لقادة الثورة، حيث وَعَد الإمام الخميني (قده) الشعب في الساعات الأولى من وصوله إلى إيران وفي خطابه الشهير في بهشت زهراء(ع) بتشكيل 'مجلس تأسيس'، وكانت إحدى تعليماته للمرحوم بازركان وحكومته المؤقتة بتشكيل هذا المجلس على أن يكون منتخباً من الأمة لإقرار الدستور الجديد للبلاد.
ومن هنا تقرر، بموافقة أغلبية الحاضرين في الإجتماع المشترك لأعضاء الحكومة المؤقتة ومجلس الثورة وبموافقة الإمام، أن يقوم مجلس خبراء دراسة الدستور الجديد، والذي يُنتخب من قِبَل الشعب، بدراسة الدستور المطروح ليُعرض في النهاية للإستفتاء. وبناءً على ذلك، تم انتخاب مجلس خبراء الدستور من قبل الشعب في انتخابات 29 تير 1358 (19 تموز / يوليو 1979) وبدأ عمله بعد ذلك الوقت بشهر.
وفي هذه المرحلة، قدّم الإمام (قده) من خلال توجيهاته البارعة وانطلاقاً من دوره ومكانته الفريدة في المجتمع الثوري الإيراني، التوصيات والتعليمات اللازمة لمجلس خبراء القيادة من أجل الإهتمام والإلتفات للمبادئ والأحكام الإسلامية وتجنب الميل إلى المدارس الغربية والشرقية (الليبرالية والشيوعية). وأخيراً وبعد مناقشات طويلة، تمت الموافقة النهائية على الدستور الحاصل على تأييد مجلس خبراء الدستور من قبل الشعب في استفتاء 11 و 12 آذر 1358 (2-3 كانون الاول – ديسمبر 1979).
س- كيف كرّس الدستور الإيراني مبدأ الديمقراطية في مؤسسات نظام الجمهورية الإسلامية؟ وكيف أضحى الشعب مصدرًا للسلطات؟
ج- كما نعلم، إن مسألة شرعية الأنظمة السياسية والحكومات قد أُثيرت منذ زمن طويل، وربما منذ بداية المجتمعات البشرية، وكانت دائماً مورد نقاش وبحث على مستويات مختلفة من النخب، بما في ذلك الفلاسفة ، السياسيون وغيرهم... حيث أن 'الحاكمية' أو ' السيادة ' هي بمثابة القدرة العليا أو الصلاحيات الإنحصارية داخل كل دولة أو بلد.. هي حق أيّ فرد.
وفي هذا الخصوص، يمكن التمييز بين ثلاث نظريات بشكل كلّي: 'الحاكمية الإلهية'، 'الحاكمية الفردية'، و'حاكمية الأمة أو حاكمية الشعب' (الديمقراطية).
لقد حاول دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في الفصل الخامس تحت عنوان 'حق حاكمية (سيادة) الأمة والقوانين الناشئة عنها'، تبيين أسس حاكمية نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشرح كل مؤسسة أو قوة فيها.
وبحسب المادة 56 التي تنصّ على أن 'سيادة الحاكمية المطلقة على العالم والإنسان لله، وقد جعل الإنسان حاكماً لمصيره الإجتماعي...'، وقد رأى الشرع وجود أساسَيْن لأصل السيادة الإلهية والشعبية. أساس السيادة الحاكمية الإلهية من خلال الأفضلية أو التأثير المطلق للمعايير والأحكام الإسلامية على أي تشريع أو سياسة. وأيضاً الركن الأساسي لنظام الجمهورية الإسلامية يعني ولاية الفقيه المطلقة والقيادة الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، صرّح الدستور في المادة 2: 'الجمهورية الإسلامية الإيرانية نظام يقوم على الإيمان بـ: 1- الإله الواحد (لا إله إلا الله) وله السيادة والحاكمية والتشريع ووجوب الإنقياد لأمره'.
وقد برز أساس السيادة الشعبية في نظام الجمهورية الإسلامية في مواد متعددة من الدستور. وفي هذا الصدد، بالإضافة إلى أحكام المادة 56 التي تنص: '.... وجعل الإنسان حاكماً لمصيره الإجتماعي ولا يستطيع أحد أن ينتزع هذا الحق الإلهي من إنسان أو يصنفه في خدمة مصالح فرد أو جماعة معينة، وتمارس الأمة هذا الحق الذي وهبها الله لها بالطرق المبينة في المواد التالية'.
نصّت المادة 6: 'في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يجب إدارة شؤون البلاد بالإعتماد على أصوات الشعب عبر الإنتخابات' وكذلك التأكيد على الحقوق والحريات لجميع أفراد الأمة وحرمة المساس بها (في المواد 19-20-9-24-26-27...) وحق الشعب في مراقبة تصرفات الحكومة من خلال 'الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر'، وهناك موارد أخرى تعبّر عن الأساس الشعبي لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتجعل هذا النظام السياسي يتمتع بخصائص وأركان النظام الجمهوري أو الشعبي ويلتزم بمبادئ الديمقراطية.
بناءً على ذلك، يمكن تحديد وصفيْ 'جمهورية' و 'إسلامية' اللتين تعبرّان عن الأساسَيْن الشعبي والإلهي للسيادة في نظام الجمهورية الإسلامية، وربما يكون بينهما تناقض ظاهري، من خلال أنّ غالبية الشعب المسلم الإيراني انتخب المحتوى الإسلامي في إطار الجمهورية من خلال تأييد الدستور، حيث يمكن القول إن نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدون أن يكون مجرد تقليد ونموذج للأنظمة الليبرالية والديمقراطية الغربية هو بمبادرة مؤسسيه الأوائل، وعلى رأسهم الإمام (رض)، نظام ديمقراطي له مبادئ وأسس الديمقراطية التي تتوافق مع معايير وقواعد الدين الإسلامي.
س- لو توضح لنا آليات العمل الدستورية لمؤسسات النظام وكيفية التعاون والفصل بينها؟
ج- من المظاهر الديمقراطية الأخرى لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو الإلتزام بمبدأ الفصل بين السلطات وتنفيذه باعتباره أحد المبادئ الأساسية والمركزية للديمقراطية. في المادة 57 من الدستور (التي تم تنقيحها وتعديلها عام 1979 -1358) إشعار يتعلق بتوزيع السلطات والفصل بينها: سلطات الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وتمارس أعمالها تحت إشراف ولاية الأمر المطلقة وإمامة الأمة. وهذه القوة مستقلة عن بعضها البعض، ومن خلال مراقبة هذا المبدأ والمؤسسات الناشئة عنه وكذلك فحص أدائها على مدى 45 عاماً، يمكن أن نعتقد بأنه على الرغم من أن طريقة توزيع السلطة والفصل بينها في نظام الجمهورية الإسلامية يختلف قليلاً عن النموذج الكلاسيكي والحالي من الأنظمة التي تدّعي الديمقراطية، ومن الواضح أن المؤسسة القيادية التي توضع بالتوازي أو في موقع أعلى مقارنة بالقوى الثلاث في بنية هذا النظام، تثير شبهة تركز السلطة وإساءة استعمالها، لكن بالنظر إلى المبادئ المقيدة لهذه المؤسسة، بما في ذلك الشروط الأخلاقية اللازمة لتولّي المنصب القيادي، إشراف البرلمان وجزاء القيادة، ومساواة القائد مع الشعب أمام القانون، يمكن القول إنّ الهدف الأساسي من إرساء مبدأ الفصل بين السلطات، أي منع تركزّ السلطات وانتهاك حقوق الناس، قد تحّقق، وهو ادعاء يمكن إثباته بوضوح من خلال فحص أداء القوى الثلاث، وخاصة المؤسسة القيادية، خلال فترة حياة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولذلك، فإن وضع القيادة كمؤسسة أو قوى عليا تعمل على مواءمة الطبيعة الإسلامية للنظام، أو بشكل أكثر دقة تعمل على ترجمة الطبيعة الإسلامية للنظام، لم يتسبب في تركيز السلطة ومنع إساءة استخدامها فحسب، بل أدى في كثير من الحالات إلى خروج المجتمع والنظام في إيران من الأزمات والطرق المسدودة الصعبة. ومن جملة هذه الحالات: إنشاء مجمع تشخيص مصلحة النظام من قِبَل الإمام (ره) وكسر الجمود القانوني الناجم عن الخلاف بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور في العملية التشريعية وحل بعض القضايا الأخرى المعقدة والمستعصية من خلال الطرق العادية والأساليب والقنوات المحددة في القوانين من قبل سلطة المرشد الأعلى.
س- ما هي نقاط الاختلاف في آليات عمل مؤسسات الجمهورية عمّا تنص عليه الدساتير الغربية؟
ج- رداً على الأسئلة السابقة، أشير إلى أن دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على الرغم من وجود أسس ومبادئ الديمقراطية واعتماده الكامل على أصوات وآراء مواطنيها، إلا أن تميزه بسبب محتواه الديني. كما أن له خصائص معينة حوّلها النظام السياسي الذي انبثق عنه إلى نموذج لا يمكن الاستغناء عنه في العصر الحديث. ومما يدلّ على هذه السمة المؤسسة القيادية في البنية السياسية للنظام ومكانتها العليا والرقابية على سلطات البلاد الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية). وهو، بحسب المادة 57 من الدستور، يدل على هذه السمة الفريدة والرائدة في الوقت نفسه. إن تجربة عمل مختلف مؤسسات هذا النظام السياسي، على مدى 45 عاماً، ووجود تيارات سياسية مختلفة على رأس كل مؤسسة من مؤسساته المنتخبة (السلطتان التنفيذية والتشريعية)، تشير إلى حقيقتين مهمتين:
- استقرار المؤسسات الديمقراطية للنظام السياسي.
- الدور التوجيهي والإشرافي للهيئة القيادية دون المساس بالأسس الديمقراطية لدستور جمهورية إيران الإسلامية.
س- هناك مؤسسات في الدستور الايراني لا نظير لها في الدساتير الغربية (مجلس الخبراء - مجمع تشخيص مصلحة النظام) أو موجودة باسم مختلف (مجلس صيانة الدستور). ما جدوى وفعالية هذه المؤسسات وهل هي ابتكار ايراني؟
ج- الميزة الفريدة لـلجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولأنها مبنية على التعاليم الإسلامية والشريعة الإسلامية، فقد أصبح من المحتَّم إنشاء أو توسيع صلاحيات بعض المؤسسات السياسية، بما في ذلك مجلس خبراء القيادة، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس صيانة الدستور. ولذلك، فعلى الرغم من أن وجود مؤسسة مثل مجلس صيانة الدستور كقاضٍ أساسي ومشرف على تنفيذ الدستور يشبه الكثير من الأنظمة السياسية في العالم، إلّا أن سلطة تطبيق القوانين على الشريعة الإسلامية ترتكز على نفس المضمون الديني للنظام وتفوق الأحكام الإسلامية على أي تشريع. ولذلك، يمكن الاعتقاد بأنّ إنشاء أو توسيع اختصاصات هذه المؤسسات هو أحد ابتكارات المشروع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1358 وتنقيحها عام 1368.
س- في ضوء التجربة العملية على مدى 45 عامًا.. هل يمكن القول إن الدستور الايراني استحدث نظام حكم متماسك وقوي لا تعتريه أزمات حكم دستورية؟
ج- استمرار حياة ودورة أداء مختلف الآليات والمؤسسات المنتخبة والمعينة المنبثقة عن الدستور، رغم وجود أزمات سياسية وأمنية واقتصادية عديدة وجوهرية، كاغتيال واستشهاد مسؤولين سياسيين كبار (الرئيس، رئيس الوزراء، أعلى سلطة قضائية، الخ.) يشير إلى ثلاث حقائق مهمة:
1-التعاطف والوحدة والوحدة الفطرية والتقليدية للإيرانيين ضد الأزمات ودائما رغم كل الاختلافات.
2-الكفاءة والتحديث الهيكلي لدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمؤسسات السياسية المختلفة الناشئة عنها.
3-الدور والتأثير الذي لا غنى عنه لقيادة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في تعميق تماسك ووحدة الشعب الإيراني، وكذلك ديناميات الهياكل الديمقراطية للدستور والمكانة المتفوّقة للمؤسسة الانتخابية وصندوق الاقتراع.