اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢٥ حزيران ٢٠٢٥
ها أنا أقف أمام رحيلك، ولا أملك سوى الإنحناء أمام ملاك الموت إجلالا وحزنا، لرجل قضى عمره في خدمة وطنه، ولم يكلّ من العطاء بشرف وأمانة حيث ما كان، وحيث تبوأ أعلى المواقع التي مرَّ بها، كي يخدم وطنه بشرف وتقدير وإخلاص، قلّ أن يفعلها سواه، في هذا الزمن المليء بالعثرات.
حمل همّ الوطن وهمّ طلابه في كلية التربية، وهمّ الكلمة الناطقة بالحقيقية بكل تعقّل وشرف وأمانة، كما يحمل القلب همّ النبض وانتعاش الجسد.
دكتور نايف المعلوف..
وجودك في ملاك الإدارة العامة في الدولة اللبنانية أعلى مراتبها، إذ كنت عقلا بحجم وطن، وصوتك في الكتابة الأدبية وبين طلابك، كان روحا يقتدى به، كل من عرفك، وصورتك في الوطن كانت هي المثال، لكل من طرق أبواب الإدارة العامة، لهذا كنت ضميرا حيّا ثابتا في العقول والقلوب.
تدرّجت من مديرية التعليم الابتدائي، إلى مدير عام وزارة التربية، إلى محافظ بيروت، إلى مدير عام القصر الجمهوري، ومع هذا كله كنت أستاذ بالتعاقد في كلية التربية، تعطي تلامذتك الحسّ الوطني والمحافظة على شرف الكلمة وشرف الوظيفة العامة، وهذا ما ستأخذه معك إلى أعلى الأعلين.
كنت الحاضر الأنيق في زمن يتعب من الغياب، وكنت الصديق الصدوق الوفيّ في زمن عزّ فيه الأصدقاء، والمربّي المؤتمن على رسالته، والموظف الكبير الكبير الذي لم تغرّه المناصب، بل بقي متواضعا، رقيقا، يقوم بواجباته الوظيفية بأخلاق عالية، لا يفرّق بين كبير وصغير، أو بين متنفذ وأحد أفراد الشعب، بل يعامل الكل سواسية، وكما يفرض القانون الذي لم يخالفه طيلة حياته.
لم يكنز المال وكان باستطاعته، ولم يرهن ضميره لإنسان، ولو شاء لأغتنى كما حالة الكثيرين في هذا الزمن الملتوي، رفض كل مغريات الحياة، واحتكم لضميره فقط، وعاش زاهدا بالدنيا، متحسّرا على وطنه، وشاركته المرحومة زوجته الدكتور نهاد كل تطلّعاته ومبادئه.
كنت الصديق الصدوق، فيوم شكّلنا ديوان أهل القلم، رحّبت ووثقت بي وبزملائي، وقبلت أن تكون عضوا في مجلس الأمناء، ومن الداعمين الأقوياء، وكنت أراك الأخ والصديق الصدوق، وكم كنت تفرح بي وأنا اعتلي منبر قصر الأونيسكو ثم تهنّئي وتعطيني المعنويات التي ما زالت ترافقني.
دكتور نايف، سبقتنا إلى رحاب العليّ القدير، وغدا عندما يأتي دورنا سنكون هناك معك، كي نشكّل عصبة شريفة وكلها إيمان بالوطن والمواطن الشريف على السواء.
سنحقق ما لم نستطيع تحقيقه للبنان في ظل هذه الأزمات، فلبنان سيبقى فخرك وفخرنا، والسبب أننا لم نكن مرغوبين من أولياء الأمور.
ستبقى أينما حللت، في ضميرنا الموظف الشريف الآدمي والمؤمن المؤتمن والقادر المقتدر صاحب الضمير الحيّ والمثال لكل من أراد أن يتبوأ مركزا إداريا في لبنان.
وداعا يا من سكن في ضمائرنا، ويا من علّمنا أن الإدارة ليست سلطة بل خدمة عامة وسيرة وكرامة. نمْ بسلام إلى جانب عزيزتنا زوجتك الدكتورة نهاد في حضن الأرض التي لم تخنها أبدا والتي أحبتك وأحببتها.
* رئيسة ديوان أهل القلم