اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في مدينةٍ تقف دائمًا على خطوط التماس بين الأزمات، تعود طرابلس لتستقبل لياليها على وقع أصوات لا تشبه أهلها ولا يومياتها. رصاصٌ مجهول يمزق السكون، دخان إطارات يعبر الأزقة ويعلو فوق الأبنية، وغياب كامل لهيبة الدولة.
وكأن المدينة كُتب عليها أن تدفع وحدها ثمن الفوضى، بينما تتصرّف السلطة وكأن ما يحدث في طرابلس لا يستحق سؤالًا واحدًا. ليالي طرابلس أصبحت أسيرة أصوات إطلاق نار بلا تفسير، ونهاراتها أسيرة حرق الإطارات ودخانها الذي يكبّل سماء المدينة. حتى أن هذه الأفعال باتت جزءًا من الروتين اليوميّ لسكان طرابلس. وبين الخوف والاعتياد، يعيش الناس بقلق دائم: هل هي اشتباكات؟ مداهمات فوضى سلاح؟ أم مجرّد استعراض قوّة يُتْرَك بلا محاسبة؟
هذا الغموض يجعل المشهد أكثر خطورة، لأن غياب المعلومات يفتح الباب لكلّ التأويلات، ويترك المواطنين خارج دائرة الحق الطبيعي في معرفة ما يجري في مدينتهم.
مسؤوليات غائبة
يتساءل أبناء طرابلس اليوم عن سبب تراجع الإجراءات الأمنية والدوريات التي كانت تُشكّل حدًا أدنى من الطمأنينة. لماذا تبدو المدينة دائمًا مضطرّة إلى دفع ثمن أمنها واقتصادها حتى تتذكّر الدولة إطلاق خطة أمنية، سرعان ما تُسحَب وتُهمَل وكأنها لم تكن؟
الشعور السائد أن طرابلس تُترك وحدها كلّما هدأت الأنظار عنها. مدينة ثانية في لبنان، لكن التعاطي معها غالبًا يأتي كتعاطٍ مع هامش يمكن الاستغناء عنه.
حرق الإطارات جريمة يوميّة بلا رادع
إلى جانب رصاص الليل، تنتشر ظاهرة حرق الإطارات بشكل شبه يوميّ. الدخان الأسود يخنق السكان ويزيد التلوّث، والحركة تتعطّل، فيما يغيب أي رادع أمني أو بيئي. الأخطر أن هذه العدوى امتدّت نحو عكار، ما يعكس توسّع دائرة الفوضى بدل انحسارها.
هي جريمة بيئية وصحّية بكل معنى الكلمة، تمسّ سلامة الناس، ولا يمكن تصنيفها كفعل احتجاجيّ عابر. فأين نوّاب المدينة؟ ولماذا لا تتشكّل مبادرة حقيقية بدل التلهّي بالبيانات، تارة لدعم موقف هنا وطورًا للتنديد بموقف هناك، لكن لا مبادرة تنظم لأجل رفع الفوضى من وعن طرابلس.
وفي مقابل هذا الانهيار الأمني والبيئي، يبرز سؤال لا يقلّ إلحاحًا: أين المبادرة السياسية التي تُشكّل مظلّة حماية للمدينة وأهلها؟ أليس من واجب ممثليها الدعوة إلى مؤتمر موسّع يجمع وزراء ومسؤولين معنيين، لصياغة خطة متكاملة تُنقذ المدينة وتعيد لها هيبتها واستقرارها؟
إن ما يحدث في طرابلس اليوم ليس تفصيلًا. هو أزمة أمن، وأزمة صحة عامة، وأزمة بيئة، وأزمة ثقة بين المواطن والدولة. وهذا كلّه يتطلّب تحرّكًا سياسيًا مسؤولًا، لا بيانات ولا زيارات شكلية.
طرابلس ليست مدينة فوضى. هي مدينة آمنة بطبيعتها، هادئة بطباع أهلها، محافظة على نسيجها رغم كل العواصف. لكن استمرار هذا الواقع يهدّد إحساس الناس بالأمان ويقضم ما تبقى من اقتصادهم وسلامتهم.
طرابلس تستحق أن تُحمى لا أن تُترَك. وتستحق دولة تُعاملها على أنها مدينة، لا ساحة تُرْمى فيها الأزمات ثمّ يُطوى الملف.











































































