اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
أصبح لبنان من بين أكثر الدول ازدحاما بالسيارات على مستوى العالم، إذ يحتل المرتبة الخامسة عشرة عالميا من حيث كثافة السيارات على الطرقات. هذا الارتفاع الكبير في أعداد المركبات لا يقتصر تأثيره على حياة المواطنين اليومية من حيث التأخر في التنقل وضغط المرور، بل يمتد ليشمل أبعادا بيئية خطرة تهدد جودة الهواء واستدامة الموارد الطبيعية.
تؤدي الزيادة المستمرة في أعداد السيارات إلى تراكم الانبعاثات الناتجة من الاحتراق الداخلي للوقود الأحفوري، مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) وأكاسيد النيتروجين (NOx) والجسيمات الدقيقة (PM2.5). وهذه الملوثات تشكل خطرا مباشرا على صحة الإنسان، حيث تزيد من معدلات الأمراض التنفسية والقلبية، وتؤدي دورا في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري على الصعيد الوطني والدولي.
تداعيات الازدحام على جودة الهواء في لبنان
تظهر الدراسات أن الازدحام المروري في المدن اللبنانية، خصوصا بيروت والمناطق الحضرية الكبرى، يرفع تركيز الملوثات بشكل كبير، خاصة في ساعات الذروة. فالمركبات المتوقفة لساعات طويلة أو المتحركة بسرعة منخفضة تنتج كميات أكبر من العوادم الضارة مقارنة بالحركة الانسيابية. وتشير الأبحاث إلى أن مستويات الأوزون الأرضي والجسيمات الدقيقة ترتفع بشكل ملحوظ في المناطق المزدحمة، مما يؤدي إلى زيادة حالات الربو والتهابات الجهاز التنفسي لدى السكان المحليين، خصوصا الأطفال وكبار السن.
كما أن التلوث الهوائي الناجم عن السيارات يزيد العبء الاقتصادي على لبنان، سواء من خلال الضغط على القطاع الصحي لعلاج الأمراض المرتبطة بالتلوث، أو من خلال التأثير على الإنتاجية اليومية نتيجة تأخر التنقل وتراجع كفاءة الحركة المرورية.
الاحتباس الحراري وانبعاثات الكربون في لبنان
إضافة إلى التأثير المباشر في صحة الإنسان، يشكل الازدحام المروري في لبنان عاملًا رئيسا في زيادة الانبعاثات الكربونية التي تسهم بشكل مباشر في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. فالوقود الأحفوري المستخدم في تشغيل السيارات، بما في ذلك البنزين والديزل، ينتج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، وهو أحد أهم الغازات الدفيئة التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض على المدى الطويل.
ويشير خبراء البيئة إلى أن قطاع النقل في لبنان يمثل نسبة ملحوظة من إجمالي الانبعاثات الكربونية الوطنية، حيث يسهم الازدحام المستمر، وتوقف السيارات لفترات طويلة، والسير بسرعة منخفضة في زيادة معدل الانبعاثات لكل كيلومتر تقطعه السيارة. هذا الأمر يجعل من الحد من ازدحام الطرق في المدن اللبنانية خطوة ضرورية في أي استراتيجية وطنية تهدف إلى التخفيف من تأثيرات التغير المناخي.
بالإضافة إلى ذلك، تؤدي الانبعاثات الكربونية المتزايدة إلى تأثيرات بيئية متراكمة، تشمل ارتفاع درجات الحرارة المحلية، زيادة شدة موجات الحر، وتغير نمط الهطلات المطرية، ما يهدد الزراعة والمصادر المائية ويزيد من تدهور التنوع البيولوجي. كما أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج من الانبعاثات يعزز تكوين الأوزون الأرضي والجسيمات الدقيقة في المدن، ما يزيد من حدة التلوث الهوائي ويضاعف المخاطر الصحية على السكان.
ويضيف الباحثون أن لبنان، بسبب طبيعة تضاريسه ومحدودية المساحات الخضراء في المناطق الحضرية، يواجه تحديات إضافية في امتصاص الكربون وتقليل أثر الانبعاثات. لذلك، فإن إدخال سياسات للحد من الاعتماد على السيارات الخاصة، وتشجيع النقل الجماعي، واعتماد السيارات الكهربائية والهجينة، إلى جانب التوسع في التشجير والمساحات الخضراء، يشكل جزءًا لا يتجزأ من الحلول طويلة المدى لمواجهة آثار الاحتباس الحراري وتحسين جودة الحياة في المدن اللبنانية.
تلوث الهواء وزيادة معدلات السرطان في لبنان
أظهرت دراسات صحية محلية ودولية أن تلوث الهواء الناتج من الانبعاثات الكربونية وانبعاث الجسيمات الدقيقة من السيارات ووسائل النقل الأخرى يزيد من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان، لا سيما سرطان الرئة. وتشير إحصاءات وزارة الصحة اللبنانية ومنظمات صحية دولية إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بالسرطان في المدن اللبنانية الكبرى، حيث تتزامن الكثافة المرورية العالية مع مستويات ملوثة من الجسيمات الدقيقة والأوزون الأرضي.
ويؤكد خبراء الصحة العامة أن التعرض المستمر للملوثات المرتبطة بالسيارات لا يضر بالرئة فحسب، بل يمكن أن يؤثر أيضًا في القلب والجهاز المناعي، ما يجعل الحد من الانبعاثات أمرًا حيويًا لحماية السكان من الأمراض المزمنة والسرطانية على حد سواء. ومن هنا يظهر الرابط المباشر بين أزمة المرور، الاحتباس الحراري، وتدهور الصحة العامة، مما يجعل معالجة ازدحام السيارات في لبنان جزءًا أساسيًا من أي استراتيجية بيئية وصحية شاملة.
ويضيف الباحثون أن لبنان، بسبب طبيعة تضاريسه ومحدودية المساحات الخضراء في المناطق الحضرية، يواجه تحديات إضافية في امتصاص الكربون وتقليل أثر الانبعاثات. لذلك، فإن إدخال سياسات للحد من الاعتماد على السيارات الخاصة، وتشجيع النقل الجماعي، واعتماد السيارات الكهربائية والهجينة، إلى جانب التوسع في التشجير والمساحات الخضراء، يشكل جزءًا لا يتجزأ من الحلول طويلة المدى لمواجهة آثار الاحتباس الحراري، وتحسين جودة الهواء، والحد من المخاطر الصحية بما فيها السرطان.
الحلول الممكنة: من النقل المستدام إلى السيارات الكهربائية
لمواجهة هذه الأزمة البيئية، تسعى بعض المبادرات في لبنان إلى اعتماد سياسات شاملة للنقل المستدام. من أبرز الحلول تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة من خلال تشجيع وسائل النقل الجماعي، مثل الحافلات وسيارات الأجرة المشتركة، إلى جانب تطوير مسارات مخصصة للدراجات والمشي في المدن الكبرى.
كما يمثل التحول نحو السيارات الكهربائية خطوة مهمة لتقليل الانبعاثات الضارة، حيث تعتمد هذه المركبات على الطاقة الكهربائية النظيفة بدلًا من الوقود الأحفوري، ما يقلل من الملوثات الهوائية بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبنان الاستفادة من نظم ذكية لإدارة المرور، مثل إشارات المرور المرنة وأنظمة مواقف ذكية لتقليل الاختناقات المرورية في العاصمة والمناطق الحضرية.
إذا لم يتم التعامل مع أزمة الازدحام في لبنان بشكل فعال، فإن التدهور البيئي قد يؤدي إلى عواقب طويلة الأمد تشمل تغيرات مناخية أسرع، زيادة حالات الأمراض المزمنة، وفقدان جودة الحياة في المناطق الحضرية. من ناحية أخرى، فإن تبني استراتيجيات النقل المستدامة يمكن أن يحقق فوائد مزدوجة: تحسين صحة المواطنين والحفاظ على البيئة، إضافة إلى تعزيز الاقتصاد من خلال زيادة كفاءة التنقل وخفض التكاليف المرتبطة بالتلوث وتأخر الإنتاجية.
أخيراً، تُظهر أزمة الازدحام المروري في لبنان بوضوح كيف يمكن للنشاط البشري أن يؤثر على البيئة والصحة العامة في آنٍ واحد. فالتكدس المروري لا يرفع الانبعاثات الكربونية فحسب، بل يفاقم الاحتباس الحراري ويزيد من تلوث الهواء، ما ينعكس سلبًا على صحة السكان ويزيد من معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، بما في ذلك السرطان. ومن هنا تتضح الحاجة الماسة إلى اعتماد استراتيجيات شاملة تجمع بين الحد من استخدام السيارات الخاصة، وتعزيز النقل الجماعي، وتبني تقنيات النقل النظيف، وزيادة المساحات الخضراء. فالتصدي لهذه الأزمة لا يحمي البيئة فحسب، بل يشكل استثمارًا مباشرًا في صحة اللبنانيين وجودة حياتهم، ويضع لبنان على طريق التنمية المستدامة.











































































