اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٣ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل..
لم تعد أحداث السويداء الأخيرة مجرّد احتجاجات محلية عابرة؛ فالصوت الذي خرج من الجبل لم يتردد فقط بين قرى الجنوب، بل تردّد صداه في عموم سوريا، وترك أثره في حسابات الأطراف الفاعلة، من دمشق إلى شمال شرق البلاد، حيث تتمركز 'قوات سوريا الديمقراطية' (قسد).
فبالنسبة لقسد – بحسب محللين –، كانت هذه الأحداث لحظة كاشفة.. رأت فيها دليلاً جديداً على أن الحلول الأمنية التي تعتمدها السلطة المركزية لم تعد صالحة، لا مع الأقليات ولا مع أي مكوّن اجتماعي مستقل نسبياً.. وبالتالي، شعرت قسد بأن الوقت حان لتجديد خطابها السياسي – ليس فقط في مطالب الحفاظ على وحداتها العسكرية والإدارية في شرق سوريا، بل أيضاً في التمسك بمشروع الإدارة الذاتية على قاعدة اللامركزية، كخيار وحيد يحفظ الاستقرار.
في الوقت نفسه، كشفت ردود فعل الجيش السوري على ما جرى في السويداء عن استمرار الذهنية العسكرية التقليدية، بل و'الفصائلية الجهادية'، كما يصفها بعض المقربين من قسد. إذ لا تزال السلطة تتعامل مع التنوع داخل سوريا بوصفه عبئاً أمنياً، لا أساساً لبناء وطني مشترك. لذلك، تطالب قسد اليوم بإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية بطريقة تسمح بدمج قواتها ضمن وزارة الدفاع، وتمنح ممثليها موقعاً في مستويات القيادة العليا، بما يضمن التوازن داخل جسم الدولة.
لكن ما جعل قسد ترفع نبرتها أكثر من أي وقت مضى، هو إدراكها أن ما جرى في السويداء قد يُضعف، ولو جزئياً، موقف دمشق إقليمياً ودولياً. فدول مثل الولايات المتحدة، التي لطالما تبنّت سياسة الموازنة بين احتواء النظام الجديد ومنع سقوطه، قد ترى الآن في ضعف السلطة فرصة لدفعها نحو تسوية أوسع تشمل الأكراد. كذلك، فإن دخول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مسار تفاوضي غير معلن مع حزب العمال الكردستاني، وضع حدوداً جديدة لقدرة أنقرة على مهاجمة قسد عسكرياً، بحجة ارتباطها بالحزب.
كل هذه التطورات تضافرت لتُبلور موقفاً كردياً جديداً. ولعل أبرز مؤشر عليه، اللقاء الأخير الذي جمع القائد العام لقسد مظلوم عبدي مع المبعوث الأميركي.. لقاء حمل رسالة واضحة: قسد ترفض أي سيناريو يتجاوز وجودها العسكري، وتطالب بدور مستقبلي واضح في سوريا، لا كمجرد قوة عسكرية محلية، بل كجزء أصيل من المعادلة الوطنية في الحرب والسلم.
أحداث السويداء، إذًا، لم تكن نهاية فصل، بل بداية سؤال كبير: هل تستطيع سوريا أن تعيد تشكيل نفسها بطريقة تعترف بالتعددية، وتدمج القوى الناشئة ضمن نظام سياسي – عسكري جديد؟ أم أن الطريق لا يزال طويلاً أمام تسوية كهذه؟