اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٧ أيلول ٢٠٢٥
نظّم 'ملتقى بيروت' ندوة حول انتخابات العام 2016 :هواجس وآفاق، تحدّث فيها النائب السابق الدكتور عمّار حوري، وحضرها النواب فؤاد مخزومي وفيصل الصايغ ووضّاح الصادق وملحم خلف وبلال الحشيمي، والوزراء السابقون طلال المرعبي وسمير الجسر وخالد قباني وحسن السبع ونقولا نحاس والنواب السابقون فارس سعيد وناصر نصر الله وأمين وهبي وفعاليات سياسية وجامعية وإعلامية واقتصادية واجتماعية.
بدات الندوة بترحيب رئيس الملتقى الدكتور فوزي زيدان بالمحاضر والحضور، وممّا جاء في كلمته: 'يشكو الكثير من اللبنانيين من قانون الانتخاب الحالي المعمول به منذ العام 2017، الذي يجبرهم على انتخاب مرشّح واحد داخل اللائحة، ولا يحقّ لهم اختيار مرشّح أو مرشحين آخرين في لوائح أخرى، ويطالبون بتعديله.
ولا بدّ من الإشارة أنّ للقانون إيجابيات وسلبيات. ومن أبرز إيجابياته استخدام أوراق اقتراع رسمية تحمل أسماء اللوائح والمرشّحين، ممّا يقلّل من احتمالات التزوير ويوفّر ضمانات أكبر لصحة العملية الانتخابية، إضافة إلى آليات التصويت التفضيلي للمرشّح داخل اللائحة المختارة ممّا يمنح الناخب دوراً أكبر في اختيار النواب الممثّلين لطائفته.
أمّا أبرز سلبيات القانون اعتماده على نظام الصوت التفضيلي، حيث يحقّ للناخب التصويت لصالح مرشّح معيّن داخل اللائحة، ما قد يفتح الباب أمام تفاوت في أصوات المرشّحين، ووجود أصوات تفضيلية تفتقر إلى الشفافية. واختلاف أحجام الدوائر الانتخابية الذي يمنح تفوقاً غير متساوٍ، إذ تؤدّي الدوائر الكبرى إلى صعوبة في تمثيل الناخبين وتوزيع أصواتهم، وتمنح المرشّحين ذوي النفوذ فرصاً أكبر، الأمر الذي يعزّز الفرز الطائفي وسياسات الزبائنية، وإمكانية استخدام المال السياسي وشراء الأصوات تحت ستار المساعدات الاعتيادية، والتناقض في قانون منع الرشاوى الذي يترك ثغرات للمرشّحين النافذين، بالإضافة إلى غياب الآلية الفعالة لمراقبة حركة الأموال وعدم كفاية عمل هيئة الإشراف على الانتخابا'.
وتابع، 'تتركّز التعديلات المطلوبة على قانون الانتخاب الحالي حول آليات التصويت، التمثيل، وتطبيق القوانين القائمة. كما أنّ هناك حاجة ماسة لمراجعة قانون الانتخاب لتعزيز الشفافية وتقليل الفساد الانتخابي، والتركيز على آليات تمويل الحملات الانتخابية، وتبسيط الإجراءات لزيادة مشاركة الناخبين'.
وأضاف،'كان لبنان يعتمد، قبل النظام الحالي، النظام الأكثري الذي يهدف إلى تحقيق التوازن بين مختلف المكوّنات الدينية، وضمان تمثيل الطوائف وإعطاء صوت للمجتمعات الصغيرة، لكنه يؤدي، في الوقت ذاته، إلى تعزيز الطائفية وإضعاف المواطنة الجامعة.
أمّا قانون الانتخاب الحالي فإنّه لا يلتزم باتفاق الطائف ويزيد الانقسام الوطني حدّة، كما أنّ النظام النسبي الكامل يحتاج إلى وجود أحزاب كبيرة تضمّ أعضاء من مختلف مكوّنات الشعب اللبناني، وهذا غير متوفّر حالياً. لذا، فإنّ النظام المختلط الذي يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي هو النظام الأنسب للتركيبة اللبنانية. وقانون الانتخاب المختلط الذي وضعته لجنة وطنية برئاسة الوزير الراحل فؤاد بطرس، هو قانون عادل في تقسيماته الانتخابية، ويعتمد على تقسيم الدوائر إلى ست دوائر كبرى تخضع للنظام النسبي يأتي بنتيجتها 51 نائباً، ودوائر صغرى تخضع للنظام الأكثري يأتي بنتيجتها 77 نائباً'.
وختم قائلاً، 'إننا نأمل بأن يسمح قانون الانتخاب الجديد أو الإبقاء على القانون الحالي بعد إدخال تعديلات جوهرية عليه، بوصول نخب سياسية جديدة لم تتلوّث بأوبئة الطائفية والمذهبية وفساد الأخلاق والجشع، ويؤدّي إلى قيام دولة عصرية'.
ثمّ بدأ الدكتور عمّار حوري كلمته بتوجيه الشكر على هذه الاستضافةِ الكريمةِ في ملتقى بيروت، هذا الملتقى الذي شكّل وبفترةٍ قياسية، قيمة مضافةً حقيقيةً إلى حياتِنا الوطنيةِ عموما والبيروتيةِ خصوصاً، واستحدثَ منبراً راقياًً نتشرّفُ به جميعاً.
وقال، 'اسمحوا لي أن أتناولَ في هذا اللقاء خمسةَ عناوين متعلقةً بقانون الانتخاب، أولُّها ما نصّ عليه اتفاقُ الطائف، وثانيها ما نصّ عليه الدستور، وثالثُها ما جاء في تقريرِ لجنة فؤاد بطرس، ورابعُها ما جاء في مقالتي في جريدة النهار عام 2014، وخامسُها القانونُ الحاليُّ النافذُ بما عليه وما عليه، وصولا إلى المُرتجى وآفاقِ التحسيناتِ الممكنة.
في العنوان الأول: حدّد الطائف، وأقتبسُ هنا، 'في باب الإصلاحات السياسية أنّ الدائرةَ الانتخابيةَ هي المحافظة، وإلى أنْ يضعَ مجلسُ النواب قانونَ انتخابٍ خارج َالقيدِ الطائفي تُوزع المقاعدُ النيابيةُ وفقاً للقواعد التالية: بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، ونسبياً بين طوائف كلٍّ من الفئتين، ونسبياً بين المناطق.' وأوْصى الطائفُ 'بزيادة عدد النواب الى (108) مناصفةً بين المسلمينَ والمسيحيين' بعد أن كان (99)، وتحدَّثَ في نفسِ باب الإصلاحاتِ السياسية عن أنه 'ومع انتخابِ أولِ مجلسِ نوابٍ على أساسٍ وطنيٍّ لا طائفي يُستحدث مجلسٌ للشيوخ تتمثلُ فيه جميعُ العائلات الروحية وتنحصرُ صلاحياتُه في القضايا المصيرية.' وفي بابِ الإصلاحاتِ الأخرى وحولَ قانونِ الانتخاباتِ النيابية تحدَّث الطائفُ عن 'اجراء انتخابات نيابية وفقا لقانونِ انتخابٍ جديدٍ على أساسِ المحافظة، يراعي القواعدَ التي تضمنُ العيشَ المشتركَ بين اللبنانيين وتُؤمِّنُ صحةَ التمثيلِ السياسي لشتَّى فئاتِ الشعبِ وأجيالِهِ وفعاليةَ ذلكَ التمثيل، بعدَ إعادةِ النظرِ في التقسيمِ الإداري في إطارِ وحدةِ الأرضِ والشعبِ والمؤسّسات.' انتهى الاقتباس، وبتقييمِ ما جاءَ في الطائف حولَ هذا العنوان نرى أنّ جميعَ قوانين الانتخاب منذ عام 1992 وحتى اليوم قد خَرقت بشكلٍ كبيرٍ ما تمّ الاتفاقُ عليه في الطائف، فلم تتمْ اعادةُ النظرِ بالتقسيمِ الإداريِ المتعلقِ بالمحافظة، ولمْ تتمْ مراعاةُ القواعدِ التي تضمنُ العيشَ المشترك، ولم يستقرْ عددُ النواب على 108، ولم يتمْ وضعُ قانونٍ خارجَ القيدِ الطائفي، ولم يتمْ استحداثُ مجلسٍ للشيوخ، وبَقِيَتْ وَحدةُ الأرضِ والشعبِ والمؤسّساتِ أُمْنِيةً بعيدةً عن التطبيق. إنَّ أسوء ما تمّ تطبيقُهُ في اتفاق الطائف، في قانونِ الانتخابِ وغيرِه، هو تحويلُهُ إلى محاصصةٍ في أسوءِ أشكالها بدلاً من أنْ يُعبّرَ عن شراكة في المسؤولية. بلْ إنَّ الأكثرَ سوءاً هو إغراقُ الطائفِ زوراً في الطائفيةِ السياسيةِ بدلَ التحررِ منها'.
وتابع، 'في العنوان الثاني: وأقتبس، حدَّد الدستورُ في المادة 21 سنَّ الناخب ب 21 سنة، وشرَّع في المادة 22 ما جاء في اتفاقِ الطائفِ حولَ مجلسٍ للشيوخ، وكرَّر في المادة 24 القواعدَ التي نصَّ عليها الطائفُ في توزيعِ المقاعدِ النيابية، ونصّت المادة 95 'على مجلسِ النوابِ المنتخبِ على أساسِ المناصفةِ بين المسلمينَ والمسيحيين اتخاذُ الإجراءاتِ الملائمةِ لإلغاءِ الطائفيةِ السياسيةِ وفقَ خطةٍ مرحليةٍ وتشكيلِ هيئةٍ وطنيةٍ برئاسة رئيسِ الجمهورية تضمُّ بالإضافةِ الى رئيسِ مجلسِ النواب ورئيسِ مجلسِ الوزراءِ شخصياتٍ سياسيةً وفكريةً واجتماعية. مَهَمَّةُ الهيئةِ دراسةُ واقتراحُ الطرقِ الكفيلةِ بإلغاءِ الطائفيةِ وتقديمِها إلى مجلسِ النوابِ والوزراءِ ومتابعةِ تنفيذِ المرحلة.' انتهى الاقتباس. وكما مصيرُ ما تمّ الاتفاقُ عليه في الطائف لَقِيَتْ هذه الموادُ الدستوريةُ نفسَ المصير بعيداً عن التطبيق، فبَقِيَ سنُّ الناخب 21 ولم يُخفَّضْ إلى 18، ولم نصلْ إلى مجلسٍ للشيوخ، ولم تُحترمْ قواعدُ توزيعِ المقاعدِ النيابية، ولم يتمْ أيُّ شيءٍ باتجاهِ الغاءِ الطائفيةِ السياسية'.
وأضاف، 'في العنوان الثالث: بتاريخ 8/8/2005 قرّر مجلسُ الوزراء تشكيلَ الهيئةِ الوطنيةِ الخاصةِ بقانونِ الانتخاباتِ النيابية والتي اشتُهرت بلجنةِ فؤاد بطرس 'لوضع قانونِ الانتخابِ الذي يؤمّن، ضمن الأسسِ والمعاييرِ التي نصَّتْ عليها وثيقةُ الوفاق الوطني التمثيلَ الصحيحَ للشعبِ اللبناني في الإطارِ الديمقراطيِّ البرلماني.' وشكّل مجلسُ الوزراء الهيئةَ برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس، وعضويةِ السادة: غالب محمصاني، ميشال تابت، زهير شكر، غسان أبو علوان، زياد بارود، نواف سلام (الذي عهدت اليه الهيئة بمهام أمانة السر)، عبد السلام شعيب، فايز الحاج شاهين، بول سالم، خلدون نجا، وأراد إكمكجي.
بتاريخ 31/5/2006 أنجزتْ الهيئةُ الوطنيةُ الخاصةُ بقانونِ الانتخاباتِ النيابيةِ تقريرَها ورفعَتْه إلى رئاسةِ مجلس الوزراء، متضمنا اقتراحاتٍ أبرزُها: تشريعُ شرعةِ حقوق الناخبِ والمرشح، وأن تجري الانتخاباتُ في ظلِّ حكومةٍ يكونُ رئيسُها وجميعُ أعضائِها من غيرِ المرشحين، وعدمُ جوازِ تعديلِ قانونِ الانتخابِ ضمنَ السَنة التي تسبقُ انتهاءَ ولاية مجلس النواب، وبصورةٍ استثنائية ٍمؤقتةٍ أنْ تضمَّ كلُّ لائحة عدداً من المرشحات يحددُ قانونُ الانتخاب نسبَتَهن، وتمكينُ المواطنين اللبنانيين غيرِ المقيمين على الأراضي اللبنانية من الاقتراع، وتخفيضُ سنّ الاقتراع من 21 إلى 18 سنة، وتخصيصُ كوتا للنساءِ على مستوى الترشيح، وإنشاءُ الهيئةِ المستقلةِ للانتخابات، واعتمادُ النظام المختلط الذي يجمعُ النظامَ الأكثريَّ في الدائرة الصغرى(الأقضية او الوحدات الانتخابية) ويُنتخبُ فيه 77 نائبا على مستوى القضاء، والنظامَ النسبيَّ في ست دوائر كبرى(المحافظات الخمس التاريخية بعد قسمة محافظة جبل لبنان الى محافظتين) ويُنتخبُ فيه 51 نائبا على مستوى المحافظة، وكل ذلك في دورةِ اقتراعٍ واحدة، ونظّم التقريرُ أيضاً الانفاقَ الانتخابي كما نظّم أيضاً الإعلامَ والإعلانَ الانتخابيين لتأمين العدالةِ والتوازنِ وتكافؤِ الفرصِ بين المرشحين. انتهتْ أبرز اقتراحات الهيئة، والتي يمكن اعتبارُها، وإلى حدٍّ كبير، نقلةً نوعيةً باتجاه تطويرِ قانونِ الانتخاب إلا أنّ ما نُفذ من اقتراحاتها كان محدوداً، فترشّح رؤساءُ وأعضاءُ الحكوماتِ للانتخاباتِ النيابية، وتمّ تعديلُ قانونِ الانتخابات، ودائماً، في السنةِ التي تسبقُ انتهاءَ ولايةِ مجلسِ النواب، وسقطتْ كوتا النساء في الترشيح، وتمّ تشويهُ طريقةِ انتخابِ غير المقيمين، ولمْ يُكتب للنظام المختلط أنْ يرى النور'.
وتابع، 'في العنوان الرابع: بتاريخ 22/12/2014 نشرتُ مقالةً في جريدة النهار تحت عنوان 'قانونُ الانتخاب لنْ يحلَّ مشاكلنا'، وأقتبسُ من المقالة: فيما ينطلق مجلسُ النواب مجددأً بلجنةٍ مصغرةٍ للبحث في ملف ّالانتخابات النيابية، أرى أنّ إقرارَ قانونٍ جديدٍ حاجةٌ وطنيةٌ وإصلاحيةٌ لا شك فيها، لكنْ في الوقت نفسه، حتى لو توصَّلنا إلى قانونِ انتخابٍ أقربْ إلى الكمال، فلنْ ُتحلَّ مشاكلُنا دون ترجمة حقيقية لحلول سياسية. وفي كل الأحوال، إنّ التمثيلَ الصحيحَ في المجلس النيابي لا يمكنُ أن يكونَ بالعودةِ إلى عصرِ القبائلِ الطائفيةِ أو المذهبية، فالدائرةُ ذاتُ اللونِ الطائفيِّ أو المذهبيِّ الواحد لا علاقةَ لها بلبنانَ العيشِ الواحدِ المشترك. لذلك أجددُ الرفضَ القاطعَ لاقتراحِ القانونِ الأرثوذكسي الذي اعتبرُ أنه سيجعلُنا قبائلَ متناحرة تستعملُ لغةَ تخاطب جاهلية، وهو في رأيي الوصفةُ الأكيدةُ لإنهاءِ لبنانَ الميثاقي.' وقلتُ أيضاً: 'إنّ موضوعَ الانتخاباتِ النيابية يقودُنا الى اتفاق الطائف الذي أمّن النهاية السعيدة لحروب أهلية دمّرت البشرَ والحجر في لبنان، إنه تسويةٌ لبنانيةٌ برعايةٍ عربيةٍ ودولية، لكنه في الوقتِ نفسِه شكّل الخيارَ الإيجابيَّ الوحيدَ المتاح لانقاذِ لبنان، والا فانَّ الخيارَ البديلَ هو القضاءُ على لبنانِ العيشِ الواحدِ المشترك، والعودةُ إلى تعدديةٍ قبليةٍ ميليشيويةٍ تتخاطبُ بلغةِ القتلِ والتهجير. صحيحٌ أنّ بعضَ الاتفاق قد نفّذ، لكن بعضَه الآخر إما نفّذ بشكل تشوبه شوائب، وإما لم ينفذ. وعليه فإنّ المَهمةَ الملقاةَ على عاتِقِنَا تكمنُ في تنفيذ ما لم ينفّذ، وتنقيةُ الشوائب مما نفّذ، وليسَ بقلبِ الطاولةِ على الاتفاق برمّته، والذهابِ إلى المجهول الخطر.' ولا بدّ من التمييز بين أمرين أساسيين في اتفاق الطائف: الأمرُ الأول هو الجانب الميثاقي في هذا الاتفاق والذي أصبح يشكل مقدمة الدستور، والذي لا يجوز المساسُ به تحت أيّ ظرف من الظروف. أما الأمر الثاني فهو الإصلاحاتُ ومن ضمنها قانون الانتخاب، فقوانين الانتخابِ المتعاقبة لا علاقةَ لها بما اتفقنا عليه في الطائف سواءٌ لجهة اعتماد المحافظة بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسّسات. أو استحداثِ مجلس الشيوخ، أو الغاءِ الطائفية السياسية'.
وقال، 'برغمِ كلِّ ما تقدّم، أعتبرُ أنّ المشكلة الأساس المتعلقةَ بأزمة تكوينِ السلطةِ ليست في نصوصِ اتفاق الطائف ولا في الدستور ولا في النظام الداخلي لمجلس النواب، بل في الأداء السياسي للبعض الذي أدى إلى هذا الانقسام العامودي الحاد. فمجلسُ النواب حين يعجزُ عن التشريعِ أحياناً أو يفشلُ في انتخاب رئيس للجمهورية لا يقتصرُ السببُ على نصِّ هذه المادة او تلك، بل السببُ الأساس هو في التعقيداتِ السياسية التي تترجم تأثرَ لبنانَ بالصراعات الإقليمية الكبرى والتي لا تُعالجُ فقط بقانون انتخاب هنا أو قانون بلديات هناك. إنّ الدولةَ هي مجموعُ مصالح المواطنين، وليستْ مصلحةَ فريق دون آخر. والدولةُ هي الدولةُ الآمنةُ التي يعمُّ أمنُها على جميعِ مواطنيها وليسَتْ الدولةَ الأمنية. إنَّ ما حصلَ في السنوات الماضية وفي كثير من الحالات كان افتعالَ وضعٍ ثم التذرعُ به، فما من قانونِ انتخابٍ يُفترضُ بذاتِهِ أنْ ينطلق من نيةِ مصادرةِ إرادة الناس، لكنَّ بعضَ من يشرِّعون وينفّذون يمارسونَ مصادرة رأي الناس. انتهى الاقتباس'. وتابع، 'أيها الأحبة، ليس المهمُّ وجودَ قانون انتخاب فقط، بل الأهم أنْ يكون القانونُ معبِّرًاً حقيقياً عن خياراتِ الناس الحقيقيةِ الديمقراطية، إنّ قيامَ الدولةِ مهم، لكنَّ الأهمَّ هو وجودُ هيبة الدولة. الأهم أن تكونَ هذه الهيبةُ حصريةً بيد السلطة الشرعية لتتيح فرصا متساوية للمرشحين، الأهم أن يتمكنَ المرشحُ أيُّ مرشحٍ والمنتخبُ لاحقاً كنائبٍ أنْ يمارسَ دورهُ الأساسيَّ في الرقابةِ والتشريع دون أنْ يتعرضَ للتهديد والاغتيال وخير مثال على ذلك النواب الشهداء الرئيس رفيق الحريري وباسل فليحان وجبران تويني وبيار الجميّل ووليد عيدو وانطوان غانم، الأهم أن يتمكن النائبُ من الوصول إلى مقر مجلس النواب دون إعاقةٍ باحتلال الطرقات والساحات وتعطيلِ عمل الندوة النيابية وخيرُ مثالٍ على ذلك تعطيلُ انتخاب رئيس للجمهورية وصولاً لفرض رئيس على قياس البعض، الأهم أن يواكبَ القضاءُ النزيهُ السلطةَ الشرعيةَ بجميع مكوناتها وتطبيقُ القانون. أكرر إنَّ قيام الدولة مهم، لكنَّ الأهم هو وجودُ هيبة الدولة'.
وأضاف، 'في العنوان الخامس: إنَّ قانونَ الانتخاب الحالي النافذَ والصادرَ عام 2017، والذي كان لي شرفُ التصويت ضدَّه، كما كان لي شرفُ التصويتِ أيضاً ضد قوانينَ أخرى وضد خياراتٍ أخرى أبرزُها انتخابُ أحدِهم لرئاسة الجمهورية وأوصلنا باعترافِهِ إلى جهنم، هذا القانونُ الحالي هو القانونُ الأبعدُ عن اتفاقِ الطائف، وعن نصِّ وروحِ الدستور، وعن تقريرِ لجنةِ فؤاد بطرس، وعن كلِ النقاشات الموضوعيةِ الباحثةِ عن المصلحة العامة لا المصالحَ الضيقة. وهذا القانونُ بما عليه وما عليه، يفرّقُ بين الأخِ وأخيه، ويجعلُ الخصمَ الأولَ للمرشح هو حليفُهُ المفترضُ زميلُه في نفسِ اللائحة. وهذا القانون التقتْ فيه بعضُ المصالحِ ضدَّ المصلحة العامة، فاستمرَّ هذا القانون في المادة 1 في جعل عدد النواب 128 وليس 108 كما تم الاتفاق عليه في الطائف، وكرّس الموضوعَ الطائفي في المادة 2 بدلاً من الذهاب باتجاه إلغاء الطائفية السياسية، وتسبَّبَ هذا القانون لا سيما في المادتين 111 و 118 في التباسٍ كبيرٍ متعلقٍ بانتخابِ غير المقيمين وفي بدعةِ تخصيصِ مقاعدَ لهم، وبرغمِ أنَّ هذا القانون قدّم في المادة 84 خطوةً إصلاحيةً متعلقةً بالبطاقة الالكترونية الممغنطة، بما تقتضيه حُكماً من ميغا سنترز، إلا أنَّ هذه الخطوة بقيتْ حبراً على ورق وتمّ اجهاضُها فعلياً بعدمِ قيام السلطةِ التنفيذيةِ المتعاقبةِ باتخاذِ الإجراءات ِالآيلةِ لتنفيذ هذه الخطوة الإصلاحية، وارتكبَ القانونُ الحالي في المادة 98 مجزرةً بحقّ الديمقراطية حين حصر العمليةَ الانتخابيةَ بنظامٍ نسبي حصراً في ظل نظام طائفي لا تستقيم معه النسبية المطلقة، وحَصَرَ الصوتَ التفضيليَّ بصوتٍ واحد والغى النظام الاكثري برمته ولم يتجهْ حتى للنظام المختلط'.
وتابع، 'وبعد استعراضِ هذه العناوين الخمسة، نسأل، ما هو الحلّ الممكن؟ والجوابُ برأيي إنّ بعْضَ من التقتْ مصالحُهُم عام 2017 على الوصول إلى هذا القانون الحاليِّ النافذ لا زالوا على التقائهم، وبالتالي في ظل المعطياتِ الحالية، وفي ظل الوقت القصير الذي يفصِلُنا عن موعدِ الانتخاب، هناك صعوبةٌ شديدةٌ بل ربما استحالةٌ في الوصولِ إلى تعديلاتٍ إصلاحيةٍ جذرية شاملةٍ لهذا القانون، خاصةً مع وجودِ كلمةِ سرٍّ ربما بدأت تتسرَّبُ متعلقةٍ بالتمديدِ لمجلسِ النوابِ الحالي بحجةِ عدمِ امكانيةِ التوافقِ على تعديلاتٍ لقانونِ الانتخاب، وبحجةِ تقدّمِ مطالبَ دوليةٍ أخرى على قانونِ الانتخاب. إنَّ التمديدَ في حالِ حصولِهِ سيشكِّلُ بدايةً طعنةً قاسيةً للديمقراطيةِ ولحقِّ الناسِ في الاختيارِ الدوري، وسيساهمُ في إعطاءِ صورةٍ سيئةٍ عنْ ديمقراطيتِنَا للمجتمعِ الدولي، وبرأيي فإنَّ هكذا خطوة، ستكونُ من الخطايا والكبائر'.
وقال، 'إنَّ أحدَ تعريفاتِ السياسةِ هوَ فنُّ العملِ في حدودِ الممكن، وبرأيي، فإنَّ هذا الممكن، وفي ظلِّ كلِّ هذه المعطيات الآن، لا يمتلكُ خياراتٍ واسعةً مع قِصَرِ المدةِ المتبقيةِ لموعد الانتخاب، فما هو المتاحُ والممكنُ بل والواجبْ؟ ثلاثةُ أمورٍ:
أولُها منعُ التمديدِ للمجلسِ الحالي بكل ما هو متاحٌ من وسائلَ شرعيةٍ ديمقراطية،
وثانيها إلغاءُ مقاعد المغتربين الستة بتعديل محدود لقانون الانتخاب الحالي،
وثالثُها وهو الأهم قيامُ السلطةِ التنفيذيةِ باعتمادِ الميغا سنترز والتي لا تحتاجُ إلى قانونٍ جديدٍ بل تحتاجُ إلى إجراءات تنفيذية فقط، وقِيامُ السلطةِ التنفيذيةِ بإصدار البطاقةِ الممغنطةِ والتي نصّ عليها القانونُ، والتي ليس بالضرورةِ أنْ تكونَ مُعقّدةً وباهظةَ الكلفة.
إنّ هذه الخطواتِ الثلاثة ستقلِّلُ بنسبةٍ معقولةٍ من سلبياتِ القانون الحالي، وتعطِّلُ على من التقت مصالِحُهم عام 2017 منْ قدرتِهم ولو جزئياً على فرض النتائج. وبذلكَ نكونُ قد قمنا بأفضل الممكن، إلى أن يحينَ الوقتُ للعودة إلى المرتجى الحقيقي باحترامٍ كاملٍ للطائفِ والدستورِ وإلغاءِ الطائفيةِ السياسية، وإصدارِ قانونِ انتخابٍ يليقُ بلبنانَ واللبنانيين'.
وختم قائلاً: ' إنّ وطنَنَا يحتاجُ إلى كلِّ جهدٍ صادقٍ في تصحيحِ مساره سواءٌ في قانونِ الانتخابِ أوغيرِه باتجاه ما اتفقنا عليه في اتفاق الطائف وفي الدستور، وأنا على ثقةٍ من انَّ تصميمَ شرفاءِ هذا الوطن، وهم كثُر، سينجحُ في تجاوزِ كلِّ العقبات ليعود لبنانُ عزيزاً حراً سيداً وتعودَ أمجادُ مدرسةِ الحقوق ويعودَ تراثُ لبنانَ التشريعيُّ المميّز، فبيروت أمُّ الشرائع كانت وستبقى'.