اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٩ تموز ٢٠٢٥
في 4 تموز من كل عام تتذكّر إيران أربعة إيرانيين خُطفوا على حاجز لـ القوات اللبنانية في البربارة، في مثل ذلك اليوم عام 1982. تقول إيران إنهم دبلوماسيون. ولكنّهم في الواقع كانوا طليعة الحرس الثوري الواصل إلى لبنان ليؤسّس ما سيصبح لاحقًا حزب الله. بين تموز 1982 وتموز 2025 يدور الزمن دورة كاملة. فهل حان الوقت بعد 43 عامًا لتوضع النهايات لوجود الحرس الثوري والمنظمات التابعة له في لبنان؟ وهل تدخل ضمن هذا الإطار مهمة مبعوثَي واشنطن مورغان أورتاغوس وتوم براك؟
بيان الحرس الثوري هذا العام أكّد أنّ الدبلوماسيين كانوا ثوريين: في ذكرى الاختطاف الظالم لأربعة دبلوماسيين ثوريين للجمهورية الإسلامية الإيرانية، من بينهم القائد الفخور لجبهة المقاومة، الجنرال الحاج أحمد متوسّليان، ورفاقه الأوفياء، الدبلوماسيون المجاهدون السيد محسن موسوي، وتقي رستغار مقدم، وكاظم أخوان، على يد مرتزقة تابعين للنظام الصهيوني المجرم والمحتل في أرض لبنان المظلوم، وإذ نكرم ذكرى هؤلاء الأبطال الوطنيين، فإننا نعرب عن تضامننا وتعاطفنا مع عائلاتهم الكريمة، ونؤكد مواصلة المسيرة الثابتة لهؤلاء حاملي لواء الشرف والمقاومة. ودعا البيان الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي إلى متابعة هذه القضية مؤكداً أن الكيان الصهيوني وأنصاره لن يكونوا في مأمن من جرائمهم الماضية.
ملف مفتوح بهدف مفضوح
ولكن هل تجهل إيران مصيرهم؟ أم تنكر معرفتها به وتصرّ على بقاء هذه القضية مفتوجة لأهداف سياسية وأمنية؟
بعد 41 عامًا على اختفاء هؤلاء، وبعد فرض إيران أجواء من الغموض والتضارب في المعلومات حول قضيتهم وتأكيدها الدائم أنّهم لا يزالون أحياء، وأنّهم محتجزون في إسرائيل، وضع الحرس الثوري حدّاً للروايات حول مصيرهم عندما استخدم قائده حسين سلامي عبارة الشهيد في حديثه عن أحمد متوسّليان خلال لقائه أسرته يوم السبت أول نيسان 2023.
ونقلت مواقع الحرس الثوري الإيراني عن سلامي قوله إن متوسّليان أول شهيد إيراني في طريق فتح القدس، وذلك في اعتراف اعتُبِر أنه نادر وخارج عن المألوف الإيراني في التعاطي مع هذه القضية، ويتعارض مع رواية السلطات الإيرانية ببقاء الإيرانيين الأربعة على قيد الحياة في السجون الإسرائيلية. والملاحظ أنّه، وفي البيان الجديد عن الحرس الثوري أُعطي متوسّليان رتبة الجنرال في هذا الحرس. فهو لم يكن في مهمة دبلوماسية بل في مهمة عسكرية.
حسين سلامي لا يمكن أن يلقي هذا الكلام للاستهلاك الإعلامي. فهو ليس مسؤولًا عاديًا، ولا يمكن أن يكون ما قاله زلّة لسان. وقد كان عيّنه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي قائدًا عامًا لـ الحرس الثوري الإيراني في 21 نيسان 2019 خلفًا للواء محمد علي جعفري. وقد برز سلامي بين قادة الحرس الثوري بخطاباته النارية والعدائية التي تستهدف الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية. وقد اغتيل في 13 حزيران 2025 في طهران في غارة إسرائيلية نُفِّذت ضمن سلسلة من الضرَبات الجوِّية على مناطقَ مختلفة في إيران في بداية الهجوم الذي دام 12 يومًا.
كانت مهمة متوسّليان بداية للتدخل العسكري الإيراني في لبنان الذي يتمّ العمل اليوم لوضع حدّ له بعد الحروب التي شنتها إسرائيل ضدّ حركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وضدّ إيران نفسها ابتداء من 13 حزيران الماضي وحتى الخامس والعشرين منه. وهي حرب لم تستكمل أهدافها بعد.
مهمة عسكرية عن طريق سوريا
في المعلومات عن مهمة متوسّليان في لبنان أنّه بعد بدء اجتياح القوات الإسرائيلية في حزيران عام 1982، وبأمر من قائد لواء الحرس الثوري محسن رضائي، تمّ إرساله إلى سوريا مع مجموعة من اللواء للتوجّه إلى جنوب لبنان، للقتال ضد إسرائيل، لكن تمّ تغيير مهمتهم لتصبح مساعدة اللبنانيين وتدريبهم في سبيل تأسيس مقاومة مسلحة. ولذلك تقرّر أن يتوجّه إلى بيروت بغطاء دبلوماسي لبدء العمل.
قيل وقتها إن رئيس النظام السوري حافظ الأسد كان متحفّظًا على إرسال قوات عسكرية إيرانية، فأمر بإعادة المجموعة التي أُرسِلت إلى إيران، واتفق معها على تبديل المهمة إلى التدريب بدل المشاركة في القتال. فقد كان الأسد الأب لا يزال رافضًا فكرة أن يشاركه النظام الإيراني الجديد مسؤولية الأمن في لبنان. وكان لا يزال يعتبر أنّ حركة أمل هي التي تمثّل الجناح العسكري للطائفة الشيعية في لبنان وهي تحت قيادته. وهو لم يسلّم بسيطرة حزب الله على القرارين العسكري والسياسي إلّا بعد العام 1990، وبعد خسارة أمل المعركة العسكرية أمام الحزب.
حتى أن جيش النظام السوري لم يتردّد في قتل نحو 25 عنصرًا من حزب الله في شباط 1987 بعد عودته إلى بيروت. ولم يتردّد ايضًا في تهديد حزب الله بوقف القتال في الضاحية الجنوبية عام 1988، وقد كان على وشك حسم المعركة وتصفية أمل عسكريًا في الجولة الأولى من القتال قبل أن يستعيد المبادرة ويلغي دورها العسكري في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع بعد عامين.
محسن رضائي الذي أرسل متوسليان ورفاقه إلى لبنان، كان من مؤسسي منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، ثم انضمّ إلى الحرس الثوري بعد تأسيسه حتى عيّنه الإمام الخميني قائدًا له، فأصبح واحدًا من القادة الإيرانيين في الحرب العراقية الإيرانية وكان قائدًا للقوات المسلحة حتى انتهاء سنوات الحرب.
إلى بيروت عن طريق بشرّي
لذلك إن اللواء أحمد متوسّليان لم يكن إلا أحد الإيرانيين الأربعة وهو لم يكن دبلوماسياً، بل قيادياً في الحرس الثوري أرسلته إيران إلى سوريا لينتقل إلى السفارة الإيرانية في بيروت في مهمة عسكرية وأمنية شهد لبنان تداعياتها الدامية في الأعوام التالية من خلال عمليات التفجير وخطف الأجانب وإرهاب المعارضين.
وهي لم تكن مهمته الأولى فقد سبق له أن شارك في معارك ضد المعارضين الأكراد، وعلى الجبهة في الحرب مع العراق، قبل أن يُكلَّف بالذهاب إلى بيروت لتدريب قوات حزب الله تحت هدف معلن هو حماية السفارة الإيرانية، بعد شهر تقريباً على بدء الإجتياح الإسرائيلي للبنان في 6 حزيران 1982، وهو كان يتولى مسؤولية قيادية في الحرس الثوري ويقال إنه كان نائبًا للقائد الذي أرسله.
كان يرافق متوسليان القائم بأعمال السفارة في بيروت محسن موسوي، ومراسل الشؤون العسكرية لوكالة الأنباء الرسمية (إرنا)، كاظم إخوان، وكذلك مساعده مسؤول التدريب في الحرس الثوري تقي رستكار مقدّم. بسبب التطورات العسكرية على الأرض ووصول الجيش الإسرائيلي إلى مشارف بيروت، وقطع طريق بيروت - دمشق، اختار الأربعة سلوك طريق عيناتا الأرز- بشري نزولاً إلى كوسبا ومنها إلى الكورة وبيروت، وكانت ترافقهم، بناء على طلب رسمي تقدّمت به السفارة، دورية من جهاز أمن السفارات في قوى الأمن الداخلي.
عند وصولهم إلى حاجز البربارة التابع لـ القوات اللبنانية بعد اجتياز حاجز المدفون، حيث ينتشر جيش النظام السوري، تمّ توقيفهم ونقلهم إلى المجلس الحربي في الكرنتينا حيث تسلّمهم جهاز الأمن في القوات اللبنانية، وكان برئاسة إيلي حبيقة.
هذا الجزء من الرواية معروف. ولكن ما بعده هو الذي كانت تحيط به الألغاز التي لم يكن من السهل كشفها أو اعتراف إيران بها. ولذلك جاء كلام قائد الحرس الثوري، قبل عامين، ليلقي الكثير من علامات الاستفهام حول توقيته وحول انعكاساته على هذه القضية المرتبطة بقضايا أخرى ظلّت عالقة معها، ومن خلالها يمكن فهم التهديدات الإيرانية المستمرة والمتعلقة بهذه القضية.
بعد ثلاثة أيام من إعلان قائده مقتل متوسّليان، تراجع الحرس الثوري الإيراني عن تأكيد الخبر، وقال المتحدث باسمه رمضان شريف إنّ قواته لا تزال تجهل مصير القائد الميداني السابق ومرافقيه. إلا أنّ هذا التراجع لم يلغِ مفاعيل الاعتراف وطرح أسئلة حول تأخر صدوره.