اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الديار
نشر بتاريخ: ١٢ أيار ٢٠٢٥
في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم على المستويات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية، لم تعد المناهج التقليدية القائمة على الحفظ والتلقين قادرة على إعداد جيل فاعل في عصر الذكاء الاصطناعي. فالمعارف لم تعد محصورة بالكتب أو المعلمين، بل باتت متاحة بكبسة زر، في حين أصبح التحدي الحقيقي يتمثل في تنمية كفايات متكاملة تمكّن الطالب من فهم العالم، والتفاعل معه، والمساهمة في تغييره نحو الأفضل.
مدارس Global Education في لبنان تقدم نموذجًا رائدًا في هذا المجال، من خلال اعتماد إطار كفايات أساسي يعكس احتياجات المتعلم المعاصر. كما تتبنى هذه المدارس توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في تطوير العملية التعليمية وجعلها أكثر تخصصًا وتكيفًا مع حاجات الطلاب الفردية.
أولًا: من الحشو المعرفي إلى التعلم الهادف القائم على الكفايات
لقد أظهرت التجربة أن التركيز المفرط على تراكم المعلومات لا يؤدي بالضرورة إلى بناء شخصيات متزنة وقادرة على التفكير النقدي أو اتخاذ القرار. من هنا، يأتي التحول من التعليم القائم على المحتوى، إلى التعليم القائم على الكفايات الأساسية، وهو ما تطبقه مدارس Global Education من خلال 4 محاور مترابطة:
كفايات التفكير
تشمل التفكير النقدي، الإبداعي، حل المشكلات، وآليات اتخاذ القرار. وهي ضرورية ليتمكن الطالب من التمييز بين المعلومات، وتوليد الأفكار، واختيار المسارات الأنسب.
كفايات الشخصية
وتشمل القيادة، الريادة، المواطنة، والمعرفة الرقمية. حيث يُنظر إلى الطالب كشخص فاعل، صاحب دور اجتماعي، وقادر على التفاعل مع قضايا عصره.
الكفايات الاجتماعية والعاطفية
وتتضمن التعاون، التعاطف، احترام التنوع، وبناء العلاقات، بهدف تكوين شخصية متوازنة على المستويين العاطفي والاجتماعي.
كفايات التعلم
وتُعنى بتعليم الطالب كيف يتعلم، وكيف يُكوِّن رأيه، ويصر على تحقيق أهدافه، ويُنتج معرفة جديدة بدل تلقيها فقط.
إدراك ووعي ومنهجية التفكير
يرتبط تطوير هذه الكفايات بتنمية قدرات الطالب على الإدراك المنهجي، والوعي النقدي، والقدرة على الوصول إلى الحقائق العلمية بشكل موضوعي. وهذا ما يبني شخصيات قيادية مبدعة قادرة على التكيف مع سوق العمل المتغيّر، والعيش في عالم سريع التحول، والنجاح كمتعلمين مدى الحياة.
ثانيًا: الذكاء الاصطناعي كرافعة تربوية لتحقيق الكفايات
الذكاء الاصطناعي لم يعد أداة إضافية، بل أصبح شريكًا تعليميًا ذكيًا يعيد تصميم التجربة التعليمية بكاملها، ويُعيد تموضع دور المعلم والمتعلم.
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي من تدعيم كل محور من محاور الكفايات الأساسية؟
- كفايات التفكير: طرح سيناريوهات، تحليل احتمالات، تدريب على اتخاذ القرار
- كفايات الشخصية: محاكاة مواقف قيادية، إنتاج مشاريع رقمية، تنمية الوعي الرقمي
- الكفايات الاجتماعية: تمثيل أدوار، تعزيز التعاطف، دعم العمل الجماعي
- كفايات التعلم: تقديم تغذية راجعة فورية، تخصيص المسار، تمكين الطالب من التنظيم الذاتي
كما يساعد على تحليل معلومات متعددة، وكشف تحيزات، وتكوين فهم منهجي للظواهر
ثالثًا: التدرج العملي في تنمية الكفايات عبر المواد والمراحل
إن تفعيل الكفايات الأساسية لا يتم دفعة واحدة، بل يتحقق عبر مسار تراكمي متدرج، يتطور فيه الطالب من مستكشف للمعرفة في المرحلة الابتدائية، إلى محلل ومبتكر في المرحلة الثانوية. وتكمن قوة هذا النهج في ربط الكفايات بالمحتوى التخصصي في كل مادة، بحيث تتحول الحصص الدراسية إلى ساحات لتجريب التفكير، وتنمية الشخصية، والتفاعل الاجتماعي، والتعلّم الذاتي.
ويأتي الذكاء الاصطناعي هنا كعامل مساعد على تخصيص المحتوى، وتعميق الفهم، وتحفيز قدرات التفكير العليا. وفي هذا القسم، نستعرض أمثلة تطبيقية من المواد الأساسية في مختلف المراحل الدراسية، توضّح كيف تتحول الكفايات من مفاهيم تربوية مجردة إلى أدوات حياة حقيقية تبني الطالب من الداخل.
الحلقة الابتدائية (الصف 1–6): الاستكشاف والفهم الأساسي
الرياضيات: استخدام أدوات AI تمثّل الأعداد بصريًا وتعزز الفهم العددي.
العلوم: استكشاف الطبيعة والتجارب الافتراضية بتفاعل مباشر.
اللغات: سرد القصص وكتابتها بمساعدة الذكاء الاصطناعي، ما يعزز التعبير والخيال.
المعرفة الرقمية: أنشطة تفاعلية لتعليم الأمن الرقمي والمفاهيم التقنية الأولية.
العلوم الاجتماعية: فهم مفاهيم المجتمع والعائلة بطريقة سردية بصرية.
الكفايات: بناء التعاون، التعبير، تقبّل الآخر، وتنمية حب الاستكشاف.
الحلقة المتوسطة (الصف 7–9): التحليل والتكامل بين المعارف
الرياضيات: تحليل بيانات، وحل مشكلات حياتية باستخدام أدوات ذكية.
العلوم: إجراء تجارب افتراضية مع تفسير النتائج العلمية وتحليل العلاقات.
اللغات: كتابة مقالات رأي مع استخدام الذكاء الاصطناعي لمراجعة وتحسين الأسلوب.
المعرفة الرقمية: تصميم عروض ومشاريع تفاعلية.
العلوم الإنسانية والاجتماعية: تحليل أحداث تاريخية من عدة وجهات نظر، ومقارنة النظريات الاجتماعية.
الكفايات: تطوير التفكير النقدي، والقدرة على البحث، والعمل الجماعي المنتج.
الحلقة الثانوية (الصف 10–12): الابتكار والتطبيق العملي المركّب
الرياضيات: توليد حلول متعددة، تحليل أخطاء الذكاء الاصطناعي وتفسيرها.
العلوم: تصميم أبحاث وتجارب متقدمة، مع تحليل بيانات حقيقية أو افتراضية باستخدام أدوات AI.
اللغات: إنتاج ملفات رقمية شخصية أو سرديات بحثية تجمع الإبداع والتحليل.
المعرفة الرقمية: تصميم روبوتات محادثة، صفحات معلومات، أو مشاريع تقنية.
العلوم الاجتماعية: مناظرات فكرية، بناء أطروحات حول قضايا معاصرة.
الكفايات: دمج المهارات العليا في مشروع تخرج متكامل يحاكي الحياة الواقعية.
رابعًا: الأدوات الذكية المعتمدة في Global Education
إن نجاح أية رؤية تربوية مرهون بتوفير الوسائل التكنولوجية الكفيلة بترجمتها إلى واقع يومي داخل الصف. ولهذا الغرض، قامت مدارس Global Education بتطوير منظومة متكاملة من الأدوات الرقمية الذكية، التي تستند إلى الذكاء الاصطناعي وتعيد تصميم تجربة التعليم لتكون أكثر تكيفًا، وتخصصًا، وتفاعلية.
ولا تقتصر هذه الأدوات على تقديم المحتوى، بل تشكّل نظامًا متكاملًا لإدارة التعلم، وتتبع الأداء، وتخصيص المسارات، وتطوير مهارات التفكير. في هذا القسم، نعرض أبرز هذه المنصات والبرمجيات، ودورها المحوري في تحقيق القفزة النوعية من التعليم التقليدي إلى التعليم الذكي القائم على الكفايات.
GEI Platform
منصة رقمية تفاعلية:
- تتيح إدارة الصف، إعداد الأنشطة، تتبع الأداء، وتحفيز التفاعل الصفّي.
- تشمل محتوى رقميًا عالي الجودة يدعم الكفايات.
- تسهّل التواصل التربوي اليومي بين المعلّم والطالب.
GE Navigator
نظام تعلم ذكي:
- يعيد بناء المنهج اللبناني للرياضيات والعلوم على أساس كفايات تخصصية.
- يوجّه الطالب لمسار فردي بناء على نقاط القوة والضعف.
- يعالج فجوات التعلم من خلال استرجاع كفايات سابقة وتقديم تدريب إضافي.
GE AI
محرك ذكاء اصطناعي توليدي:
- يتيح مراجعة شاملة للمناهج وتوليد أسئلة واختبارات حسب مستوى الطالب.
- يعمل كأداة دعم مستقلة تُمكّن الطالب من التعلم الذاتي في كل المواد.
Energia SOI
برنامج تدريب ذهني:
- يبدأ باختبار قدرات التفكير النقدي والإدراكي.
- يُنتج مسارات تدريب فردية حسب الحاجة.
- يُكشف من خلاله عن صعوبات التعلم ويُوجّه الأهل والمعلمين.
- يُطبق من الصف الأول حتى الحادي عشر مع تحديث سنوي.
خامسًا: الذكاء الاصطناعي وتحرير الفكر وإنتاج المعنى
في عالم تتسارع فيه الإشارات الرقمية وتتصاعد فيه الضغوط المعلوماتية والسطحية، يصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي شريكًا في تفكيك البديهيات، وتوسيع دوائر السؤال، وإعادة تشكيل أدوات الفهم.
من التلقين إلى الإبداع الفكري
الذكاء الاصطناعي لا يقدم أجوبة جاهزة، بل يفتح فضاءات جديدة. إنه يعيد طرح الفكرة بطريقة خلاقة، ويحفز على إعادة التفكير في مفاهيم أساسية كالحرية والعقل والهوية، ويُشجع الطالب على إنتاج المعنى بدلًا من استهلاكه.
تطبيقات صفية حية
- تحليل نصوص أدبية أو فلسفية بعدة زوايا.
- توليد فرضيات في العلوم الاجتماعية ومقارنتها بالمفاهيم التقليدية.
- تفعيل أدوات التفكير المقارن وتفكيك الثنائيات باستخدام محاورات AI.
المعلم والطالب في زمن التفكير التفاعلي
لم يعد التفكير فعلًا فرديًا، بل تفاعلًا حيًّا مع وسيط ذكي يُحفّز العقل. المعلم يتحول إلى مُيسّر فكري، والطالب إلى منتج للمعنى في بيئة ديناميكية مفتوحة.
نحو نهضة فكرية تربوية
الذكاء الاصطناعي لا يقود النهضة، لكنه يساهم فيها عبر كسر التكرار وفتح زوايا جديدة للفهم والتأمل. وهو بذلك يُعيد تعريف العلاقة بين الطالب والمعرفة، وبين المدرسة والمجتمع.
سادسًا: خطوات تطبيق النموذج في مدارس Global Education
ليست هذه الرؤية التربوية الطموحة مجرّد نظريات، بل تمّ تحويلها في مدارس Global Education إلى خطة تنفيذية عملية ومدروسة تُطبّق على مراحل، وتقوم على إدماج الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدمة الكفايات، من خلال خمس خطوات رئيسية مترابطة:
1. تدريب المعلمين وتمكينهم
يبدأ التغيير من المعلم. لذلك، تم تنفيذ سلسلة من الورش والدورات التدريبية المتخصصة لتمكين المعلمين من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي داخل الصف، وتصميم أنشطة تعليمية تفاعلية مدمجة بالكفايات.
2. تطوير المحتوى والأنشطة الصفية
تم إنشاء مكتبة موارد تعليمية ذكية تشمل دروسًا، تقييمات، ومشاريع مبنية على الكفايات، مع تخصيصها بحسب المرحلة والمادة ومستوى الطالب، بما يضمن أن يتعلم كل طالب بأسلوب يناسبه.
3. تفعيل الذكاء الاصطناعي داخل الصف
من خلال أدوات مثل GE AI وGE Navigator، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا يوميًا من الحصة الدراسية: يشرح، يطرح أسئلة، يقترح سيناريوهات، ويساعد الطالب على التعلّم بشكل مستقل أو ضمن مجموعات.
4. التقييم والتطوير المستمر
تم اعتماد أنظمة تقييم ذكية تتابع تطور الكفايات لدى كل طالب، وتوفر بيانات دقيقة للمعلم، وتساعد على تعديل المسار التعليمي في الوقت الحقيقي.
5. تمكين الطالب كمفكر مستقل
يُشرك الطالب نفسه في بناء تجربته التعليمية، من خلال مشروعات فردية وجماعية، وأدوات تحليل وتفكير تساعده على تكوين رأيه، وحل مشكلاته، وفهم العالم من حوله بوعي نقدي وإبداعي.
بهذا النهج المرحلي المتكامل، أصبحت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في قلب العملية التربوية، مسخّرة بالكامل لتربية جيل قيادي ومفكر ومستقل.
خاتمة: نحو جيل قيادي ومتعلم مدى الحياة
لم تعد المدرسة مكانًا لتلقين المعرفة، بل أصبحت بيئة تفاعلية لبناء الشخصية، وتدريب العقل، وتوجيه الفضول. إنّ التحوّل الذي تقوده مدارس Global Education عبر دمج الكفايات الأساسية والذكاء الاصطناعي يقدّم نموذجًا متكاملًا لما يجب أن تكون عليه المدرسة الذكية في القرن الحادي والعشرين.
فبهذا النهج، لا نعلّم الطلاب فقط كيف يحفظون، بل نُعلّمهم كيف يفكرون، كيف يبدعون، كيف يتكيفون، وكيف يقودون. وهذا هو جوهر التعليم الحقيقي، وأساس بناء مجتمع مستقبلي مزدهر ومرن في وجه كل التغيرات القادمة.