اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ١٢ أيار ٢٠٢٥
بيروت - داود رمال
أنجزت المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان في محافظتي الشمال وعكار، في ظل ظروف سياسية واجتماعية متشابكة، ليسجل خلالها تراجع لافت في نسب المشاركة الشعبية مقارنة بالمرحلة الأولى التي جرت في جبل لبنان.
فقد أظهرت الأرقام الرسمية أن نسبة الاقتراع بلغت نحو 33% في محافظة الشمال و44% في محافظة عكار، أي ما يعادل تراجعا بحدود 10% عن المرحلة السابقة، ما يطرح جملة من الأسئلة حول طبيعة هذا الانكفاء الشعبي، وأبعاده السياسية والخدماتية، خصوصا في ظل التحديات التي تواجهها هذه المناطق.
وقال مرجع سياسي شمالي لـ«الأنباء»: «يأتي هذا التراجع في سياق أزمة ثقة متراكمة بين المواطنين والدولة بمؤسساتها كافة، ومن ضمنها البلديات التي من المفترض أن تكون الحاضنة الأقرب إلى حاجات الناس اليومية، والضمانة المباشرة لحسن إدارة الشؤون المحلية من نظافة وبنى تحتية وخدمات عامة وتنمية اقتصادية. غير أن الواقع، خصوصا في الشمال وعكار، يظهر عكس ذلك تماما، إذ تفتقر غالبية البلديات في هذه المحافظات إلى الحد الأدنى من القدرة المالية والإدارية، وتعاني من ترهل مزمن، وارتباطها في معظم الأحيان بزعامات سياسية محلية جعل منها أدوات نفوذ بدل أن تكون مؤسسات منتجة».
وأضاف المرجع: «السياسيون الذين خاضوا المعركة الانتخابية لم ينجحوا في تحفيز الناخبين كما كان مأمولا. فالمواطنون الذين أنهكوا بأزمات الكهرباء والماء والصحة والتعليم، والذين يعيشون تحت وطأة التهميش والفقر، وجدوا أن صناديق الاقتراع لا تحمل معهم وعدا بالتغيير. بل على العكس، فقد اعتبرت الانتخابات مناسبة لتكريس الزعامات والخيارات التقليدية، خصوصا في غياب الرؤية التنموية والبرامج الواقعية، ما أدى إلى شبه قطيعة بين الناس وصناديق الاقتراع».
وأوضح المرجع: «نسبة المشاركة المتدنية تشير إلى فقدان الإحساس بفعالية الصوت الانتخابي، وكأن المواطن بات مقتنعا أن نتائج الانتخابات لن تؤثر في تحسين الواقع القائم. هذا الإحباط ينعكس بوضوح في المناطق التي تعاني من الحرمان، مثل عكار، التي وعلى رغم أنها سجلت نسبة مشاركة أعلى نسبيا من الشمال، إلا أن هذه النسبة تبقى دون التوقعات في منطقة لطالما افتخرت بالحماسة السياسية والانخراط في الاستحقاقات الانتخابية. أما في طرابلس والمدن الكبرى في الشمال، فقد بدا العزوف أكثر وضوحا، مع ارتفاع نسبة المقاطعة، وغياب الدينامية التقليدية التي كانت تميز المعارك الانتخابية فيها».
ورأى المرجع ان «هذا الواقع لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام الذي يعيشه لبنان، على رغم انتخاب رئيس للجمهورية هو العماد جوزف عون وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام، اذ لاتزال العلاقة بين الدولة والمواطنين مشوبة بفقدان الثقة، نتيجة تراكمات الأعوام الماضية من فراغ سياسي وشلل مؤسساتي. فالانتخابات البلدية، وعلى رغم طابعها المحلي، كانت دائما انعكاسا للخيارات الوطنية، ومؤشرا على الاتجاهات السياسية العامة. أما اليوم، فقد تحولت إلى استحقاق باهت، يكاد يمر من دون تأثير فعلي، سواء على مستوى إعادة إنتاج النخب المحلية، أو على مستوى تغيير المعادلات الخدماتية والتنموية».
وأكد المرجع «ان تراجع نسب الاقتراع في الشمال وعكار يجب ألا يقرأ فقط كحدث انتخابي عابر، بل كإنذار متجدد من عمق الأزمة اللبنانية. فالمواطن الذي يعرض عن المشاركة في أبسط أشكال الحياة الديموقراطية، هو مواطن فقد ثقته بدولته وبآليات التغيير، وبدأ يبحث عن خلاصه بوسائل أخرى، من الهجرة إلى الانكفاء الذاتي وحتى السلبية المطلقة. وإذا لم تتدارك القوى السياسية هذا الواقع، وتعمل على إعادة وصل ما انقطع بينها وبين الناس، فإن القادم من الاستحقاقات، سواء على مستوى الانتخابات النيابية أو البلدية المقبلة، سيكون أشد قتامة».