اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
'البروباغندا ليست باباً من أبواب الحرية'. هذا الكلام قالته الروائية رشا الأمير، شقيقة الشهيد لقمان سليم، في منشور عبر صفحتها على 'فيسبوك'، عشية افتتاح معرض الكتاب الـ 66، أعربت فيه عن سخطها من نهج 'النادي الثقافي العربي' المنظّم للحدث، و'أسلوبه المتزلف وخياراته السياسية الطائشة'. وأرفقت المنشور بصور من أجنحة المعرض للخميني وبعض رموز الممانعة، وتمثال الأمين العام السابق لـ 'حزب الله' السيد حسن نصر الله وصحبه، تثبت بأن النادي لم يتّعظ من الواقعة الشهيرة التي شهدتها نسخة المعرض التي أعقبت جائحة 'كورونا' بسبب صورة قاسم سليماني.
المفارقة أن اسم 'النادي الثقافي العربي' له دلالات أكثر عمقاً تتجاوز فكرة اللغة، لتتصل بالفكر القومي الذي حمله مؤسّسوه وأركانه البارزون. بيد أنه أضحى في السنوات الأخيرة منبراً لنشر فكر ملالي إيران وثقافة الولاء لمشروعهم الإمبراطوري الذي يتناقض مع القومية العربية، ولا يتقاطع معها إلا في توظيف 'القضية الفلسطينية' كشعار يغلف به أهدافه الهدامة.
ومع أنه يضم نخباً من تيارات ومشارب فكرية متنوعة، تتميز بالزاد الفكري الممزوج بالتجارب المتراكمة، إلا أن التدقيق في قادته في السنوات الأخيرة يبين أنهم ينتمون إلى الدائرة الضيقة للرئيس فؤاد السنيورة، آخر رواد القومية في بلادنا، والذي يبرع في سبكها ضمن توليفة تواري الأموال والمصالح المتأتية من استقطاب بروباغندا الملالي وترويجها خلف رداء الحريات. ناهيكم عن مهارة حرف النقاش عن الفكرة الأصعب، وهي التنازل الطوعي لمنصة ثقافية – فكرية عن دورها في محاربة الانحراف الفكري الذي تقود إليه هذه البروباغندا وذيولها الكارثية.
هذه التوليفة الصادرة عن واحد من أبرز العقول السنية التي تتميز بالعمق الاستراتيجي، والقدرة الفائقة على التكيف مع المعادلات السياسية بأبعادها المحلية والإقليمية، وابتداع المنصات السياسية النخبوية مثل 'مجموعة الـ 20' أو 'حكماء السنة' و'نادي رؤساء الحكومات' وسواها، تفسر العطب البنيوي للسنية السياسية، ولا سيما التقليدية، وسياقاتها التي أتاحت لـ 'حزب الله' التغلغل بوجه عقائدي إحلالي في عقل الدولة، والهيمنة العمودية على آليات صنع القرار فيها، مع كل ما يمثله على صعيد مشروع الملالي التوسعي، حتى استحال التخفّف من تأثيره السلبي عملية شديدة الصعوبة والتعقيد.
يرأس النادي حالياً شقيقته سلوى بعاصيري، وقبلها فادي تميم، الذي لمع نجمه مؤخّراً غداة توقيفه ومحاكمته بسبب الأتاوات التي عمل على تحصيلها من شركات التأمين لحساب وزير الاقتصاد السابق أمين سلام لكونه مستشاراً له للشؤون السنية والبيروتية. يشكل فادي مع شقيقيه بسام وماهر 'تريو' رافق السنيورة مذْ كان وزير دولة للشؤون المالية، وصار ركناً مؤثّراً في جناحه داخل أروقة 'المستقبل'، وحينما استلم هذا الجناح تسيير دفّة 'مؤسسة الحريري' بقيادة السيدة بعاصيري، عُهِدت إلى فادي مسؤولية القسم المالي فيها، وكلّنا نعرف ما آلت إليه.
اقترنت سيرة هذا 'التريو' خلال السنوات الماضية بالكثير من الاتهامات والجدل. في آب 2010، صدر عن ديوان المحاسبة قرار قضائي حول مخالفات مالية بخصوص أوراق اليانصيب الفوري، حمّل المسؤولية إلى الرئيس السنيورة إبّان توليه وزارة المالية، ومعه أشخاص غُرّموا من أموالهم الخاصة، بينهم مستشاره بسام تميم لأنه كان يتولى بالنيابة عنه إدارة هذا الملف.
ثالث أركان الـ 'تريو' كان مستشاراً مالياً لمحافظ جبل لبنان الأسبق سهيل يموت، وبعدها كان العنصر الموازن في الصفقة التي أبرمها 'المستقبل' عام 2014 مع رئيس 'التيار الوطني الحر'، جبران باسيل، وأفضت إلى تعيين القاضي في ديوان المحاسبة رمزي نهرا محافظاً للشمال، وماهر تميم مستشاراً له. فكان مستشاره للشؤون الهندسية، ثم الإنمائية، وأخيراً لشؤون المنظمات الدولية. إلا أنه برع في إخراج نفسه من الصورة السلبية لنهرا وتأثيرها الذي طال الدائرة المقربة منه، حتى أوشك أن يصبح قرار إقالته الذي كان يحضر له رئيس الحكومة نواف سلام منذ مدة، عيداً وطنياً.
حال نهرا أشبه بالمثال الذي أورده الله تعالى في سورة الزُّمر 'ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون'، حيث طغت باسيليته الفجة على إخلاصه للدولة، وغطّت على شركاء متشاكسين كان لهم قسط وافر في تثبيت سطوته الطاووسية، مقابل منافع جمة، مثل 'المستقبل' بأجنحته وأمينه العام، وعدد من ساسة المحافظة البارزين.
وكما تبرّر 'الحريات' غضّ الطرف عن بروباغندا الملالي، فإن 'الواقعية' هي صنوها في الصفقات والتسويات. وإن برزت صور وتماثيل رموز الممانعة بين أروقة معرض الكتاب، فإن نهرا هو نجمه الآخر بلا تمثال أو (صور)، لما يختزنه هذا النموذج من مصالح متشابكة ومستدامة، تُقَدَّم بلبوس فكري أنيق يحجب أزمة نخبوية عميقة عند السنة، جوهرها الاندفاعة البطيئة نحو الحداثة بأدوات الماضي وأثقاله بعدما وصلت 'طريق القدس' بصفقاتها إلى النهاية. ناهيكم أن التجديد بغياب النقد الذاتي 'لا يعوّل عليه'، على حدّ قول ابن عربي في رسالته الشهيرة، ولا سيما مع انعدام النقاش حول حتمية 'تشْبيب' القيادة عمراً وفكراً.