اخبار لبنان
موقع كل يوم -هنا لبنان
نشر بتاريخ: ١٤ نيسان ٢٠٢٥
يتوجّه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى قطر غدًا الثلاثاء، حاملًا معه ما تبقّى من معنى الدولة في حقيبةٍ رسمية. في زيارة لا تتعدّى أربعًا وعشرين ساعة، سيقف الرئيس عون أمام أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، لا ليطلب معونات مالية أو يعرض فرص استثمار ضائعة، بل ليُعلن، ولو تلميحًا، أنّ الدولة اللبنانية لا تزال حيّةً، على قيد النداء، وإنْ كان جسدها مشلولًا منذ سنوات بفعل سلاحٍ غير شرعي صادرَ قرارها، وشرّع فوضى الموت على أطرافها وحدودها.
زيارة تأتي في توقيتٍ لافتٍ، فالبلاد تحيي الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب اللبنانية، الحرب التي كانت نتيجتها الأساسية، بعد كل المجازر والدم، إعادة الاعتراف بالدولة كملاذٍ أوحد. واليوم، وفي ذكرى '13 نيسان'، يتحدّث الرئيس عون بجرأة نادرة قائلًا: 'آن الأوان لنقول جميعًا: لا يحمي لبنان إلّا دولته، وجيشه، وقواه الأمنية الرسمية'. في عبارة كهذه، لا حاجة لقراءة ما بين السطور: المقصود واضح، والخطاب موجّه لجهة واحدة، وهي حزب الله.
هذا الحزب الذي صادر قرار الحرب والسلم، وصار يعتبر نفسه جزءًا من محورٍ لا يعترف بلبنان إلّا كجبهةٍ، لا كدولة. هو الحزب ذاته الذي، باسم المقاومة، دمّر ما تبقّى من هيبة المؤسسات، ثم عاد وتذرّع بالعدو الإسرائيلي لتبرير صواريخه العابرة للدولة، وأمنه الخاص، ومنظومته القضائية والإعلامية. لكن اليوم، يبدو أن القصر الرئاسي الجديد لا يريد المواربة، بل بات يمسك بالخيط السيادي متقدّمًا بخطاب الدولة على سطوة الدويلة.
صحيح أن زيارة الرئيس إلى قطر لا تتضمن توقيع اتفاقيات، تمامًا كما حصل في باريس والرياض، لكنّها تتضمّن ما هو أخطر: محاولة لإعادة التموضع السياسي للبنان في لحظةٍ إقليميةٍ حرجةٍ، حيث يعاد رسم الخرائط بأدواتٍ صلبةٍ ومؤسساتٍ منهارة. والرسالة الأهمّ ليست للدوحة، بل لبيروت: أنّ الدولة قررت أن تتكلّم.
من التواطؤ إلى الوعي… هل بدأ التحول؟
الخطابات عادة لا تغيّر الواقع، ولكنّها تُحدث صدمةً في السيّاق. والكلمة الأخيرة للرئيس عون فعلت ذلك. للمرة الأولى، يتمّ توصيف السلاح الخارج عن الدولة كمصدر خطر لا حماية. يتمّ التأكيد على أنّه 'كلّما استقوى أحد بالخارج على شريكه في الوطن، خسر الجميع'، ويتمّ التلميح إلى أنّ أي تفاهم خارجي لا يمكن أن يُنجز في ظل غياب الدولة كمرجعية وغطاء.
وإذا كانت دعوة عون للحوار تبدو في ظاهرها استيعابية، فإنها تتضمّن تحذيرًا ناعمًا: لا أحد بعد اليوم يمكنه أن يُمسكَ بلبنان من عنقه، لا باسم الدين ولا الطائفة ولا 'المقاومة'. الخطوط الحمراء تُرْسَمُ من جديد، ليس بقوة السلاح بل بقوة الجرأة على قول الحقيقة.
لكن هل يكفي خطاب، وزيارة خارجية، لكسْر حلقة الحصار الداخلي المفروض على القرار اللبناني؟ بالطبع لا. فالسلاح غيْر الشرعي لم ينكفِئ. صواريخ 'مجهولة المصدر' لا تزال تنطلق من الجنوب، لتعيد لبنان إلى موقع التفاوض الضعيف أمام العالم. وحزب الله، الذي التزم صمتًا مُريبًا حيال خطاب عون، يدركُ أنّ المشهد يتغيّر تدريجيًا، وأنّ المؤسسة العسكرية بدأت تتحرّك خارج سياق التبعيّة.
زيارة عون إلى قطر، ثم الإمارات لاحقًا، ليست رحلة مجاملات، بل استعادة لمكانة لبنان كدولةٍ تتعامل مع دول، لا كذراعٍ ملحقةٍ بمحور الممانعة. وهي بمثابة رسائل إلى الخارج مفادها بأنّ لبنان الرسمي يريد الدعم، ولكن بشروطه السيادية، لا بشروط الحزب الذي صادر الشرعية، ثم تحصّن خلفها.
بيْن الدولة والدولة الموازية… من ينتصر أوّلًا؟
إن أكثر ما تحتاجه الدولة اليوم ليس اتفاقًا جديدًا، ولا سلاحًا مضادًا، بل إرادةً جماعيةً تقول: كفى. كفى تغطيةً لهذا الانقلاب الدائم على المؤسّسات. كفى حوارًا مع من يملك السلاح ويطلب من الآخرين الجلوس إلى الطاولة عُزَّلًا.