اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٣٠ أب ٢٠٢٥
د. حمد الكواري: ليست الليلة كالبارحة
أتردّد أن أقول: ما أشبه الليلة بالبارحة.إذ أنّ الواقع يفرض الاعتراف بأنّ العرب لم يعودوا هم العرب وأنّ العالم لم يعد هو العالم.
ديسمبر 1988، كنتُ ممثلَ بلادي قطر في الأمم المتحدة، وتشرفتُ بترؤس المجموعة العربية في هذا الشهر في واحدة من أهم المحطات الدبلوماسية التي شهدتها القضية الفلسطينية.
حينها رفضت الولايات المتحدة منح ياسر عرفات تأشيرة دخول إلى نيويورك لإلقاء كلمته أمام الجمعية العامة، في انتهاك صارخ لاتفاق المقرّ. ومع تصاعد الأزمة، وجدتُ نفسي، بصفتي رئيساً للمجموعة العربية، في قلب الحدث: أتعامل مباشرةً مع الأمين العام خافيير بيريز دي كويلار وفريق مكتبه، وأتشاور عن قرب مع عرفات نفسه. كان الموقف يتطلب صلابة ورؤية، وقد استطعنا أن نحشد دعماً دولياً واسعاً لنقل الجلسة إلى جنيف حيث تحوّل المنع إلى منبر، والإقصاء إلى اعتراف.
في جنيف، ألقى عرفات خطابه التاريخي معلناً اعترافه بقرارات الشرعية افاتحاً الباب أمام أول حوار رسمي الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية. يومها، كانت المجموعة العربية متماسكة، والجمعية العامة، مدعومة بحركة عدم الانحياز، تعكس واقعاً دولياً ينحاز إلى صوت الشعوب وحقوقها، خاصة القضية التي كنّا نسمّيها “المركزية”.
أما اليوم، ومع تكرار الضغوط الأميركية، وتفاقم المأساة، وتراجع التضامن العربي، وضعف السلطة الفلسطينية وتخلّيها عن أوراقها، نجد أنفسنا أمام مشهد مختلف. العالم تغيّر، الكتل الدولية تفرّقت، وموازين القوى لم تعد تمنح القضية ذات الصدى، لكن الدرس الذي حملته تلك اللحظة لا يزال صالحاً: أن الموقف الموحد قادر على كسر الحصار، وأن الدبلوماسية إذا اقترنت بالإرادة تتحول إلى قوة تُعيد صياغة المشهد.
واليوم، حين ننظر إلى المشهد مثقلاً بالجراح والتراجعات، ندرك أن ليست الليلة كالبارحة؛ ففي الأمس وحّدنا الصوت العربي فصار صدىً يتردد في جنيف ويهز جدران النظام الدولي، أما اليوم فالأصوات متقطعة، والحق يكاد يُحاصر بالصمت. ومع ذلك، يبقى الدرس ماثلاً: أنّ التاريخ لا يرحم الغائبين، وأنّ من امتلك شجاعة الموقف حوّل المنع إلى حضور، والغياب إلى شهادة، والصوت المحاصر إلى كلمة خالدة.
دكتور حمد الكواري
وزير دولة بدرجة نائب رئيس وزراء
رئيس مكتبة قطر الوطنية