مزارع شبعا اللبنانية في مواجهة الأطماع والإهمال

أ.د. محمد حمدان

في كل مرة يتم الحديث فيها عن مواضيع شائكة ومعقدة تتعلق بالتركيبة اللبنانية ككل، يتم تناول قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا من زوايا تخدم أحياناً وجهة نظر الكاتب أو الطرف الذي يريد تدعيم مواقعه ومواقفه تجاه قضية معينة. وبكل أسف، لا نتحرك بقضايانا الوطنية من منطلق وطني صرف مهما كانت الظروف وأياً يكن المستفيد أو المتضرر من القضية، بل نسعى دائماً لربط هذه القضايا بالمصالح والخلفيات والزوايا الخاصة بكل طرف.

أردنا من هذه المقدمة أن نقول بأن قضية وطنية إسمها مزارع شبعا وهي تمثل أرضاً لبنانية محتلة من قبل العدو الإسرائيلي، يجب، بالمنظار المجرد والوطني، أن لا تكون ولا تشكل حالة خلاف أو انقسام بين المواطنين اللبنانيين وبين القوى اللبنانية، لا بل يجب أن تشكل حالة اجماع عند كل الوطن من أجل استعادتها وتحريرها أولاً، ثم يبدأ الاجتهاد والاختلاف حول الوسائل وهذا أمر جائز ولا ضير فيه.

لذلك كان كتابنا «مزارع شبعا وإدارة الأزمة «الصادر عن دار سائر المشرق عام 2025 والذي القى الضوء على هذه القضية من عدة جوانب لعل ذلك يشكل مساهمة في توضيح بعض العناصر الهامة، ويخفف من عناصر التشويش والضبابية المقصودة أو غير المقصودة في فهم هذه القضية.

الاشكالية الأساسية التي طرحها هذا الكتاب تتمحور حول الاستراتيجية المعتمدة من قبل الدولة اللبنانية في ادارة هذه الأزمة. وهل تم فعلا وضع استراتيجية لادارة هكذا أزمة؟

يتفرع عن هذه الاشكالية مجموعة من الأسئلة أهمها :

1 - هل أن مزارع شبعا هي فعلا أرض لبنانية بالمفهوم السيادي والقانوني؟

2 - اذا تم اثبات لبنانية المزارع من خلال الوثائق والحقائق، فهل هي جزء من القرار 425 أم أنها خارج اطار هذا القرار ؟

3 - اذا كانت كذلك ما هي المرجعية التي تنظم عملية التعاطي مع هذه القضية من ناحية القانون الدولي لأنها أراض محتلة من قبل العدو الصهيوني دون أن يدخل لبنان الحرب؟

4 - هل يجب أن تخضع قضية استعادة مزارع شبعا الى عملية تحكيم دولية كما حصل في قضية طابا المصرية على سبيل المثال ؟

عندما يتم الحديث عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، انما يتم الحديث عن موقع استراتيجي متقدم يحاذي الجولان السوري المحتل، ويطل على فلسطين المحتلة، ويحتضن في طياته وقف مشهد الطير المملوك من الأوقاف الإسلامية السنية في لبنان حيث مقام النبي إبراهيم (عليه السلام) والذي تبلغ مساحته أكثر من 3 ملايين متر مربع، كما يوجد فيها وقف مسيحي للروم الأرثوذكس في منطقة خلة وردة وجلالي حافظ.

أولاً : طبيعة القضية :

1 - مزارع شبعا هي عبارة عن 14 قرية صغيرة يملكها أهالي بلدة شبعا بموجب سندات ملكية مسجلة في الدوائر العقارية اللبنانية في صيدا ومارست السلطات اللبنانية السيادة على المزارع بكافة اشكالها الإدارية والأمنية والقضائية حتى تاريخ بدء احتلالها بعد15 حزيران عام 1967.

2 - مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تشكل مساحة كبيرة من الأرض تتجاوز حسب التقديرات 160 الى 200 كيلومترا مربعا وكان يسكن فيها بشكل دائم أوموسمي عند احتلالها 1800 عائلة من ابناء بلدة شبعا وعائلاتها وأكثر من 1000عائلة تملك ارض وبساتين دون ان تقيم في المزارع وقام العدو الصهيوني بتدمير ونسف أكثر من 1200 منزلا في المزارع بعد احتلالها

3 - ان جميع سكان المزارع ومالكيها هم أبناء بلدة شبعا ومسجلون في سجلات قيدها من سجل رقم واحد الى رقم 586 وعقاراتها مسجلة في الدوائر العقارية في صيدا بموجب سندات ملكية، أو شهادة قيد، أو محاضر تصنيف الأراضي.

4 - مارست الدولة اللبنانية سلطاتها على المزارع بكافة اشكالها من خلال البلدية التي كانت تمنح الأهالي رخص الترميم والبناء في المزارع ومن خلال القائمقام الذي كان يمنح أذونات حفر الآبار ومن خلال وزارة الزراعة ومأموري الأحراج ومن خلال المشاركة في الانتخابات البلدية والاختيارية في شبعا وكان من سكان المزارع مختار شبعا مصطفى عبدالله محمد في مزرعة زبدين ومختار من آل سرحان في مغر شبعا. كذلك كانت محكمة حاصبيا تنظرو تحقق في القضايا الجنائية والمخالفات في المزارع.

5 - مزارع شبعا منطقة استراتيجية وغنية وفيها أكثر من 23 ينبوع مياه موسمي ودائم عدا عن المياه الجوفية في جبل الشيخ واشجار الزيتون والأشجار المثمرة المتنوعة وتقع على مثلث الحدود اللبنانية - السورية -الفلسطينية وأقام فيها العدو منتجعا سياحيا ومدرسة للتزلج وفيها أكثر من سبع مراكز عسكرية إسرائيلية ضخمة.

ثانياً : تعامل العدو الصهيوني مع المزارع

1- لم يتم احتلال مزارع شبعا خلال حرب 6 حزيران 1967 لأن لبنان لم يدخل الحرب ولكن بعد احتلال الجولان وتحديداً بعد 15 حزيران 1967 بدأت الاعتداءات الإسرائيلية على المزارع من خلال شن هجمات ودوريات ضد الاهالي في المزارع وقد استخدم جيش الإحتلال أسلوب القضم بعد التهجير وتدمير المنازل والممتلكات وحرق البساتين. استمرت عملية القضم لغاية عام 1972 حيث تم وضع الشريط الشائك حول المزارع واقيمت بداخلها المراكزالعسكرية لجيش الإحتلال الإسرائيلي.

2 - هناك مجموعة دلائل واعترافات إسرائيلية بأن المزارع لم تحتل عام 1967 وهي:

أ . بيان عسكري إسرائيلي رسمي صادر في 3 / 12 / 1969 يقول: «أعلن ناطق عسكري إسرائيلي أن قوات إسرائيلية عبرت الحدود مع لبنان من الجولان السوري المحتل ودمرت قاعدة للمخربين (الفدائيين) تقع في جبل الروس» وجبل الروس هو جزء من مزارع شبعا.

ب . البيان العسكري الفلسطيني حول هذه المعركة يقول بأنها دارت في وادي العسل وهي آخر حدود المزارع مع الجولان. (الديار 22 / 10 / 2004).

3- استمر أهالي شبعا في جني مواسم الزيتون من المزارع عامي 1967 و 1968 وذلك برعاية وشهادة اللجنة الدولية للصليب الأحمرولجنة مراقبة الهدنة في الناقورة بناء لطلب الحكومة اللبنانية.

4 - في العام 1985 أقدم الصهاينة على إقامة مركز رادار حديث في تلال جبل الشيخ مقابل بلدة شبعا وهذا المركز، يراه الزائر بالعين المجردة، ولم تنسحب منهاسرائيل بموجب القرار 425.

5 - في العام 1989 أقدم الصهاينة على احتلال مزرعة بسطرة وهي المزرعة رقم 15 والآن هي منطقة محررة انسحب منها العدو عام 2000.

ثالثاً : الموقف السوري من المزارع

في البداية لا بد من الاشارة إلى أن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وخاصة في منطقة المزارع قد تم بعد اعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 وبموجب اتفاقية نيوكامب بوليه عام – 1923 وتم تثبيت هذا الترسيم عام 1934 حيث أرسلت نسخ من الاتفاقية إلى عصبة الأمم، ثم أعاد لبنان ارسال هذه النسخ مرة ثانية عام 1947 إلى هيئة الأمم المتحدة بعد تأسيسها لتحل مكان عصبة الامم. وهذه الوثائق موجودة لدى الدوائر الرسمية اللبنانية، وهنا لابد من الاشارة الى بعض الأمور التي تؤكد هذا الأمر:

1 - بتاريخ 29 /9 / 1949 بعثت سوريا برسالة إلى الحكومة اللبنانية حملت الرقم (52-124 ) 574 تقول بأن مزارع شبعا هي أرض تحت السيادة اللبنانية خلافاً لما ورد في بعض الخرائط.

2 - بتاريخ 24/ 10 / 2000 قدّم المندوب السوري في الأمم المتحدة ميخائيل وهبة رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة يقول فيها بأن مزارع شبعا لبنانية.

3 - ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا تولته لجنة مشتركة لبنانية سورية في العشرينات والتي عالجت مشكلة قرى طفيل السورية التي ضمت إلى لبنان، وفي العام 1935 تمت معالجة مشكلة قريتي ينطا وبحنونة ومزرعة دير العشائر التي ضمت جميعها إلى لبنان ولم تكن مزارع شبعا ضمن نقاط الخلاف.

4 - هناك محاضرللجان المشتركة السورية اللبنانية بتاريخ - 27 / 2/ 1964 و21/ 2/ 1967 تقول «بأن الحدود العقارية والإدارية لأقضية حاصبيا وراشيا وبعلبك والبقاع هي الحدود الدولية بين البلدين». ومزارع شبعا تقع ضمن الحدود العقارية لقضاء حاصبيا.

5 - ذكرالأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي أنان في تقريره الى مجلس الأمن بتاريخ 22 /5 / 2000 حول مزارع شبعا بان وزير خارجية سوريا السيد فاروق الشرع قد أبلغه بأن مزارع شبعا لبنانية .

6 - في تقريره الى مجلس الأمن حول تطبيق القرار 1701 بتاريخ 30/6/2007، أكد أمين عام الأمم المتحدة في الفقرة 49 ما يلي :»فيما يتعلق بمزارع شبعا تحديدا، وافقت الحكومة السورية على الموقف اللبناني الذي يعتبر المزارع لبنانية».

7 - في العام 1955 سمحت الحكومة اللبنانية بأن تضع الحكومة السورية مركز مراقبة عسكرياً في مزرعة زبدين لمراقبة ومنع عمليات التسلل والتهريب التي كانت تحصل من خلال وادي العسل من فلسطين المحتلة إلى داخل الأراضي السورية، ومثل الحكومة اللبنانية بتوقيع هذا الاتفاق العقيد جميل الحسامي (وهذا المركز سمي «مخفر زبدين المؤقت» وكان يتواجد فيه عناصر من الدرك اللبناني إلى جانب عناصر من الدرك السوري) وتم اقفال هذا المخفر عام 1965.

رابعاً: تصور هيئة أبناء العرقوب للتحرك من أجل تحرير المزارع

عندما نتحدث عن قضية بحجم قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والمعاناة المستمرة منذ أكثر من خمسة عقود مضافاً إليها المعاناة المزمنة لأبناء العرقوب، نستشعر أهمية وجود مؤسسة وطنية نضالية مطلبية تأخذ على عاتقها حمل هموم الأهالي والتعبير عن تطلعاتهم وآمالهم ومحاولة رفع الظلم عنهم فكانت هيئة أبناء العرقوب. المؤسسة الوطنية التي أخذت على عاتقها الدفاع عن قضايا منطقة العرقوب بشكل عام وعن قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بشكل خاص. إن استخراج هذه القضية من جوارير النسيان والإهمال الرسمي اللبناني، وتحويلها بالنضال والكفاح والتضحيات والمثابرة، بدعم كل المخلصين، إلى قضية وطنية جامعة وقضية عربية ودولية محورية وهامة كان هدفا سعت اليه الهيئة بكل ثقة وقوة.

تتلخص رؤية الهيئة وتصورها للتحرك من أجل تحرير المزارع والتلال عبر الخطوات التالية:

أولاً: تشكيل الهيئة الوطنية لمتابعة قضية الأراضي اللبنانية المحتلة لتكون مسؤولة عن متابعة ملف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر والنخيلة وغيرها من الأراضي اللبنانية المحتلة على أن تضم هذه الهيئة بالضرورة أعضاء من هيئة أبناء العرقوب كممثلين عن أصحاب الحقوق و لما للهيئة من خبرة و دور في هذا الملف.

ثانياً: قيام الهيئة الوطنية بقيادة تحرك فاعل تجاه الأمم المتحدة من أجل تصويب موقفها من مزارع شبعا واعتبارها تخضع للقرار 425 وليس لأي قرار آخر، وقيادة حملة دولية لمناصرة لبنان والضغط على إسرائيل للإنسحاب من المزارع والتلال والأراضي اللبنانية المحتلة كافة.

ثالثاً: تشكيل ملف قانوني واقتصادي يتضمن الخسائر التي لحقت بأصحاب الحقوق في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا خلال 56 عاماً من الاحتلال والتقدم بشكوى لدى المحاكم الدولية المختصة لمطالبة إسرائيل بالتعويض عن هذه الخسائر التي تجاوزت 16.5 مليار دولار على اعتبارها جرائم حرب واعتداءات غير مبررة على مواطنين أبرياء وحرمانهم من مصادر عيشهم.

ولأن هذه المناطق تم الاعتداء عليها في أوقات لم يكن لبنان دخل فيها أية حروب ضد إسرائيل ولم يكن احتلال هذه الأرض جزءاً من اجتياح عام 1978 أو اجتياح عام 1982، بل شكل احتلال المزارع عدواناً صارخاً يعبّر عن الأطماع الصهيونية بهذه الأرض، وهذا ما يسهّل للبنان إمكانية رفع شكوى أمام المحاكم الدولية والمطالبة بالتعويض. ويمكن أن يضاف إلى الملف كل الخسائر التي نتجت عن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان في مراحل متعددة (عدوان 1968على مطار بيروت، اجتياح 1978 ، اجتياح 1982، حرب تموز2006، الخ ..).

رابعاً: رفض إلحاق مزارع شبعا بالقرار 242 لأن فيه ضرراً للبنان وضياعاً لحقوقنا ويتطلب مفاوضات واتفاقات سلام وغير ذلك. والإصرار على أن القرار 425 هو الذي يشمل مزارع شبعا والتمسك بموقف لبنان الرسمي والشعبي على اعتبار أن تنفيذ هذا القرار غير ناجز قبل تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا و النخيلة والجزء اللبناني من قرية الغجر وبقية الأراضي اللبنانية المحتلة.

خامساً: رفض فكرة اللجوء إلى التحكيم الدولي كما حصل في طابا، لأنه لا يوجد تنازع قانوني على الملكية بين أطراف عدة. فإسرائيل تقول إنها محتلة لهذه الأرض ولبنان يقول بأنها تعود له، وسوريا تقول بأنها للبنان، فاللجوء إلى المحاكم الدولية للحصول على ماذا؟؟

في الخلاصة نحن أمام مسألة معقدة وقضية حساسة تستهدف الحفاظ على المصلحة الوطنية اللبنانية في

استرجاع الأراضي المحتلة في المزارع والتلال والغجروالنخيلة وكل موقع احتله العدو . فهذه الأرض قبل ان تكون ملكاً لأصحابها هي جزء من السيادة الوطنية اللبنانية وعلى الدولة اللبنانية الدفاع عنها وحمايتها .

عميد كلية إدارة الأعمال الإسلامية ورئيس هيئة أبناء العرقوب